النمل.. الاحتراز وعصمة الأنبياء

ت + ت - الحجم الطبيعي

سورة النمل سورة كريمة من سور القرآن الكريم، سُمِّيَتْ بهذا الاسم لاشتمالها على قصة النملة مع نبي الله سليمان عليه السلام، حينما كانوا مشاة في الأرض أو رُكباناً في أمر مَهُول منظره، وأحسَّت النملة ولعلها ملكة النمل بنزولهم أو بقرب نزولهم في وادي النمل، فخافت على إخوتها من النمل، فأمرتهم بالدخول في مساكنهم والفرار إلى أماكنهم حذراً من تحطيم سليمان وجنوده لهم بدون شعور، لأنهم لو شعروا بهم لم يحطموهم، وقد فهم سليمان عليه السلام مقالة النملة، وتبسم ضاحكاً من قولها لأنها برَّأت ساحته وساحة جنوده من الاتهام بالعمد والقصد إلى التحطيم والتكسير والعدوان، وسُرَّ بما آتاه الله من علم وإدراك جعله يسمع ما همست به النملة، التي هي مَثلٌ في الصِّغر والقِلَّة، ويحيط بمعناه.

ولذلك دعا الله سبحانه وتعالى أن يلهمه شكر ما أنعم الله به عليه وعلى والديه، وفي هذا يقول الله جل شأنه في سورة النمل: «وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ عِلْماً وَقَالاَ الْحَمْدُ لِلّهِ الّذِي فَضّلَنَا عَلَىَ كَثِيرٍ مّنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ* وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ وَقَالَ يَأَيّهَا النّاسُ عُلّمْنَا مَنطِقَ الطّيْرِ وَأُوتِينَا مِن كُلّ شَيْءٍ إِنّ هَـَذَا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ* وَحُشِرَ لِسْلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنّ وَالإِنْس وَالطّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ* حَتّىَ إِذَآ أَتَوْا عَلَىَ وَادِي النّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَأَيّهَا النّمْلُ ادْخُلُواْ مَسَاكِنَكُمْ لاَ يَحْطِمَنّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ* فَتَبَسّمَ ضَاحِكاً مّن قَوْلِهَا وَقَالَ رَبّ أَوْزِعْنِيَ أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الّتِيَ أَنْعَمْتَ عَلَيّ وَعَلَىَ وَالِدَيّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحاً تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصّالِحِينَ».

سياسة الكبار

وهذه الآيات حافلة بالإشارات والدلالات، قال الإمام القشيري تعليقاً على قوله تعالى: «قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ»، فيه دليل على وجوب سياسة الكبار لمن هو في رعيتهم، وفي الآية دليل على حُسْن الاحتراز مما يُخْشى وُقُوعُه.

وقال الإمام الفخر الرازي: وفي هذه الآية تنبيه على أمور أحدها: أن من يسير في الطريق لا يلزمه التحرز، وإنما يلزم من في الطريق التحرز، وثانياً: أن النملة قالت «وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ» كأنها عرفت أن النبي معصوم فلا يقع منه قتل هذه الحيوانات إلا على سبيل السَّهْو، وهذا تنبيه عظيم على وجوب الجزم بعصمة الأنبياء عليهم السلام.

وقال الإمام القرطبي تعليقاً على قوله تعالى «وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ»: إشارة إلى الدِّين والعدل والرأفة، ونَظِيرُ قولِ النملة في جُند سليمان: «وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ» قولُ اللِه في جُند محمد صلى الله عليه وسلم: «فَتُصِيبَكُمْ مِنْهُمْ مَعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ» التفاتاً إلى أنهم لا يقصدون هَدْر مؤمن، إلا أن المُثنِي على جُند سليمان هي النملة بإذن الله تعالى، والمُثنِي على جُند محمد صلى الله عليه وسلم هو الله عزَّو وجل، لِما لِجنود محمد صلى الله عليه وسلم مِن الفضل على جُند غيره من الأنبياء، كما لِمحمد صلى الله عليه وسلم فضلٌ على جميع النبيين صلى الله عليهم وسلم أجمعين.

عالم صغير

وقال الشيخ محمد أحمد العدوي: وفي الوقت الذي تُحَذِّر فيه قومها تلفت نظر سليمان إلى أن في طريقه عالَماً هو أقل منه جسماً، وأضعف استعداداً، ولا يليق بسليمان وقد آتاه الله ما آتاه من الملك والسلطان أن يغفل عن ذلك العالم الصغير، فإنه خَلْقٌ مِن خَلْق الله، لا ذَنْبَ له في أنْ خلقه الله ضعيفاً لا يستطيع أن يكافح من هو أعظم منه، ولا حيلة له في تحويله من الصِّغر إلى الكِبَر، ومن الضعف إلى القوة، تلفته إلى أنه ينبغي للقوي أن يلحظ الضعيف، وللكبير أن يرحم الصغير.

قال أهل المعاني: في كلام هذه النملة أنواع من البلاغة، نادتْ، ونَبَّهتْ، وسَمَّتْ، وأَمَرتْ، ونَصَّتْ، وحَذَّرتْ، وخَصَّتْ، وعَمَّتْ، وأَشارتْ، وأَعْذرتْ.

نادتْ: (يا)، نبَّهتْ: (ها)، سَمَّتْ: (النمل)، أَمَرتْ: (ادخلوا)، نَصَّتْ: (مساكنكم)، حَذَّرتْ: (لا يحطمنكم)، خَصَّتْ: (سليمان)، عَمَّتْ: (وجنوده)، أشارت: (وهم)، أعذرتْ: (لا يشعرون)، وهذا أمر معجب لما فيه من جزالة الألفاظ وجلالة المعاني.

تسمية ووصف

 

قال القرطبي: سُمِّيتِ النملةُ نملةً لتنملها، وهو كثرة حركتها وقلة قرارها. وقال ابن عطية: والنمل حيوان فَطِنٌ قويٌ شَمَّام جداً، يَدَّخر، ويتخذ القُرى، ويَشُقُّ الحَبَّ قطعتين لِئلا ينبت، ويشق الكزبرة أربع قطع، لأنها تنبت إذا قسمت شقتين، ويأكل في عامه نِصف ما جَمع، ويستبقي سائره عُدَّةً.

Email