الفيلم يوجه رسالة سياسية إلى أوروبا عن تعامل الحكومات مع اللاجئين والصعوبات التي تقف في وجه حرية التنقل

«أنا مع العروسة».. رسائل إنسانية وسياسية

  • الصورة :
  • الصورة :
  • الصورة :
  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

تم تصوير فيلم (أنا مع العروسة) خلال 4 أيام، هي زمن الرحلة من ميلانو الإيطالية إلى مالمو السويدية. لم يكن من الممكن إعادة أي من اللقطات، لأن إعادة اللقطة تعني إعادة الرحلة، فيما الهدف من الفيلم كان إيصال خمسة لاجئين سوريين وفلسطينيين إلى بر الأمان. الفيلم انطلق من مهرجان (فينيسيا) وحاز تصفيقاً متواصلاً سجل رقماً قياسياً في تاريخ المهرجان، وحظي بالمركز الأول في صالات السينما الإيطالية، وعرض في (مهرجان الأفلام الوثائقية في أمستردام)، وأخيراً في (مهرجان دبي السينمائي 2014). (أنا مع العروسة) فكرة وسيناريو وإخراج أنتونيو آوغوليارو وخالد سليمان الناصري وغابريّله دل غرانده، ثلاثة أصدقاء كانوا يحتسون القهوة في محطة القطار بميلانو، التقوا مصادفة بشاب فلسطيني سألهم عن القطار المتجه إلى السويد، وأخبرهم بقصته كونه أحد الناجين من الغرق قبالة سواحل لامبيدوزا، وشهد مصرع مئتين وخمسين مهاجراً، عندها قرر الأصدقاء المساعدة بطريقتهم.

لا يشكل الفيلم مجرد رحلة إنما هو (ورطة) ورسالة إنسانية وسياسية في الوقت نفسه، انغمس فيها صانعوها لإيصال لاجئين تقطعت بهم السبل بعد الوصول إلى الساحل الأوروبي بأعجوبة، رغم إعلان 17 دولة أوروبية استعدادها لاستقبال اللاجئين السوريين والفلسطينيين القادمين من سوريا. إلا أن ما يمكن أن تعايشه في هذا الفيلم مختلف تماماً عما تم نشره في الإعلام. مصطلح (التهريب) هنا ملتبس من جهة قانونية، إلا أن له أبعاداً أخلاقياً مختلفة، إذ ينطلق صانعوا الفيلم من نقطة تكفل الاتحاد الأوروبي باستيعاب وقبول لجوء أعداد من المهاجرين بعد وصولهم بشكل غير شرعي إلى دوله، فلماذا لا يفتح هذا الباب باللجوء من خلال السفارات بشكل قانوني ويغلق الباب على محنة (الاتجار في البشر) الراغبين في الأمان، وهو حق إنساني.. (أرى) التقت صانعي الفيلم وكان الحوار التالي..

رغم أنه لم يسبق لأي منكما صناعة فيلم وثائقي، لماذا كان الوثائقي خياركما في هذه الرحلة اللافتة؟
غابريّله: أنطونيو كان من البداية معنا، وهو صانع أفلام، لذا تطورت الفكرة بهذه الطريقة. يدخل خالد على الخط، ويقول: أؤكد لك أن هذا الفيلم لو كان مكتوباً وتحول إلى الشاشة فيلماً درامياً عادياً، فما كان ليكون لديه أي أهمية، بينما أهميته وقوته تكمن في أنك توثق لحدث حقيقي صار على أرض الواقع، وبالتالي كان الخيار الوحيد أن يكون فيلماً وثائقياً.

بدايةً كانت الفكرة في توصيل هؤلاء اللاجئين الخمسة إلى السويد، مع ما تحمله من رسالة إنسانية وسياسية، إلا أننا بعد ذلك فكرنا في تحويل الموضوع إلى فيلم ليرى الناس الصعوبات الكبيرة التي يعيشها الباحثون عن حياة أفضل في ظل شرط إنساني بالغ الصعوبة، لكن بداية المشروع لم نكن نفكر بالصعوبات القانونية. نحن تعرفنا إلى عبدالله في المحطة وبدأت القصة في كيفية المساعدة بهذه الطريقة، وصارت الفكرة المجنونة. يضيف خالد: كنا نسجل ما نقوم به وفكرنا بتوثيق الشيء الحقيقي الذي نقوم به.

