#روائع_الاستنباط_من_القرآن

التجديد في قانون الأحوال الشخصية

ت + ت - الحجم الطبيعي

يعدّ قانون الأحوال الشخصية الجديد من أهم مظاهر التجديد التشريعي في الدولة، لتناوله قضايا الأسرة زواجاً وفرقةً، وما يترتب عليهما من آثار مالية ومعنوية، وتأتي هذه الأهمية بالدرجة الأولى إلى كون هذا القانون قد عهد على نفسه الأخذ بالتيسير ما أمكن في أحكامه، فإن ضاق الأمر في مذهب فقهي فلا مانع من التماس الفُسحة في غيره من المذاهب الإسلامية المعتمدة، مع الحرص على عدم الخروج عن المذهب المالكي والمذهب الحنبلي اللذين كان العمل بهما جاريا في الدولة ما أمكن.

وقد انعكست مظاهر هذا التيسير أكثر ما انعكس على الفرقة بين الزوجين أخذاً باجتهادات فقهية تضع قيوداً وضوابط شرعية دقيقة تحول دون إيقاع الطلاق بل وقوعه ولئن اتفق بعضها ومذهب جمهور العلماء فإنها تختلف في بعضها الآخر عن مذهب الجمهور، ولذلك كانت ولا تزال محل بحث ومناقشة، تجلت آثارها بطبيعة الحال على الواقع التطبيقي أكثر ما تجلت في أروقة القضاء، وفي الوقت الذي ضيق فيه القانون وقوع الطلاق وإيقاعه واعتباره رجعياً بحسب الأصل لتسهل المراجعة في العدة كما أنه أيضاً ضيق وقوع الطلاق البدعي وخاصة الطلاق الثلاث بلفظ واحد، لكن في الوقت نفسه اتسعت دائرة حق المرأة في طلب التطليق سواء بنفسها: وذلك باشتراطها في عقد الزواج، أو بواسطة القاضي، أو بالتراضي خلعاً، فضلاً عن الفرَق التي تتم بواسطة الشرع مباشرة، ولكل نوع من هذه الفرق آثار خاصة بها وحقوق والتزامات مالية ومعنوية أجلها ما يتعلق بالحضانة التي عالج القانون كثيراً من معضلاتها -ولله الحمد- ولكن مسألة السن التي تنتهي فيها الحضانة للولد وللبنت من جانب ومسألة من تنتقل إليه الحضانة بعد الأم من الأمور التي يعتري تطبيقها صعوبات تتطلب مزيدا من النظر ومراجعة مستوحاة من الميدان، في ظل اجتهاد جماعي واقعي مواكب للتطور موازن بين الثابت والمتغير.

وعقد الزواج مبني على الديمومة والاستمرار مدى الحياة لا ينفصمُ عُراه بمجرد اختلاف في الرأي أو في الطبع أو بمجرد تقصير من أحد الطرفين (زوجاً كان أو زوجة) في الواجبات، فإن لكل داءٍ دواء، ولذلك لا يجوز في العقد الاشتراط إلى مدة محددة، سواءً كان هذا الشرط صراحة أو ضمناً، ولذلك أولى الشرع هذا العقد من العناية والاهتمام وأرساها بقاعدة قوية وجذور راسخة لا تهتز ولا تنقلع، بمجرد تقلب عوادي الزمن وظروف الحياة، بل إنه يُلزم الطرفين بواجبات تترتب عليها حقوق في جميع جوانب الحياة الزوجية مادية ومعنوية لتكون شفاءً يروي شجرة الزوجية محبة ورحمةً وتكون أيضاً دواءً وشفاءً إذا ألمّ بأحدهما داء، خصوصاً إذا استشعر الطرفان أن القيام بهذه الواجبات نوع من العبادة مُقدم على كثير من النوافل صلاةً وصياماً. كما أقر هذا المفهوم جمهور العلماء.

وقد حرم الإسلام الطلاق وسد أبوابه ومنافذه، ولكن إذا اعترت هذه العلاقة ما يعكر صفوها اتخذ الطرفان سائر السبل للمعالجة لتعود المياه إلى مجاريها وتزول الوحشة بينهما وإن استفحل الأمرُ، فلا يجوز للزوج أن يتلفظ بالطلاق وإن كانت الإساءة من الزوجة إلا إذا استعمل معها السبل كما يفعل الطبيب مع المريض، فإنه لا يلجأ للعملية الجراحية إلا إذا استعمل مع المريض كل وسائل العلاج ولم يجد بداً من أن يجري العملية الجراحية، إذ لولاها لاستشرى الداء في جسم المريض، وتعذر العلاج وربما أدى إلى وفاة المريض، وهكذا الطلاق لا تبيحه الشريعة ولا تُجيز للزوج أن يتفوه بكلمة الطلاق إلا إذا كانت العشرة قد استحالت بين الزوجين وأدت استمرارية العلاقة بين الزوجين إلى أضرار أكبر من التفريق بينهما، ففي هذه الحالة يصح التفريق من باب اختيار أهون الضررين.

حكم الطلاق

اختلف العلماء والفقهاء في حكم الطلاق، وأصح من هذه الآراء، رأي الذين ذهبوا إلى حظره إلا لحاجة، أصح الآراء في هذا الموضوع أن طائفةً من العلماء حظروا هذا الحكم إلا لحاجةٍ ماسة، أي أن الطلاق لا بد له من سببٍ وجيه، ولا بد له من عُذرٍ بالغ، فليس من حق الزوج أن يُطلق لسببٍ تافه، وفي هذا التطليق كفرٌ بنعمة الزواج، والزوجة ليس لها الحق أن تسأل زوجها الطلاق لسببٍ تافهٍ.

* أستاذ جامعي وإعلامي

 

Email