حوار

د. سعيد عبد الله: كفى الطب شرفا أنه معجزة عيسى

  • الصورة :
  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

صباح كل يوم، أنتم على موعد مع تفاصيل حصرية لشخصيات تختلف في المسميات وتتحد في الإنجازات، نحاور لمساحة ثابتة؛ ضيفاً رمضانياً في موقعه، نتعرف منه على يوم رمضاني، وندقق في التفاصيل التي يؤديها على رأس عمله، ونعرج على صعوبات لابد وأن تنغص بعض وقته، حتى نصل إلى مواقف وطرائف مُندسّة بين سطور العمل، تمنح صاحبها طاقة إيجابية نحو مزيد من المثابرة والجد والاجتهاد، من منطلق أن »العمل عبادة«. كل يوم ستجدون في هذه المساحة »شخصية ومهنة«، ندخل إلى ميدان عملها من باب رمضاني يُعنى بكل ما يحيط بواقعها المهني؛ نهاراً وقت الصوم أو ليلاً بعد الإفطار، المهم أننا نحاور مسميات مهنية لا تتشابه، لنجسد لكم قالباً صحافياً جديراً بالاهتمام، ففي كل يوم تجدون »شخصية ومهنة«، وهذه إحدى المهن التي طرقناها؛ فدخلت بابنا الرمضاني.

يعد الدكتور سعيد عبد الله رئيس وحدة الأمراض المعدية بمركز الفحص والصحة الوقائية في أبوظبي، من الرعيل الأول الذي انخرط في دراسة الطب، وواحدا من أولئك الذين وفرت لهم الدولة كل الدعم للحصول على الشهادات التخصصية، حيث حصل على درجة البكالوريوس في الطب العام للجراحة، والماجستير في طب المجتمع ثم درجة الدكتوراه في نفس التخصص. ويؤكد الدكتور سعيد أن مهنة الطب رغم صعوبتها وما تنطوي عليه من مخاطر فإنها من المهن الشيقة التي لا تعرف الروتين أو الرتابة فكل يوم جديد في حياة الطبيب وفضلا عن ذلك فإنها من المهن الانسانية التي تتطلب من الطبيب أن يكون مستعدا لممارسة مهنته في كل وقت وحين لانقاذ المرضى والمصابين.

وأضاف أن مهنة الطب من أنبل المهن وأشرفها، وكفاها شرفا وكفى أهلها فخرا أن جعلها الله إحدى معجزات عيسى عليه السلام، قال تعالى على لسان المسيح: »وأبرئ الأكمه والأبرص وأحيي الموتى بإذن الله« لذلك يجب على الطبيب أن يصل نفسه بركب العلم فيواكب تقدمه، وأن يكون متابعا لأحدث ما توصل إليه العلم من حقائق واكتشافات طبية، فما يصلح اليوم في الطب قد لا ينفع غدا.

وعن رمضان يسترجع الدكتور سعيد عبد الله ذكرياته بقوله بدأت الصيام وعمري 7 سنوات وكنا نصوم في البداية كنوع من التحدي بين الإخوة والأخوات والأصدقاء وكنا نجد تشجيعا ودعما وأيضا حوافز كبيرة من الوالدين على الصيام ولكن عندما كبرت قليلا بدأت أعي أن صيام شهر رمضان الكريم هو تكليف من الله عز وجل وركن من أركان الإسلام ومنذ ذلك العمر التزمت التزاما كاملا بالصيام.

ويستطرد واتذكر جيدا أيام الدراسة في أوروبا وكنت أدرس في بريطانيا حيث كنا نعيش في تجمعات شبابية وخلال شهر رمضان نصنع بأنفسنا الأجواء الرمضانية الموجودة في دولنا العربية من تعليق الفوانيس والزينة وكنا في مجموعة مكونة من الشباب من مختلف الدول العربية والإسلامية، فعند الإفطار وكان في وقتها الصيام يستمر لحوالي 18 ساعة في أسكوتلندا وكل منا كان يقوم بصنع واحضار الأطعمة والمشروبات المتميزة في الدولة التي ينتمي إليها وفي النهاية تجد سفرة رمضان غنية بالأطعمة والمأكولات الشهية.