ما الخطوة الثانية بعدما فكرتم في المباشرة بمشروعكم، هل كانت زيارة المحامي؟
غابريله: نعم ذهبنا إلى محامية لسؤالها عن الموضوع، وهي في الوقت نفسه ناشطة سياسية، وسألناها عن المخاطر والصعوبات القانونية في ما نقوم به في هذا الفيلم. في الحقيقة تحمست المحامية كثيراً، لكنها بعد قليل استدركت الموضوع وقالت الآن سأكلمكم كمحامية لا كناشطة، وأخبرتنا أن عقوبة ما نقوم به تصل إلى 15 سنة سجن بحسب القانون الإيطالي، وسألتنا إن كنا متأكدين مما نقوم به، فأجبنا بالإيجاب.

هل كان من احتياطات قانونية لتدافعوا عن أنفسكم في حال فشل الخطة؟ أو بمعنى آخر هل من خطة بديلة في حال فشل الموضوع في أي من محطات الرحلة من أجل إكمال الرحلة وإيصال الرسالة التي كان من المزمع إيصالها؟
خالد: في الواقع لم نكن نفكر كناشطين إنما كنا نفكر كصحافيين يعرفان أن كتابة مقال أو تحقيق عن هذا الموضوع لن يؤثر في الرأي العام بهذه الطريقة الفعالة كما سيفعل الفيلم. حالياً وصول المادة البصرية أكبر بكثير من مجرد مقال، لأن احتمالات الفيلم أكبر وأوسع. لكن القصة أن هذين الصحافيين قررا نقل هذا الاحتمال إلى الأقصى، وخوض هذه المغامرة الخطرة، وطبعاً هذا الخطر هو لا شيء أمام الخطر الذي يواجهه هؤلاء اللاجئين في سبيل الوصول إلى أوروبا.

القصة أنك مستعد أن تخرب حياتك من أجل قضية يجعلك أكثر انتماء لهذه القضية، وبالتالي نحن نعول على الفيلم في كل المراحل، وإلى الآن في حال تعرضنا لشكوى فإننا متأكدون أن كل من ساهم في دعم الفيلم، (تم تمويل الفيلم بفضل حملة تمويل جماعي وشارك فيها 2617 شخصاً)، وكل منهم أسهم بيورو أو أكثر سيدافع عنا بالتأكيد، وحتى من شاهدوا الفيلم وأحبوه، وبالتالي تحول الفيلم بشكل تلقائي لقضية رأي عام. هدفنا ليس مجرد إثارة للرأي العام، إنما نهدف لإيصال الرسالة التي قصدها هذا الفيلم ووصلت.

أثناء أحداث الفيلم كنتم معرضين للاعتقال في أي من مراحل انتقالكم في أوروبا، واستشهد بغابريله الذي قال إنكم قمتم بشيء واضح جداً لدرجة أنه لن يثير شبهة أحد، فكان العرس هو الواجهة الأكثر علنية لمواجهة هذا، لكن كل هذا التأثير ما كان ليتم لو لم ينجز الفيلم، ماذا كان في بالكم لإيصال الرسالة في حال عدم إتمام الفيلم، وهو أحد الاحتمالات الواردة؟
ينظر خالد وغابريله كل منهما إلى الآخر، ويضع خالد يده على كتف شريكه، ويسأله: هل فكرنا؟ يجيب الآخر بالنفي، فيضيف خالد: لو أمسكونا لكنا في السجن الآن. غابريله: في هذه الرحلة لم يكن العقل هو المتحكم في ما نقوم به. خالد: وما قمنا به كان أشبه بـ11 سبتمبر، والفكرة غير المتوقعة في صدم برج التجارة العالمي بطائرة مدنية، لا أظن أن أحداً خطرت في باله هذه الفكرة، وكذا كانت فكرتنا.

غابريله: تقصدنا أن يكون سائقو السيارات والجالسون خلفهم إيطاليين ومعهم جوازات إيطالية، وبالتالي لن يدقق البوليس كثيراً، وكما قلنا في الفيلم لم نكن نفكر في أنفسنا، إنما كان الهدف هو حماية اللاجئين في هذه الرحلة، ولو حدث أن أوقفنا كان الإيطاليون سيكلمون الشرطة ليتركوا للمهاجرين فرصة للهروب.

