الحصان الطائر

ت + ت - الحجم الطبيعي

كنت أنتظر أن يأتي يوم الخميس بسرعة، وقتها كنا ندرس ستة أيام في الأسبوع فلا نهنأ إلا بإجازة يوم الجمعة، يصطحبنا والدي لزيارة جدي - رحمه الله- إلى منطقة جميرا في دبي، كان جدي يملك عدداً من الخيول والأحصنة العربية التي وضعها في حظيرة صغيرة في إحدى الساحات الرملية قرب منزله، تلك الحظيرة لم تكن ترقى لأن تكون إسطبلا للخيول بمعنى الكلمة نظراً لقلة الإمكانيات في تلك الفترة.

عشقت تلك الخيول، وددت لو كنت أمتلك العديد منها، لأقفز من فرس إلى أخرى من حصان إلى آخر كما يفعل لاعبو السيرك، أحببت الفرس البيضاء التي يمتلكها جدي، كنت دائماً ما أرغب في ركوب الفرس البيضاء بمفردي، تلك الفرس الهادئة الوديعة الطويلة، لكنه لم يكن يسمح لي بذلك لصغر سني، كان يركب على الفرس ويضعني أمامه ليضمن ألا أسقط ثم يتجول في الفريج، وعندما تعدو الفرس أشعر ببطني يرتفع وينخفض فألهث ليشد اللجام فتخفف الفرس من سرعتها.

نظرت باتجاهه ذات مرة فأحس أني أريد شيئاً، فَهِم على الفور ما أود قوله فأخبرني أنه قد اشترى حصاناً سيصل عن طريق البحر قادماً من سوريا، حصان أحمر اللون يطير في الهواء من شدة سرعته!.

شعرت بسعادة عارمة فأخبرت جميع أصدقائي عن هذا الحصان الذي يطير، كنت في كل زيارة لجدي أسأل عن موعد وصوله، وجدي يؤكد لي أنه سيصل قريباً، كنت طفلاً صغيراً لا يختلف حالي عن حال الطفل المتلهف لهدية العيد.

مرت الأسابيع وأنا انتظر الحصان الأحمر الذي يطير، وكانت مفاجأة لي عندما شاهدته للمرة الأولى، ركضت باتجاهه بسرعة، تعثرت فسقطت على الرمال قرب الحظيرة، نهضت بسرعة دون أن انفض الرمل الذي علق بوجهي كأنَّ شيئاً لم يحدث لي، اقتربت من الحصان، لم يكن ذا جناحين مثلما رأيت في مسلسلات الرسوم المتحركة، لم يكن يستطيع الطيران بالمعنى الحرفي إنما كان يطير بالمعنى المجازي من شدة سرعته، ورغم هذا كنت سعيداً به، أمسكته من اللجام المزين بالألوان الخضراء والحمراء وسحبته لمسافة قصيرة، وبذلك أصبح حصاني الذي امتطيه كل يوم خميس، أشعر بالغيرة كلما اقترب منه أحد غيري أو امتطاه دون أن يشاورني.

كبرت قليلاً وكبرت أحلامي معي، كنت أتابع مسلسل الرسوم المتحركة ساسوكي الذي يحارب الأشرار، ثم أحلم وأتخيل لو كنت مثله استطيع التحول إلى الطائر الناري أو إلى أي شكلٍ من الأشكال لأطير وأنقذ العالم من الأشرار الذين يحيطون بنا في كل مكان، كنت أحلم أن أكون مثل حميدو شامل في مسلسل أبطال الملاعب، أقلد تلك التسديدات وأطلق عليها مسميات مختلفة مثل الضربة الصاروخية واللولبية والدائرية عندما نلعب مع بعضنا البعض في ملعب الفريج الرملي كل يوم، أو أتمنى أن تكون عندي مركبة فضائية مثل غرانديزر لأصبح دوق فليد الذي يدافع عن الأرض من غزو المركبات الفضائية.

مررنا بمرحلة المراهقة وبدأت تتغير أحلامنا وطريقة تفكيرنا، صرنا أكثر نضجاً في أحلامنا وطموحاتنا، كنت أود أن أصبح مهندساً لعلي استطيع بناء محطة فضائية أو اخترع اختراعاً لا يخطر على بال أحد ليفيد البشرية جمعاء، بينما كان غيري يريد أن يكون ضابط شرطة ليقبض على المجرمين، وآخر يريد أن يكون طياراً يقود الطائرات الحربية، البعض منا اصطدم بالواقع فلم يستطع أن يكون ما أراد أن يكون، والبعض الآخر حقق أحلامه أو على الأقل استطاع تحقيق جزء من هذه الأحلام.

مرت الأيام وكبرنا وتزوجنا، ثم رزقنا الله بالبنين زينة الحياة الدنيا، وصار أولادنا يحلمون أكثر منا، صارت أحلامهم تختلف عن أحلامنا، تلك الأحلام المرتبطة بالواقع التكنولوجي الذي يعيشونه لا الواقع الذي عشناه، استمع إلى أحلامهم الكثيرة فاستغرب وأقارنها بأحلامنا، ويتلاشى هذا الاستغراب عندما أتذكر أن لكل زمان دولة ورجال، وبغض النظر عما إذا حققنا أحلامنا في الصغر أو لم نحققها في الكبر، تبقى الأحلام والأمنيات شيئاً جميلاً يجعلنا نعيش لحظات من السعادة والأمل، فلا تحرموا أنفسكم من الأحلام والأمنيات.

 

almzoohi@

Email