ناقة صالح بنت الصخر

ت + ت - الحجم الطبيعي

قصة ناقة سيدنا صالح عليه السلام قصة جديرة بالتدبر والتأمل، والتذكر والاعتبار، لما فيها من الدروس والعبر، وتلكم هي سمة القصص القرآنية بصفة عامة، لأن كثيراً من القصص القرآنية غالباً ما تكون مقرونة بذكر الأنبياء والمرسلين، فقصة الناقة قرنت بسيدنا صالح عليه السلام، وقصة البقرة قرنت بسيدنا موسى عليه السلام، وقصة الهدهد قرنت بسيدنا سليمان عليه السلام، ونحن المسلمين إن لم نعتبر بقصص القرآن فبماذا نعتبر؟

وقد جاء في النص القرآني الشريف ما يؤكد أن في القصص القرآني عبرة لأولي الألباب، فها هي ذي قصة سيدنا يوسف عليه السلام، يبدؤها ربنا سبحانه وتعالى بقوله {نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَٰذَا الْقُرْآنَ وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِين}، ويختمها بقوله جل وعلا: {لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ}، ومن أصدق من الله قيلاً؟

وإذا كان الله عز وجل يؤيد كل رسول بمعجزة من جنس ما برع فيه قومه، فقد جعل معجزة سيدنا صالح عليه السلام هي الناقة العشراء التي خرجت من الصخرة على مرأى من الذين كانوا ينحتون من الجبال بيوتاً فارهين، ويتخذون مصانع لعلهم يخلدون، ويحفرون الآبار، ويحرثون الأرض، وما سمع أحد أن الجبل يوماً تمخض عن ناقة أو حتى عن قطة، ولكنه تأييد الله لأنبيائه بالمعجزات البينات، وخوارق العادات، ليهلك من هلك عن بينة، ويحيا من حي عن بينة.

سيدنا صالح عليه السلام كان يعيش بين قوم جبارين، وهم قبيلة ثمود التي كانت تعيش في شمال شبه جزيرة العرب، وقد أنعم الله عليهم بالزروع والثمار، فبدلوا نعمة الله كفراً وأحلوا قومهم دار البوار وما شكروا الله على نعمه، بل طغوا وبغوا وعاثوا في الأرض فساداً، فبعث الله تعالى إليهم سيدنا صالحاً عليه السلام)يدعوهم بالحكمة والموعظة الحسنة، لكن قلوبهم القاسية، وطباعهم الغليظة، وتمسكهم بضلال آبائهم الأولين، كل ذلك حال بينهم وبين الانصياع لدعوة الحق، والاستجابة لله وللرسول إذا دعاهم لما يحييهم، وصدق الشاعر إذ يقول:

إذا قسا القلب لم تنفعه موعظة.. كالأرض إن سبخت لا ينفع المطر

قال لهم أخوهم صالح: {..... يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَٰهٍ غَيْرُهُ هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُجِيبٌ* قَالُوا يَا صَالِحُ قَدْ كُنْتَ فِينَا مَرْجُوًّا قَبْلَ هَٰذَا أَتَنْهَانَا أَنْ نَعْبُدَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا وَإِنَّنَا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ}.

ثم طلبوا منه أن يدلل على صدق رسالته بأن يخرج لهم من الصخرة ناقة عشراء، «أي في بطنها حمل منذ عشرة أشهر»، وهم على يقين من أن الصخرة لا تلد إلا إذا حدثت معجزة، وهم منكرون لذلك تماماً، فمتى حملت الصخرة حتى تلد؟ وأي عقل يقول هذا القول؟

لكنّ أخاهم صالحاً قال لهم: أعلمُ أن الله على كل شيء قدير، فهل إذا خرجت الناقة العشراء من الصخرة تؤمنون بأني رسول الله إليكم؟ قالوا: نعم، فوقعت المعجزة وأخرج الله لهم الناقة من الصخرة، فسجد صالح شكراً لربه، وآمن معه عدد قليل، لكن الكثرة الكثيرة ظلت على كفرها وعنادها، وسخروا من القلة المؤمنة، كل ذلك والناقة تمر عليهم في بيوتهم فيأخذون من لبنها ما يريدون، وهم بنعمة الله كافرون، وأمر الله نبيه صالحاً عليه السلام أن ينبئهم أن الناقة لها شرب ولهم شرب يوم معلوم، ولكن الشر الذي جبلوا عليه جعلهم يتمادون في غيهم ويصرون على عنادهم، {وَكَانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلَا يُصْلِحُونَ}.

هؤلاء التسعة فكروا في قتل الناقة ونفذوا مؤامرتهم الدنيئة، {فَنَادَوْا صَاحِبَهُمْ فَتَعَاطَىٰ فَعَقَرَ}، فتوعدهم سيدنا صالح بأن انتقام الله منهم سيكون قريباً، {فَعَقَرُوهَا فَقَالَ تَمَتَّعُوا فِي دَارِكُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ذَٰلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ}، فلما كان اليوم الرابع أنزل الله تعالى نقمته بهم، {فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوهَا* فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ بِذَنْبِهِمْ فَسَوَّاهَا* وَلَا يَخَافُ عُقْبَاهَا}.

ألا ما أشقى من يقابل النعمة بالجحود، والعطاء بالكفران، ألا ما أتعس من يرد النعمة على المنعم، يأكل خير ربه، ويمنع رفده، {إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَذِكْرَىٰ لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ}، {وَكَذَٰلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَىٰ وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ}.

تلكم هي ناقة صالح التي ورد ذكرها في القرآن الكريم، والتي خلقت في غير رحم، فكانت معجزة وآية، {أَلَا إِنَّ ثَمُودَ كَفَرُوا رَبَّهُمْ أَلَا بُعْدًا لِثَمُودَ}. فاعتبروا يا أولي الأبصار.

Email