أصالة تنبعث من جديد

الشعبي والحوزي.. موسيقى رمضان في الجزائر

ت + ت - الحجم الطبيعي

يحرص الجزائريون في سهرات رمضان من كل عام على إحياء حفلات موسيقى الشعبي والحوزي وهو ما يفخر به الأصلاء، لذا يفرّطون في المجالس المنعوتة محلياً بـ«القعدات» الشعبية التي لا تزال متألقة في عوالم 2015. في مجلس حميمي تخللته فقرات تنشيطية كان الفن الشعبي المحلي حاضرا فيه وحول المكان موائد موشاة بأنواع الحلويات، والشاي الممزوج بالنعناع، والقهوة المنعشة بماء الزهر. وأبدى حاضرون ارتياحا لرسوخ تلك القعدات المميزة التي اشتهرت محليا منذ القدم، وعادت لتنبعث تدريجيا بعدما اختفت بشكل ملحوظ منذ ثمانينيات القرن الماضي، وهي متوارثة منذ عشرينيات القرن الماضي، أسمى وأرفع وأرقى من حفلات الراي التي تمثل بمنظار البعض «الرداءة والابتذال».

وتتسم الجلسات بحضور مميّز لأعلام وخيرة الأصوات الصاعدة في سماء الفن المحلي أمثال: اعمر الزاهي، عبد المجيد مسكود، محمد طماش، سيد علي دريس، عبد العزيز بابا عيسى، كمال عزيز، إبراهيم باي وغيرهم، وأشار عادل شاشي المدمن على «القعدات» إلى أنها إرث اجتماعي نفيس، ينظم وفق طقوس منّوعة بين الشمال والغرب مثل الشرق والجنوب، وتتمايز وتأخذ أنماطا وخصائص متعددة، إلا أن عنوانها الأكبر يقوم على إعادة الاعتبار للفن الشعبي المحلي الذي تمتزج فيه طبوع القصيد الحضري بالفولكلور الصحراوي، ناهيك عن الحوزي والشاوي والوهراني وغيرها.

وكان الراحلان الحاج العنقي والهاشمي قروابي من ألمع نجوم القعدات، ولا تزال كوكبة من شيوخ الأغنية الشعبية يصنعون روعة الراهن أمثال: عزيوز رايس، نصر الدين قاليز، فضيلة الدزيرية، راضية عدّة، بريزة السطايفية والقائمة تطول.وفي العاصمة ومدن الشمال عموما، عادة ما يلتقي الشباب والكهول ونساء وفتيات من خلف الحجب عند (اللشياخ)، وهم فنانو الشعبي الذين يتغنون بأروع قصائد التراث الشعبي المحلي وكذا العربي، ويقدمونها في قوالب مبهجة يتم فيها أيضا استخدام آلات العود والجيتار والبونجول والقويطرة والدربوكة، وعادة ما تنتظم القعدات على هامش الأفراح وتمتد إلى خيوط الصباح الأولى.

وأشار جهيد أحد الفنانين الشعبيين الشباب، إلى أنّ للقعدات مفهوماً يزاوج بين المتعة الفنية واللذة الروحية، وسهرات الشعبي والحوزي فرصة للجماهير المحلية للتواصل والاستماع إلى نخبة من فنانيهم المفضلين، إذ تتميز بتمازج طبوع الشعبي والأندلسي والمالوف والعاصمي والقناوي والقبائلي والعيساوي على مدار شهر رمضان المعظم.

القول والصف

بغرب الجزائر، تجتمع النسوة في قعدات تنطلق في مستهل الليل أمام صينيات الشاي التي يتم ترصيعها بالأطباق الشعبية المعروفة محليا كـ«الرفيس» أو بعض الحلويات التقليدية المتداولة بالمنطقة مثل «المعكرة»، لتكتمل بذلك طقوس القعدة التي تخصص في الغالب لتبادل أطراف الحديث حول شؤون متعددة وقضايا تهم الحياة الشخصية لبنات حواء، مثل ما يرتبط بقضايا المرأة والطبخ ومستجدات الموضة وفنون التجميل.

وتستحضر«القعدات» الأعراف الشعبية المتداولة ضمن ما يسمى بـ«القول والصف»، وهي مجموعة من الأبيات الشعرية الشعبية ترددها النسوة بينهن بشكل جماعي، يعالجن من خلالها موضوعا بارزا ومحورا هاما قد يكون ذا صلة وطيدة مع بعض المستجدات الاجتماعية.

وتنساق نساء الشرق في «قعداتهنّ» وراء الأبيات الشعرية المتغنية بتاريخ البلاد وبطولاتها، على غرار ثورة الأمير عبد القادر الجزائري والمقراني ولالا فاطمة نسومر وأولاد سيد الشيخ وبوعمامة، التي غالبا ما مثلت مرجعية هامة، فضلاً عن التغني بالخصال والشخصيات الذائعة الصيت وطنيا، وعادة ما تكون منتظمة في شكل قواف شعرية محافظ عليها ضمن الوزن الشعري، الذي يطغى عليه الملحون في أكثر من حلقة بحسب فلّة كرجول إحدى المواظبات على حضور القعدات.

العميد والإرث

في مقام مستقل، يبرز عميد أغنية الحوزي الحاج محمد غفور الذي كرس حياته للحفاظ على إرثها الموسيقي، وظلّ يتحف عشاقه بأداء قصائد بن مسايب وبن تريكي وابن سهلة الأب والابن في القرن التاسع عشر. ويعدّ «الحوزي» لوناً موسيقياً قائماً بذاته رأى النور بمدينة تلمسان وتناقلته الأجيال المتعاقبة عن طريق المشافهة أو التدوين ليصل في ثوبه الأصيل دون تشويه أو تحريف، وهو امتداد للزجل الأندلسي، ومن أهم أعلامه أبو عثمان المنداسي «1671 -1583».

Email