نعمة الإيمان بالله تعالى وواجب شكرها

ت + ت - الحجم الطبيعي

نعم الله تعالى على عباده كثيرة وفيرة، لا تدخل تحت حد ولا حصر، كما قال سبحانه وتعالى: {وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ } أي لا يحصيها حاصٍ مهما بلغ من دقة الإحصاء، وهي نوعان ظاهرة تدرك بالحس كنعمة الحواس الخمس من سمع وبصر وذوق وشم، ونعمة العقل ونعمة الصحة ونعمة المال وغير ذلك..

وباطنة لا تعرف إلا بالإحساس الداخلي والشعور بالنعمة من غير إدراكٍ لها، كنعمة الإيمان بالله تعالى، والهداية للإسلام، والتلذذ بالطاعة، وقد ذكَّرنا الله تعالى بنوعي نعمه الظاهرة والباطنة كما في قوله سبحانه وتعالى: {أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً} ليحثنا على شكرها عليها.

وكثير من الناس يشكرون الله تعالى على نعمه الظاهرة، فيصونون حواسهم عن صرفها في غير ما أحل الله تعالى، ويستخدمونها فيما أمرهم أو ما أحله لهم، ويؤدون ما أوجب الله تعالى عليهم فيها، من عبادات بدنية أو مالية، أو مشتركة بينهما، وذلك خير عظيم، وهو سبب لحفظ الله تعالى لها معهم، كما يدل لذلك قوله سبحانه: {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ} أي أعلم ربكم بذلك، فشكر الله على نعمه سبب لحفظها وزيادتها، كما قالوا: الشكر قيد للموجود وصيد للمفقود.

أما النعم الباطنة فهي كثيرة، وقد فسرت بتفسيرات كثيرة، وأجلُّها الإيمان بالله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم، لأن عدم وجودها هي الشِّقْوة الدائمة التي تخلِّد الإنسان في مقت الله وغضبه، ودليل ذلك أن الذين يعيشون في رغَد عيشٍ وسعادة مادية، سرعان ما يفقدونها بزوالها عنهم، أو زوالهم عنها، وكثيرا مما يكون زوالهم عنها بفعلهم أنفسهم بالانتحار أو نحوه، وهذا ملموس ومشاهد ممن يعيش حياته للحياة فقط، حيث لا يغنيه في حياته شيء، بخلاف من يعيش حياته في نعيم الإيمان والرضا بالملك الديان، ومحبة سيد ولد عدنان صلى الله عليه وسلم، فإنه يعيش سعادة الروح والنفس، يعيش محبا لنفسه وربه وغيره والكون الذي يعيش فيه، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم: «ذاق طعم الإيمان من رضي بالله ربا، وبالإسلام دينا، وبمحمد رسولا».

فدل على أن نعيم الإيمان له ذوق وحلاوة وطعم، يتذوَّقُه المرء فيسعد في حياته، ويسعد غيره بما منَّ الله عليه، فيكون محبا ومسالما عاملا للخير، متعاونا فيه، داعيا له، ويقابل بمثل ذلك، فيشعر بمتعة الحياة الدنيا، ويتطلع إلى حياة سعيدة في الآخرة، فيعمل عملها برغبة ومحبة، فلا يجد في العبادة تعبا ولا نصبا، ولذلك علق فلا ح المرء بهذا الإيمان كما قال الله تعالى: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ} ثم رتب على هذا الفلاح صفات لا تكون إلا مع الإيمان الكامل بالله تعالى، وقال { قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى} وفي الحديث الصحيح أنه صلى الله عليه وسلم قال: «قد أفلح من أسلم، ورزق كفافا، وقنعه الله بما آتاه».

والدليل على ذلك ما يجده المسلم في هذا الشهر الكريم من شعوره بغِبطة الإيمان، ولذة طاعة الرحمن، فهو يجوع ويعطش، ويقوم ويتهجد ويقرأ ويتصدق، ومع ذلك يحسُّ بسعادة غامرة؛ لأن إيمانه يشعره بأنه يعمل لمرضاة ربه سبحانه، ويدخر ذلك عنده فلا يضل ولا يشقى، ولا يضيع أجراه ولا ينساه ربه من طَوله وإحسانه.

بينما يُرى كثيرٌ ممن فقد هذه النعمة فيُرى البون الشاسع بينه، وبينه، فهذا يعيش حياته الآنية، ويضيع حياته المستقبلية التي هي الحياة الحقيقة، والسعادة الأبدية، والفوز المبين، فيشكر المؤمنُ ربَّه سبحانه وتعالى على ما أنعم عليه من نعمة الإسلام، ولم يجعله عابدا لهواه أو للأوثان، أو عاملا بما يسخطه، فيكون مآله النيران، عياذا بالله من ذلك، وبذلك تزداد غِبطته بدينه وقِيمه، ويعلم أن الله تعالى حينما هداه إليه فإنه قد هداه للحسنى، واختاره الدين الذي أنزله وارتضاه، وفيه صلاح المرء في دينه ودنياه كما قال تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا}.

فقد سمى الله تعالى هذا الدين نعمة، وأخبر عن رضاه به، ولا يرضى سبحانه لعباده إلا ما هو صلاحهم وفلاحهم في الدنيا والآخرة { وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ } [الزمر: 7]

 

Email