مفاجأة ديرة في دبي وابتسامة إفريقيا في الشارقة

ت + ت - الحجم الطبيعي

قبل أيام من بداية شهرنا الكريم "رمضان" كنت على موعد مع طقس سنوي أمارسه منذ قدمت لأرض الوحدة والخير "الإمارات"، وهو طقس أو بالأحرى طقوس متتابعة في يوم واحد ومحدد؛ أحرص على أدائها بكل دقة وبكل بهجة بل.. وبنفس روح ممارستي الأولى لها، بالرغم من تراكم السنوات وتناقص العزم والقدرات لمن شاب مثلي، وأوغل في رحلة عمر أمضى أكثر من نصفها في الإمارات.

موعدي السنوي المتجدد - بالرغم من تكرار الطقس - يتزامن مع ذكرى اليوم الذي حللت فيه ضيفاً على الإمارات؛ فإذا بالضيف العابر يصبح مقيماً دائماً، ولعقود متصلة. لم أشعر فيها بغربة ولم تراودني يوماً رغبة في أن أختتم الترحال.

فالأرض هنا كريمة وصدرها حان، وأهلها يذكرونني دائما بمن عرفتهم في مسقط رأسي قبل عقود زمان. حكاية اليوم المشهود في العمر يضم أربع سبعات دفعة واحدة فتاريخه هو 7/7/1977 م ، ففي ذلك اليوم المشتعل دوماً في الذاكرة، بدأت رحلتي إلى الإمارات منطلقاً من الحي الشعبي الذي أنتمي إليه في مدينتي الشهيرة بلقب عروس الدلتا "طنطا".

ومن طنطا عبر مطار القاهرة بالطبع- حطت بي الطائرة في دبي ليصحبني مضيفي المواطن الشاب (وكنت يومها مثله في سن الشباب) إلى مقر الإقامة في الشارقة التي وصلناها بعد ساعات طوال؛ لا بسبب زحام الطرقات كما هي الحال اليوم؛ بل لأنه حرص على أن يقوم بجولة يطلعني فيها على معالم مدينة دبي.. المدينة النابضة بالحياة، والتي تشتهر بالتجارة وبميناء لا تتوقف فيه الحركة طوال ساعات اليوم، بل وأيام العام.

دعوة لركوب العبرة

وكأن مضيفي الشاب أراد أن يطلعني على قديم المدينة الدال على طبيعتها (وربما أراد أن يرشدني لوسيلة نقل قد أحتاج لاستخدامها إذا جئت دبي) فقد فاجأني أنا القادم تواً من مدينة غير ساحلية بدعوة لركوب "العبرة" والانتقال من ديرة إلى بردبي في الجانب الآخر كي أرى المزيد من معالم بل وتاريخ المدينة.

في بر دبي ذاك الوقت رأيت ملامح ماض يتحرك نحو المستقبل في ثقة وبصدق في عزم، فإلى جانب رموز الماضي من أبنية عتيقة كقلعة الفهيدي ومكتب أو مركز الجمارك الذي علمت أنه كان قاعدة مهمة للتخطيط لمستقبل دبي، إلى جانب هذه الأبنية كانت علامات النهضة ظاهرة تشير بما لا يقبل التردد أو الشك، إلى أن المدينة سائرة نحو مكانة عالية في العمران والاقتصاد، وهو ما يشهد عليه كل العالم في يومنا الحاضر.

مفاجآت ديرة

المهم ركبت "العبرة" في ذاك اليوم وهو يومي الأول في الإمارات- ومن ثم انطلق بي مضيفي نحو الشارقة في طرقات فيها كثير من الحركة؛ لكن من دون زحام يعرقل السير لساعات مثلما حدث في بعض الفترات قبل بضع سنوات قبل أن تضع دبي حلولاً رائعة كعادتها مع أي مشكلات.

والأهم في هذه الاطلالة الأولى على ديرة - دبي أن فاجأتني بوجود منطقة تحمل اسم "بورسعيد" تلك المدينة المصرية التي أطلقت عليها في كتاباتي لقب "المدينة الرمز" وهو كذلك بالفعل وتاريخ العرب الحديث شاهد على هذا القول.

أما المفاجأة الأخرى من (ديرة) دبي فكانت ذلك الميدان أو الدوار الكبير الذي يحمل اسم "جمال عبد الناصر" وهو بكل المقاييس والأعراف رجل له في ذاكرة العروبة والوطنية مكانة لاتزال باقية بالرغم من رحيله منذ عدة عقود، وحتى إن اختلفت حول تجربته الآراء والأفكار.

في اليوم التالي ذهب مضيفي لعمله في فترة الصباح ووجدت نفسي منفرداً فانتهزت الفرصة لأطلع بنفسي على ملامح مدينة أعطتني انطباعاً سريعاً بأن بينها وبين الإسكندرية المصرية سمات مشتركة، كان أهمها أن المدينتين تضمان كل الفئات والمستويات التي يمكنها العيش فيهما بارتياح.

جولة على الأقدام

وفي جرأة "ابن البلد" وأنا القادم من حي شعبي، وبعزم شبابي في ذلك الوقت، قررت أن أكتشف الشارقة عبر السير وعلى الأقدام. وجدت نفسي أغادر منطقة "ميسلون" حيث مكان إقامتي لأصل من دون سابق معرفة إلى شارع العروبة، لأجد نفسي في نهاية المطاف في منطقة "المريجة" التي جذبتني إلى شوارعها الخلفية لتضعني في مواجهة أبنية أثرية تمنيت أن تجد من يوجه إليها الاهتمام لتبقى شاهدة على حياة من سبقوا، وتثري حياة من سيأتون في مقبل الأيام.

والحقيقة أن ذلك ما حدث بالفعل، إذ أصبحت المنطقة ومعها المنطقة القديمة المعروفة بـ"جليب الشيوخ" هي الآن منطقة الشارقة القديمة وساحة الفنون ومخزن التاريخ المكنون والفعل الثقافي المتميز لمدينة قالت لكل من يقيم فيها وكل من يزورها: "ابتسم أنت في الشارقة".

ولن أنسى أنني بالفعل ابتسمت عندما وصلت إلى الدوار الشهير باسم دوار الحكومة، حيث توجد مباني الديوان والبلدية التي جاورها المبنى الذي دفعني للابتسام بفرح عندما قرأت لوحة ترتفع فوقه عنوانها "قاعة إفريقيا".

وكانت ابتسامتي تحمل تساؤلاً: كيف سبقتني إفريقيا في الوصول والإقامة في الشارقة؟ حتى علمت أن القاعة مخصصة للفعاليات من ندوات ومحاضرات ولقاءات فكرية، فترسخ في ذهني أنني أقيم في مدينة الثقافة والتاريخ.

توليفة الرقم 7

 

 

الجميل أنني تنقلت بين هذه المدن والمناطق التي ارتبط بعضها معي بعلاقة لا تنفصم، وتواريخ لا تنسى، فقد ولد أولادي السبعة في مناطق عدة ومختلفة من إمارات الاتحاد التي دخلتها في تاريخ يحمل الرقم 7 أربع مرات، فإذا به يصبح عمراً امتد الآن ليصبح 7 مضروبة في 5 فيكون الناتج 35 عاماً، أمضيتها في بلد كريم مضياف، أحمل له وعنه ملايين السبعات من المشاهد والمواقف والذكريات.

Email