حلويات رمضان يتساوى فيها الأغنياء والفقراء

الكنافة والقطايف زينة موائد الملوك

  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

لا تحلو مائدة رمضان إلا بتربع الكنافة والقطايف على عرش أطباق الحلويات التي تلازمنا طوال الشهر الكريم، وقد باتت من المشاهد المألوفة لدينا أن نرى تهافت الناس يومياً داخل المخابز لشراء عجينة الكنافة والقطايف والتي تتفنن المرأة العربية في طرق صنعها، فمنها ما يتم حشوه بالقشطة أو الجبن، أو بالمكسرات وغيرها.

وقد تعددت الروايات التي تخبرنا عن بداية ظهور الكنافة والقطايف على الموائد العربية وكيف تنازع المصريون والشوام السبق لنسب ابتكارها وبداية ظهورها لأنفسهم.

زينة موائد الملوك

والكنافة كما يطلقون عليها زينة موائد الملوك ويُقال إن صنّاع الحلويات في الشام ابتكروها أو اخترعوها خصيصاً من أجل تقديمها إلى معاوية بن أبي سفيان عندما كان والياً على الشام، وذلك حتى يأكلها كطعام للسحور فتمنع عنه الجوع الذي كان يشعر به أثناء الصيام، وقد ارتبط اسمها باسمه حتى انها سُميت كنافة معاوية.

وفي رواية أخرى تنفي الأولى أن تاريخ الكنافة يعود إلى العصر الفاطمي وقد عرفها المصريون قبل أهل بلاد الشام، وذلك عندما تصادف دخول الخليفة المعز لدين الله الفاطمي القاهرة وكان ذلك في شهر رمضان فاستقبله الأهالي بعد الإفطار وهم يحملون الهدايا ومن بينها الكنافة بالمكسرات كمظهر من مظاهر الكرم.

ثم تبوأت الكنافة مكانة مرموقة ضمن الحلويات التي ابتدعها الفاطميون والتي أصبحت من العادات الغذائية التي ارتبطت بشهر رمضان، ثم انتقلت الكنافة بعد ذلك إلى بلاد الشام عن طريق التجار، وهناك ابتدع صانعو الحلويات طرقاً أخرى لصنع الكنافة غير التي تفنن بها المصريون، فأضافوا لها الجبن، خاصة النابلسية التي تشتهر بها مدينة نابلس، كذلك إضافة الفستق وصنعها بطرق متعددة، فلم تعد تُقدم فقط بشكل دائري، بل تم تعديل ذلك من خلال لفها بأشكال أسطوانية.

وانطلقت الكنافة من موائد الملوك والأغنياء لتصل إلى موائد الفقراء رغم تعاقب العصور والأزمنة لم تهتز أو تتراجع مكانة الكنافة على موائد الأغنياء رغم وجودها بشغف على موائد الفقراء حتى انها ساوت بينهما في طعام واحد يلتهمونه بنهم، وكما ذاع صيت الكنافة في البداية على الموائد، كذلك ظهرت القطايف إلى جانبها، حتى صار بينهما تنافساً لا مثيل له.

تنافس الكنافة والقطايف

وتروي الحكايات أن المصريين يلتهمون كميات كبيرة من الكنافة في شهر رمضان، حتى انهم في عام 917هــ ارتفع ثمنها مع القطايف بشكل جنوني، فتقدم أهل مصر إلى الوالي بشكوى على شكل قصيدة يقولون فيها:

لقد جاء بالبركات فضل زماننا/ بأنواع الحلوى شذاها يتضرع/ فيا قاضياً رخص لنا الكنافة، نطيب ونرتع.

والكنافة اسم عربي أصيل يعني الظل والصون، والحفظ والستر والحضن والحرز والجانب والرحمة، فكنف الله تعنى حرزه ورحمته والكنافة من نعم الله والنعمة رحمة وحرز، ومن أكل الكنافة خف ظله وعذب منطقه وكثر بهاؤه، وربا لحمه وصفا شحمه وزال سقمه.

وتقف القطايف موقف المساواة مع الكنافة على المائدة الرمضانية، أما تاريخها فيعود إلى العصر العباسي وأواخر العصر الأموي، وفي روايات أخرى أنها تعود للعصر الفاطمي حيث كان يتنافس صنّاع الحلوى لتقديم ما هو أطيب وقد ابتكر أحدهم فطيرة محشوة بالمكسرات وقدمها بشكل جميل مزينة في صحن كبير ليقطفها الضيوف.

