الأقنعة.. فن أفريقيا الساحر
الأقنعة.. فن أفريقيا الساحر
القناع وسيلة التنكر الأولى، ابتدعها خيال الإنسان منذ زمن طويل، فارتبطت عند بعض الشعوب بالسحر والطقوس الدينية حتى صارت جزءا من حياتهم، ومثلما يشكل وجه الإنسان هويته الأولى صارت الأقنعة تمثل قبائل بعينها وتعبر عنهم، ففي القارة الافريقية يحتفظ كثير من الشعوب بتراث من الأقنعة المتنوعة التي عبرت عن معتقداتهم وأساطيرهم وفعالياتهم اليومية في الماضي.
وارتبطت عندهم بالسحر والخرافات وعبرت عن خيال خصب أنتج فنا خاصا في تشكيل القناع ورسمه، وقد تأثروا بالطبيعة وتغيراتها فصار القناع شكلا من أشكال محاكاة الطبيعة ومحاولة استدرار عطفها وعطف كائنات خفية كان يعتقد بها البدائيون، حتى صار القناع كما وصفه جارودي (حاملا مرئيا لقوى لا مرئية).جاءت افريقيا إلى القرية العالمية وجاءت معها أقنعة قبائلها المدهشة والجميلة والمخيفة لتحظى بحصة الأسد في المعروضات، ففي الجناح الكيني لم يخل ركن من الأركان من أشكال الأقنعة التي تعبر عن تراث القبائل الكينية حيث تقول ماجي ماكروس لدينا الكثير من الأقنعة التي تمثل تراث القبائل الكينية.
حيث كانت تلك الأقنعة تستخدم لطرد الأرواح الشريرة وفي الاحتفالات الدينية ولإخافة الأعداء، وهي اليوم ضمن معروضات الجناح الكيني حيث يقبل الناس عليها ويعلقونها على جدران منازلهم بوصفها أعمالا فنية تعبر عن الجمال الفطري وجودة العمل اليدوي.
أما تشارلس كيبوجي فيتحدث عن صناعة الأقنعة قائلا (تصنع الأقنعة من عدد من المواد، منها رؤوس الحيوانات والثمار المختلفة وخاصة القرع، إضافة إلى الأقمشة والخشب ولحاء الأشجار وأوراقها، وكان قسم منها يصنع من العاج والقواقع والعظام والأحجار الكريمة، والخزف، والمعادن وهي حديثة الاستعمال، ومنها الذهب والفضة والبرونز والنحاس والقصدير، ويمكن أن تضاف مواد مكملة مثل الريش والخرز والصوف وبعض الأشياء اللامعة والألوان التي تطلى بها الأقنعة حسب أنواعها).
وفي جناح جنوب افريقيا نجد أشكالا مختلفة من الأقنعة حيث تشعر باختلاف القبائل عن كينيا، فالأقنعة تحمل دلالات أخرى كما يذكر ذلك جون نيكولاس فيقول (كانت الأقنعة في الماضي تستخدم لأغراض مختلفة فقناع كيكيو يستخدم لمراقبة الأعداء، وأشانتي يستخدم لجلب المال وقناع باكوتا الذي يشبه وجه الطائر يستخدم عند دفن الموتى لطرد الموت عن العائلة ويضمنوا عدم عودة أرواح الموتى إلى البيت.
وباكوتا كلمة تضم مجموعة قبائل الكونغو التي تعيش في الغابات الممطرة وتجمعها سمات ثقافية مشتركة، كذلك هناك أقنعة للخصوبة ولحماية الأطفال أو لضمان عدم خيانة الزوجات، أو للزراعة وغيرها من الامور الحياتية التي كانت البدائيون يؤمنون بها، لكن الأقنعة أصبحت الآن نوعا من الفنون التي تمثل تراث جنوب افريقيا وتحكي قصصهم ومعتقداتهم القديمة).
وتختلف ألوان الأقنعة حسب دلالاتها فالأقنعة الملونة بالأبيض والأحمر تدل على القمر بينما تدل الأقنعة الملونة بالأزرق والأسود والبني على الأرض، وأشكال الأقنعة تدل على ما تجسده فهناك قناع يجسد مغني القبيلة أو منشدها، وآخر يشير إلى رئيسها أو كاهنها أو نسائها، وتختلف دلالات الأقنعة حسب أشكالها وطريقة استخدامها فهناك ما تغطى به الوجوه وهناك ما يوضع على الصدور وغالبا ما يكون استخدام الأقنعة مرافقا لطقوس احتفالية وأزياء خاصة يرتديها المحتفلون لتشكل وحدة متناسقة لشخصية القناع التي يتنكرون بها، وتحفظ الأقنعة في أماكن خاصة لحين استخدامها مرة أخرى.
القرية العالمية ـ دلال جويد
