عادات وتقاليد

أكثر من ستمئة مسجد في الجزائر كانت كنائس

  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

تحول عدد كبير من الكنائس التي أقيمت زمن الاحتلال الفرنسي للجزائر إلى مساجد وصار يؤمها الآلاف من المؤمنين بالله ورسوله الكريم محمد صلى الله عليه وسلم. وانتشرت هذه الظاهرة في مختلف مدن وبلدات الجزائر سواء بقرارات من الحكومة أو بمبادرات شعبية، وحمل معظم الكنائس بعد تغيير ملامحها أسماء علماء دين جزائريين.

وكانت أول عملية من هذا القبيل قد سجلت في أواخر الستينات من القرن الماضي بعد خمس سنوات فقط من الاستقلال حين حولت سلطات مدينة سطيف بشرق البلاد الكنيسة الكبرى إلى مسجد بعد اتفاق مع الأسقفية الكاثوليكية المعتمدة بالجزائر. وجندت إمكانيات كبيرة لنجاح المشروع وتجسد فعلاً وأطلق على المسجد الجديد اسم العلامة الشيخ عبد الحميد بن باديس (1889 ـ 1940) رائد النهضة الجزائرية الحديثة. ورفع هذا الانجاز عدد مساجد المدينة إلى ثلاثة وصار أكبرها وأجملها على الإطلاق. وكان بسطيف التي تعد عام 1966 ما يقارب 100 ألف ساكن مسجدان قديمان وكنيستان حديثتان. لكن المسلمين وهم الأكثرية كانوا يفتحون أيام الجمعة وفي شهر رمضان محلات بالأحياء البعيدة لأداء صلاة الجماعة.

وكان تحويل كنيسة سطيف الكبرى إلى مسجد فاتحة لعشرات المشاريع المماثلة في المدن والبلدات الأخرى. ففي العاصمة تحولت كنيسة كبيرة تقع بوسط المدينة إلى مسجد كبير بعد اتفاق مباشر بين الرئيس الراحل هواري بومدين والكاردينال دوفال كبير أساقفة الجزائر وقتها.

وكان الرجلان صديقين حميمين إلى درجة أن اقتراح بومدين بتحويل تلك الكنيسة إلى مسجد لم يثر أي رد فعل سلبي من الكاردينال ، بل شجع المبادرة وأدرجها ضمن العناق بين الإسلام والمسيحية في الجزائر.

وكان الاتفاق الذي جرى بين قيادة الثورة الجزائرية والحكومة الفرنسية خلال مفاوضات الاستقلال التي توجت حرباً طاحنة بين الجانبين دامت أكثر من سبع سنوات ، يقضي بعدم تحويل الكنائس إلى مساجد. وسمح الفرنسيون بأن تستغل الكنائس الزائدة عن حاجة المؤمنين بالمسيحية في نشاطات اجتماعية وتربوية. لكن استعانة بومدين بالكردينال دوفال أغلق كل الأبواب أمام أي موقف فرنسي أو أوربي معارض.

وحمل المسجد الجديد بالعاصمة أيضاً اسم العلامة عبد الحميد ابن باديس. وتوالت المبادرات من السلطات ومن المواطنين بتحويل الكنائس التي صار معظمها شبه مهجور إلى مساجد عامرة يذكر فيها اسم الله.

وتحركت مجموعة من الشباب بشارع الأديب الشهيد رضا حوحو في وسط مدينة الجزائر وفتحوا كنيسة كبيرة ورائعة الهندسة ظلت مغلقة لسنوات بسبب نقص الرواد وأسقطوا الصليب العملاق المنصب فوقها ونظموا حملات التطوع للعمل والتبرع بالأموال وغيروا ملامحها الداخلية في أقل من عام بينما حافظوا عموماً على طابعها المعمار الأخاذ.

وجرت عمليات مماثلة في أحياء أخرى من العاصمة كالحراش وحسين داي وباب الواد وغيرها وفي غيرها من مدن البلاد. وكانت الحكومة الجزائر قد قد نفذت قبل كل ذلك عملية واسعة لاسترجاع عشرات من المساجد كانت سلطات الاحتلال قد حولتها إلى كنائس غداة احتلالها البلاد عام 1830. وكان أول مسجد تم استرجاعه وعاد إلى طبيعته مسجد كتشاوة الواقع بالحي العتيق للعاصمة (القصبة).

وقد بناه الأتراك في عام 1792 وكان أول مسجد في الجزائر تعلوه مئذنتان كون النظام المعمول به في الجزائر وبلدان المغرب العربي اعتماد مئذنة واحدة. وقد أم به الشيخ البشير الإبراهيمي شريك الشيخ ابن باديس في جمعية العلماء المسلمين أول جمعة في يوليو 1962 بعد أيام من الاستقلال.

وتشير دراسات إلى أن الفرنسيين استولوا على نحو 300 مسجد حولوها إلى كنائس ناهيك عن مئات أخرى حولوها لأغراض أخرى أو تعرضت للهدم والتخريب. ويوجد في الجزائر اليوم أزيد من 600 مسجد كانت في الأصل كنائس جرى تحويل معظمها بموافقة الكنيسة الكاثوليكية. فيما تبقى مجموعة من الكنائس في المدن الكبرى خاصة العاصمة ووهران وعنابة.

حيث توجد الكنائس الكاثوليكية الكبرى في الجزائر وتنشط بشكل عادي، وأهمها كنيسة «السيدة الإفريقية» وكنيسة «القلب المقدس» بالعاصمة و«سانت أوغسطين» بعنابة.

وبعد سنوات من حدوث هذه التحولات أثار بعض المؤرخين جدلاً حول أهمية بقاء الكنائس على حالها كمعالم تشهد على الاستعمار الاستيطاني الفرنسي للجزائر مدة 132 سنة.

فمعظم مدن وبلدات الجزائر تفتقر بعد عقود قليلة من الاستقلال إلى ما يشهد بأنها كانت محتلة. فمدينة سطيف مثلاً كانت بها كنيستان تحولتا إلى مسجدين ولا يوجد أي أثر لمرور الاستعمار من هذه المدينة التي سقط بها في مايو 1945 في أقل من أسبوع أزيد من ثلاثين ألف قتيل برصاص الجيش الفرنسي حين تظاهروا سلمياً للمطالبة بالاستقلال بعد مشاركة مئات الآلاف من الشباب الجزائري في تحرير فرنسا من النازية.

وباستثناء مقبرة المسيحيين الآيلة للزوال لا توجد أية معالم تثبت أن الفرنسيين احتلوا المدينة وارتكبوا بها المجازر وأعلنوها مثلما هو الشأن بالنسبة لكامل التراب الجزائري أرضا فرنسية بشعار «الجزائر الفرنسية» الذي لا يزال غلاة الاحتلال يرفعونه حتى الآن ويبثونه عبر مواقعهم على شبكة الانترنيت.

الجزائر ـ «البيان»:

Email