ويتحدث الدكتور سعيد عن فلسفة الصيام واثرها على صحة الفرد ويسترشد بقول الرسول صلى الله عليه وسلم: »صوموا تصحوا«. وقال نحن أمة العرب ننتظر طويلا حتى تأتي لنا الدراسات الغربية لبيان صحة أقوال وأفعال الرسول صلى الله عليه وسلم، ففي دراسة جديدة اثبتت صدق قول رسولنا الكريم: »صوموا تصحوا« حيث اكدت تلك الدراسة أن الصوم لمدة ثلاثة أيام يعمل على رفع مناعة الجسم وتحفيزها لمقاومة الأمراض والبكتيريا، كما كشفت تلك الدراسة أن جسم الإنسان يكون اكثر استعدادا لامتصاص السوائل في أوقات اكتمال القمر وهي ما يطلق عليها الليالي القمرية وهي ما يستحب الصيام فيها للمسلمين.

ويعتقد الدكتور سعيد أن الصيام فضلا عن الروحانية والشفافية التي يمنحها للصائم ويستشعرها أثناء صومه فإنه يعطيه طاقة مضاعفة في العمل وينجز ما لا يمكن إنجازه في الفطر ولذلك لا يكتفي بصوم شهر رمضان بل إنه يواظب على الصيام خلال يومي الاثنين والخميس كل أسبوع.

وفيما يخص طقوس رمضان وعادات المأكل والمشرب خلاله، أشار الدكتور عبد الله إلى أن دولة الإمارات لديها عادات وتقاليد وطقوس مميزة ربما تختلف قليلا عن بعض الدول العربية والاسلامية، نحن في الامارات لا يقوم البيت الإماراتي بتجهيز الطعام لنفسه فقط بل يعد ما يكفي لتوزيعه على الجيران والأصدقاء خاصة الأكلات الشعبية المفضلة مثل الهريس والثريد والقطائف وما إلى ذلك ويتم توزيعها على الجيران والأصدقاء قبل الإفطار وفي نفس الوقت يستقبل نفس المنزل الطعام القادم من الجيران والأصدقاء، وهكذا.

وقال في شهر رمضان تزيد فينا الجوانب الروحانية الايجابية فتجد منظومة متكاملة متجانسة قائمة بين الناس مبنية على المحبة والتسامح والألفة بين الأهل والجيران فالصيام وسيلة إلى التقوى لأنه إذا انقادت نفس الإنسان للامتناع عن الحلال طمعا في مرضاة الله تعالى وخوفا من أليم عقابه فأولى أن تنقاد للامتناع عن الحرام فكان الصوم سبباً للاتقاء عن محارم الله وإليه وقعت الإشارة بقوله تعالى في آخر آية الصوم: »لعلكم تتقون«.

وعن أجمل ما يميز ليالي رمضان في دولة الإمارات بالنسبة للدكتور سعيد عبد الله قال إن المجالس الرمضانية المتعددة سواء كانت ثقافية دينية تراثية اقتصادية أو غيرها فكلها تستهويه ويحرص على المشاركة فيها خاصة المجالس الدينية التي يشارك فيها فضيلة الشيخ علي الهاشمي مستشار رئيس الدولة للشؤون الدينية، وكذلك المجالس التي يتم دعوته إليها وتتناول موضوعات طبية تتعلق بالرعاية الصحة وتطورها في دولة الإمارات، وأهم التحديات الصحية التي تواجه المؤسسات الصحية حاليا. ويؤكد الدكتور سعيد عبد الله أن حكومة الامارات نجحت نجاحا منقطع النظير في القضاء على العديد من الأمراض المعدية التي كانت منتشرة في الماضي بصورة وبائية، وليس أدل على ذلك من القضاء على مرض الملاريا من الدولة الذي كان متوطنا في السابق، وإعلان خلوها من المرض من قبل منظمة الصحة العالمية، مشيرا إلى نجاح برامج التقصي الوبائي في القضاء على الأمراض المعدية والسارية لأن هذه البرامج تستهدف القضاء على مسبب المرض سواء كان بكتيريا أو فيروسات أو نواقل أخرى، فإذا ما قضي عليها وحافظت على عدم دخولها إلى أراضي الدولة فإنك تكون قد قضيت عليها.

الأمراض المزمنة مرتبطة بسلوكيات المجتمع

 

 

ارتفاع معدلات الإصابة بالأمراض المزمنة وغير المعدية مثل السكري وضغط الدم وأمراض الشرايين في دولة الإمارات بصورة غير مسبوقة وعلى الرغم من الأموال الطائلة التي تنفق في علاجها وعلاج مضاعفاتها فذلك بسبب أنها أمراض مرتبطة بسلوكيات المجتمع غير الصحية وهي كثيرة ومن أهمها التدخين وعدم ممارسة الرياضة والخمول وارتفاع نسبة السمنة وكلها عوامل تتسبب فيها سلوكيات الفرد غير الصحية مثل المداومة على الأكلات السريعة والأطعمة المشبعة بالدهون.

