سارة بنت هاران زوج إبراهيم عليه السلام

سارة بنت هاران زوج إبراهيم عليه السلام

  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

أعز الإسلام المرأة وكرمها وأنصفها وأعطاها من الحقوق مثل ما عليها من الواجبات، وأوصى الرجل بها خيراً، بوصفها شقيقته في المعتقدات والعبادات والمعاملات ، وتربية النشء وصنع الأجيال وتعمير الأرض واستمرار الحياة.

وقد ذكر الله المرأة في كتابه الكريم مرات كثيرة وحدثنا عنها سبحانه وتعالى في مراحل عدة وفي هذه الزاوية نتناول بعون الله كل النساء اللاتي جاء ذكرهن في القرآن الكريم.(قالَتْ يَا وَيْلَتَى أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهَذَا بَعْلِي شَيْخًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ) «هود72»إنها السيدة «سارة بنت هاران» زوج سيدنا إبراهيم عليه السلام التي جاء ذكرها في القرآن الكريم أكثر من مرة تكريما لها ولسيرتها العظيمة التي تشهد لها بالصبر الجميل وحسن التبعل لزوجها سيدنا ابراهيم عليه السلام. والسيدة سارة هي أول امرأة آمنت بسيدنا إبراهيم وشهدت معجزة الله القديرة له عندما نجاه الله سبحانه وتعالى من كيد قومه ومكرهم بقدرته من النار وجعلها بردا وسلاما عليه ، فكانت سارة هي أول المؤمنات بالله من بعد إبراهيم في بلد وإن أكثر أهلها بالشرك وبعبادة الكواكب والأصنام. فقرر إبراهيم وزوجه سارة أن يهاجرا إلى فلسطين ثم منها ارتحلا إلى مصر- وهناك اختبر الله سبحانه وتعالى عبدته سارة التي من الله عليها بنور الإيمان وجمال الخلق ..

وكان جبارا من الجبابرة واليا على مصر وعندما أخبره أحد الرجال من حاشيته الفاسدة أن رجلا قدم من الشام ومعه امرأة جميلة أمر الوالي بإحضار المرأة الجميلة التي لم تكن سوى سارة زوجة إبراهيم عليه السلام والتي أوصاها إبراهيم قبل أن يأخذها رجال الوالي أن تقول إنها أخته لأنه كان من عادة القوم أنهم لا يأخذون الأخت ولا يعتدون عليها..

وعندما حاول الوالي المغرور أن ينال من السيدة سارة دعت ربها فإذ بيده قد شلت وأصبح لا يستطيع حراكها فلما رأى ذلك ترجاها أن تعود ذراعه إلى حالته الأولى وأنه لن يفعل بها شيئا ولما دعت الله فشفى ذراعه فحاول أن يمسها بسوء مرة أخرى فدعت ربها فإذا بذراعه قد شلت وآلمته أكثر من الأولى فترجاها أن تعود ذراعه إلى حالها وعلم أن بهذه المرأة سرا وأنها ليست كغيرها من النساء.. فكف عنها وأمر بإخراجها من ساحته.

ومن خوفه منها وتبجيله لشخصها أعطاها جارية يقال لها «هاجر».. ولما فك الله أسر السيدة سارة وأرجعها إلى زوجها إبراهيم سالمة غانمة جاءت إليه فوجدته ساجدا يناجى ربه فلما أحس بها قام إليها وسألها فقالت:«رد الله كيد الكافرين والفاجر في نحره، وأخدم هاجر».

فرحت السيدة سارة بهاجر وأحبتها حبا شديداً وعلمتها كيفية الإيمان بالله، وعبادة الواحد الأحد.. ومرت السنون والأيام.. والسيدة سارة لا تنجب وبلغ الكبر مبلغه فيها ومن إبراهيم عليه السلام وكانت السيدة سارة تصغر زوجها بعشر سنوات.. وكان سيدنا إبراهيم يحب زوجته سارة حبا كبيرا وهي كذلك فلما علمت أنها لا تنجب وهبت له هاجر حتى ينجب منها..