ومن هنا اشتق اسمها (القطايف) وقد اشتد التنافس بين الكنافة والقطايف حتى تغنى بها شعراء العرب وأصبحت جزءاً من الإرث الثقافي العربي، فنرى الشاعر الأمور أبو الحسين الجزار، الذي كان أحد عشاق الكنافة والقطايف يقول: ومالي أرى وجه الكنافة مغضبا/ ولولا رضاها لم أرد رمضانها/ ترى اتهمتني بالقطايف فاغتدت/ تصد اعتقاداً أن قلبي خانها/ ومذ قاطعني ما سمعت كلامها/ لأن لساني لم يخاطب لسانها.

ويقول الخباز محمد عبدالحميد: تطورت طرق صنع الكنافة مع الاحتفاظ بالأفران نفسها التي تُخبز فيها، منذ القدم حيث يبني الخبازون وصنّاع الكنافة أفراناً خاصة دائرية تعلوها صوانٍ واسعة تحتها مواقد للطهو، وقد بدأت صناعة عجينة الكنافة من الطحين والماء السائل بنثرها على الصواني من خلال إناء معدني ذي ثقوب، ولكن الأمر تطور الآن باستخدام ماكينة آلية تسهل المهمة وتزيد من دقة الصنع ووفرة الإنتاج.

والكنافة ثلاثة أنواع: الأول يُسمى شعر وذلك يعود لخيوط الكنافة الرفيعة تماماً كما الشعر، والثاني كنافة يدوي وهي التي تعتمد على الطريقة التقليدية من خلال الوعاء ذي الثقوب ويُطلق عليها كنافة بلدي، أما النوع الثالث والذي تُستخدم فيه الآلة ويُطلق عليها »كنافة ماكينة«.

أما القطايف فيبدأ عملها بإعداد عجينة سائلة، تصب في القمع الذي ينسكب منه السائل على صينية الخبيز متخذاً شكل القرص وتُخبز عجينة القطايف في فرن معد خصيصاً لها يترفع عن الأرض بنحو 40 سم، أعلاه صينية من الزهر، وتتنوع القطايف حسب حجمها فمنها ما يصل قطره إلى 8 سم، وهي أكبرها، وتلبيها الأصغر والتي يصل قطرها إلى 7 سم، ثم أصغرها وهي القطايف العصافيري ويصل قطرها إلى 5 سم.

سهولة في الصنع

أما عن طرق صنع الكنافة، فيقول الشيف عمار خليل في فندق »لوميرديان« أبوظبي: تتنوّع حشوات الكنافة ما بين المكسرات والجبنة والقشدة، فمثلاً يمكن لربة المنزل عمل كنافة بالجبنة النابلسية ومقاديرها كالتالي:

كيلو جبنة كنافة جاهزة، كوب زبدة سائحة، كوب قطر، جبنة نابلسية أو عكاوي غير مملحة، وتؤخذ نصف كمية الكنافة المفروكة وتفرد في صينية للفرن، ثم تُوزع فوقها القليل من الزبدة، وتوضع الصينية في فرن متوسط الحرارة لمدة نصف ساعة حتى يصير لونها ذهبياً، ونحمّر الوجه بشواية الفرن ثم نضيف إلى الكنافة القطر وهي ساخنة، كذلك يمكن عمل الحشوة التي نحبها، وتُخبز بالطريقة نفسها.

وهناك طرق عدة وسهلة لإعداد الكنافة تتفنَّن فيها المرأة العربية، التي أصبحت على دراية كبيرة بجميع أنواع الطهو وطرقه، كذلك هناك طرق كثيرة لعمل القطايف في المنزل، وذلك بحشوها بالجبن أو المكسرات وتحميرها في الزيت الغزير حتى يصير لونها ذهبياً، ثم نرفعها ونغمسها في الشراب البارد.

ويقول مساعد الشيف كوشون إنه لا يمكن أن نعد مائدة رمضانية من دون وجود الكنافة والقطايف، فحلويات رمضان هي الكنافة والقطايف التي غالباً ما يلتهمها عن آخرها رواد الفندق الذين يأتون للإفطار.

لديهم أيضاً في اليونان

ويؤكد الشيف أندرياس في فندق الميلينيون ـــ أبوظبي أن الكنافة والقطايف من أهم الحلويات لدى اليونانيين، ويعتقد أنهم عرفوها نقلاً عن العرب، بل وأنهم يقومون بصنعها بنفس الطريقة المعروفة لدى العرب، وقد تطورت بعض أساليب حشو القطايف والتي يفضِّل البعض أكلها كطعام عادي وليس ضمن الحلويات فيقومون بحشوها باللحمة المفرومة والجبن والخضار.

أبوظبي ـــ إيمان قنديل:

Email