حملة صحية

ويعتقد أن المجتمع الاماراتي يحتاج إلى حملة صحية واسعة وشاملة ومستمرة وعلى كافة المستويات لتغيير اتجاهاته العامة فيما يخص العادات الغذائية الضارة وكذلك يحتاج إلى العديد من التشريعات التي تعمل على تحجيم شركات الأغذية والأطعمة السريعة والمشروبات الغازية وكذلك الشركات المنتجة لأطعمة الأطفال لخفض مكسبات الطعم والألوان الصناعية.

ويحرص الدكتور سعيد خلال شهر رمضان على زيارة الأهل والأصدقاء والجيران بصفة دورية، وكذلك زيارة والده كل أسبوع ومع ذلك يحرص ايضا على عدم المبالغة في السهر بعد صلاة التراويح لأن جسم الانسان إذا لم يأخذ قسطا من الراحة أثناء الليل، فلن يتمكن الإنسان من مباشرة عمله في اليوم الثاني أو أنه ربما لا يستطيع الاستيقاظ في موعده.

تعزيز الترابط

ويؤكد الدكتور سعيد عبد الله على أن سفرة الإفطار التي تجمع الأسرة طوال شهر رمضان هي الوسيلة الجيدة للالتقاء بالأبناء والزوجة أو الأقارب وتعزز الترابط بينهم، ثم تأتي صلاة العشاء والتراويح ومن ثم تحلو تلاوة القرآن بعد ذلك، لافتا إلى أن من يهتم بقراءة وتحفيظ الأولاد للقرآن الكريمة هي الزوجة وتعطي أهمية وأولوية لذلك.

ويشير الدكتور سعيد عبد الله إلى أن المبالغة في شراء حاجيات رمضان والاسراف في الطبخ يرتبطان بعاملين اساسيين في الانسان، الأول العامل النفسي والثاني العامل العرفي فكلا العاملين مسؤول في مسألة الاسراف في الطعام والشراب في رمضان فالعامل النفسي المرتبط بنفسية الشخص الذي يقوم بالشراء أو اعداد الطعام فإذا كان هذا الشخص يشعر بالجوع والعطش فإنه بطبيعة الحال سيشتري أكثر أو يطبخ أكثر من اللازم، أما العامل العرفي وهو يكاد يكون أقوى من العامل الديني لأن الناس تعودوا على المبالغة في الشراء وأصبح عرفا أن تقوم الناس خلال شهر رمضان بتخزين ما يلزم وما لا يلزم من الأطعمة والمشروبات بغض النظر عن مدى احتياجهم لها.

مسؤولية مجتمعية

ويؤكد أن العرف لا يغيره إلا عرف اقوى منه، ولذلك فهي مسؤولية مجتمعية تقع على عاتق الجميع كما ينبغي على المؤسسات المعنية في الدولة القيام بحملات توعوية وتثقيفية حتى يقتنع الناس بأن مقصد الصيام ليس في المأكل والمشرب بل لفريضة الصيام في شريعة الإسلام مقاصد وغايات عظيمة وعديدة روحية وتربوية وأخلاقية وصحية واجتماعية وهي جميعها تهدف إلى تربية النفس وتهذيبها وتزكيتها وهدايتها إلى خالقها وإلى سبيل الحق والرشاد.

 

سيرة ذاتية

 

حصل الدكتور سعيد على عضوية الكلية الملكية البريطانية لطب المجتمع وعضوية الاتحاد الدولي لعلم الوبائيات، وشغل عدة وظائف فنية وإدارية، منها طبيب ممارس عام في مستشفى العين ثم مدير الرعاية الصحية الأولية بالعين، بعد ذلك سافر إلى المملكة المتحدة لنيل الماجستير في طب المجتمع وبعد عودته كلف بإدارة التخطيط في وزارة الصحة، ثم تم تعيينه مديرا لمستشفى الجزيرة والمركزي، بعد ذلك سافر إلى الخارج مرة أخرى لنيل شهادة الدكتوراه، وقد حصل عليها وعلى العضوية الملكية لطب المجتمع، وعندما عاد عمل استاذا مساعدا في كلية الطب جامعة الامارات ثم شغل وظيفة مدير إدارة الجودة والتطوير في وزارة الصحة، ويشغل حالياً وظيفة رئيس وحدة الأمراض المعدية بمركز الفحص والصحة الوقائية في أبوظبي.

Email