وقد كان، فأنجبت له هاجر ولدا سماه إسماعيل..!! أما السيدة سارة فعلى الرغم من اختبار السماء لها بعدم الإنجاب إلا إنها كانت وفية في عبادتها لربها ومخلصة في إيمانها واستسلمت لقضاء ربها ورضيت بحكمه وفي نفس الوقت لم تيأس من رحمته لحظة.. وكان لابد لهذه المؤمنة الصابرة المحتسبة من مكافأة وهدية لهذا الصبر الجميل.. وفي يوم جميل من أيام الله سبحانه وتعالى جاء إلى سيدنا إبراهيم ضيفان رجلان عليهما لباس بيض لا يبدو عليهما وعثاء السفر وعرف عن سيدنا إبراهيم شدة الكرم حتى إنه لم يأكل في حياته قط طعاما بمفرده.. فنادى زوجته أو كما يقول النص القرآني:

(فَرَاغَ إِلَى أَهْلِهِ فَجَاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ) «الذاريات 26» .. وفي آية أخرى (فَمَا لَبِثَ أَنْ جَاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ) هود 69 والعجل الحنيذ هو العجل المشوي على الحجارة وكلمة ما لبث هنا تؤكد ان السيدة سارة لم تأخذ وقتا طويلا في إعداد العجل وشويه بل إنها كانت امرأة نشيطة تكرم ضيوفها وتعين زوجها على مكارم الأخلاق ولعلنا نتعجب إذا علمنا أن عمر السيدة سارة يومئذ كان تسعين عاما ويقال إنه كان أكثر من ذلك..!!

وبعد أن جهزت السيدة سارة طعام الضيوف نادت زوجها ليقدمه لهم وظلت قائمة على خدمتهم مع زوجها فلما رأى سيدنا إبراهيم أن يد الضيوف لا تمتد إلى الطعام أوجس منهم خيفة فقد كان من المعروف أن الضيف الذي لا يأكل طعام المضيف يضمر له الشر، أو ينوي لأصحاب البيت السوء ، ولما رأى الرجلان ذلك كشفا عن شخصيتهما الحقيقية فما هما إلا ملكان كريمان هبطا من السماء مباشرة إلى إبراهيم ليخبروه بأن الله بعثهم إلى قوم لوط لإهلاكهم..

فلما سمعت السيدة سارة بقرب هلاك قوم لوط ضحكت لأنها كانت تهتم بشأن الله وكانت تحت نصرة الله ونصرة دينه ولما اهتمت بشأن الله سبحانه وتعالى اهتم الله بشأنها وأراد أن يمن عليها بمعجزته الخارقة فبشرتها الملائكة بمولود وفي ذلك يقول تعالى:(وَامْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ (71) قَالَتْ يَا وَيْلَتَى أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهَذَا بَعْلِي شَيْخًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ (72) قَالُوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ رَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ) هود 70-73 .

ولما تعجلت السيدة سارة من بشرى الملائكة لها لأنها كانت امرأة مسنة وكانت أيضا عقيما لا تلد والعقم وحده كاف لاستحالة الولد فكيف إذا اقترنت معه الشيخوخة والهرم كما أخبر الله في سورة الذاريات (فَأَقْبَلَتِ امْرَأَتُهُ فِي صَرَّةٍ فَصَكَّتْ وَجْهَهَا وَقَالَتْ عَجُوزٌ عَقِيمٌ).

وسارعت الملائكة إلى تهوين الأمر على السيدة سارة وقالت لها ليس هناك ما يدعو إلى العجب فإن قدرة الله لا يعجزها شيء وهو على ما يشاء قدير رحمكم الله، وبارك فيكم يا آل بيت إبراهيم إنه تعالى محمود ممجد في عظمته وكبريائه وإذا أراد شيئا يقول له كن فيكون فسبحانه وتعالى هو الحميد المجيد.

وهكذا أنجبت السيدة سارة ولدها إسحاق الذي كبر وتزوج وأنجب ابنه يعقوب وقرت عين السيدة سارة بولدها وحفيدها فكانت نعم العبدة المؤمنة التي ذكر اسمها في قرآن يتلى إلى يوم الدين.

اجيهان محمود

Email