بعض من حضر الفيلم اعتبره استعراضياً، ما رأيكم؟
خالد: كل شيء عبارة عن Show. إضافة إلى أن كل ما صورناه كان غير مكتوب وغير مخطط له كسكريبت، عدا المشهد الأخير في ستوكهولم أمام محطة القطار. صحافيون يقومون بـShow أفضل من Show هيفاء وهبي، والناس تفكر بما تريد. لا أتصور أن أي أحد منا كان ليقوم بهذا الاستعراض. ربما الحياة والواقع أكثر استعراضية من الـShow. ولو كانت فكرة قراءة الشعر استعراضية، فالقصة أن هذا أمر اعتيادي في اللقاءات التي تجمع أصدقاء.

ما القادم بالنسبة لكم، هل هذا الفيلم يؤثر في مشاريعكم المقبلة كإيطاليين؟ ألا يعتبر هذا التجاوز القانوني ثغرةً بالنسبة لكم في تعاملات الحياة كالحصول على قرض مثلاً؟
خالد: بالنهاية إيطاليا دولة قانون. ونحن لم نرتكب أي شيء يسيء للآخر إساءة شخصية، ولم نقم بشيء ممنوع مجتمعياً مثل: تهريب المخدرات على سبيل المثال، إنما تصنف هذه القضايا في خانة القضايا الإنسانية وربما لو تقدمت بطلب قرض لبنك من الممكن أن يكون إلى صفك، حتى إن أحد البنوك أخبرنا عن استعداده للدخول كشريك في عملنا القادم وتمويله. القضية ليست أخلاقية إنما هي سياسية من الطراز الرفيع، لذا تجد الكثير من التعاطف، وسيعرض في دبلن للبرلمانيين الأوروبيين، بدعوة منهم، ونتمنى أن تكون هذه الدعوة مقدمة لتغيير القوانين الأوروبية بخصوص اللاجئين.

هل من لقطات معينة لم تكونوا راضين عنها فنياً وكنتم تودون لو كان لديكم الوقت الكافي لإعادتها؟
إعادة اللقطة يعني بالتحديد إعادة الرحلة، وفي الواقع جربنا في المشاهد التي كنا واقفين فيها، وعملياً هذا حدث في اللقطة الأخيرة في السويد بخصوص الرقص في ساحة ستوكهولم، حيث تقصدنا أن يكون المشهد في عاصمة السويد، كي نؤكد أننا لم نقم فقط بإيصالهم إلى مالمو، إنما أوصلناهم إلى ستوكهولم. هناك مشهد آخر عن دخول السيارات إلى استراحة في الطريق، لكن السيارات وصلت قبل الكاميرات، وبالتالي فات علينا مشهد تصوير دخول السيارات. حادثة طريفة أخرى مررنا بها، كانت مع السيارة الكشاف التي من المفترض أن تكون أمامنا، لكنها كانت سيارة صغيرة من طراز فيات، بينما بقية السيارات أحدث منها، وكلما بحثنا عنها كنا نجدها وراءنا، فنضطر للوقوف وتركها تمر قبلنا وتصويرها.

أي الأمكنة كان الأصعب في التصوير؟
الطريق الجبلي على الحدود بين فرنسا وإيطاليا كان الجزء الأصعب، كنا نعرف عن وجود طريق من أهل القرية، وكان هذا الطريق مستخدماً منذ أكثر من 60 سنة لكننا فتحناه من جديد، والعبء الأكبر كان على أنطونيو الذي يحمل الكاميرا (ستيدي كام)، حيث وقع وأصيبت قدمه، إضافة إلى أن الشرط الفني للعمل في السيارات كان صعباً بسبب ضيق المكان وصعوبة الحصول على صوت بدقة، إضافة إلى أننا كنا مستعجلين للوصول، حيث صرفنا 4 أيام على الطريق، كما أن المشاركين في الفيلم لم يكونوا ممثلين محترفين وبالتالي يصعب العمل.

هل كان اختيار جنسيات المساعدين على الطريق من جنسيات أوروبية مختلفة لزيادة الضغط على أكثر من دولة في حال تم الإمساك بكم؟
لا، الموضوع كان لوجستياً فقط. في الواقع كنا نتمنى أن يكون عدد المهاجرين معنا والذين نقلناهم في 5 سيارات، أن يكون أكبر. المصاعب كانت في صعوبة تأمين مكان للنوم لكل هذه الناس، وهناك أناس لم يأتوا معنا، لأنه لا وجود لمكان شاغر بالنسبة لهم.

Email