حقوق وواجبات

حق النفس

ت + ت - الحجم الطبيعي

حمداً لله وحده وصلاة وسلاماً على رسوله محمد صلى الله عليه وسلم وبعد: استكمالاً للحقوق نتناول اليوم حق النفس لما لها من عوارض فبعد حق الله وحق رسوله صلى الله عليه وسلم يجدر بنا أن نعرف أنفسنا لأن معرفة النفس تدل على ما بعدها من معرفة حقوق الآخرين والكلام عن النفس هو كلام الروح للروح لأن أهم شيء على الإنسان نفسه وهو المسؤول عنها يوم القيامة بدليل قوله سبحانه وتعالى: (كل نفس بما كسبت رهينة).

والآيات في هذا الموضوع كثيرة لهذا وجب على المسلم أن يتعرف جيداً على أمور النفس وما قاله العلماء في ذلك حتى يستطيع أن يتعبد لله بتهذيبها بمكارم الأخلاق وحملها على الطاعة وعلى الصبر في هذه الدنيا التي هي دار البلاء والاستحسان وهي دار العمل والآخرة دار الجزاء. وقد قال صلى الله عليه وسلم: (لا خير في بدن لا يمرض ولا في مال لا يصاب) لماذا لأن المسلم وجب عليه أن يعلم أن في ابتلائه مباشرة في نفسه أو ولده أو ماله هو له خير،

سواء بغفران السيئات أو برفع الدرجات، وكذلك المرض نعمة للمسلم لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (أنين المريض تسبيح، وحنينه تهليل، كم قد نعمت وسلمت) لهذا نجد ان الله سبحانه وتعالى ذكر في كتابه العزيز فقال: (سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم) هذه الآية توضح لما كان الإنسان محجوباً عن عالم الغيب خصته الحكمة الإلهية بأن جعلته دفتراً جامعاً لخواص كثيرة وذلك للإنعام عليه بإلزام أمور عجيبة تكون له مفاتيح لما غاب عنه

كما قال تعالى: (وفي أنفسكم أفلا تبصرون) فهو يستدل بما شاهد في نفسه على ما لم يشاهد، وهذه النفس حقها أن تحملها على طاعة الله وتصبرها بالرجاء كما جاء عن الرسول صلى الله عليه وسلم: (ما أصاب المسلم من شيء إلا كان كفارة له). وعلى المسلم أن لا يحرص على الدنيا لأن النفس متى علقت بالدنيا ذهبت روحانيتها الإيمانية لهذا يجب أن تعلم هذه النفس أن أول العمر فيها مُره وآخرها عبره،

ويذكر أن موسى عليه السلام آن يودع الخضر فقال: يا أخي أوصني، فقال: يا موسى كل شيء خلقه الله بركة سوى خلة واحدة لا بركة فيها البتة، وهي أعمار العباد، في كل ساعة تنقضي حتى تتلاشى، فيجب على العاقل أن يوطن نفسه على مصائبها ولا ينافس في زخرفها ويداري أهلها ويماري قومها.

دنيا تغر فكن منها على حذر ـ فالعمر مأوى مخافات وآفات وعلى المسلم أن يتعلم الكثير من حياة الأنبياء والصالحين لكي يربي هذه النفس على الخير والعبادة. فمثل سليمان عليه السلام أعطي فشكر، وأن أيوب عليه السلام ابتلي فصبر، وأن محمداً صلى الله عليه وسلم أوذي فغفر.

وليعلم المسلم أنه مسجون، والعافية من السجون عارية، والسلامة منه بعيدة، والدنيا سجن المؤمن، فالأحمق من طلب الرفاهية والعيش في السجن. وقد أخبر المولى سبحانه وتعالى ان الدنيا دار البلاء فقال: «ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع» قال ابن عباس رضي الله عنهما: أخبر الله عباده ان الدنيا دار بلاء وأنه مبتليهم فيها وأمرهم بالصبر فقال: «وبشر الصابرين» ثم أخبرهم أنه هكذا فعل بأنبيائه وأوليائه وصفوته تطيباً لقلوبهم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من استرجع عند المصيبة جبر الله مصيبته وأحسن عقباه وجعل له خلقاً صالحاً يرضاه)،

واعلم أخي المسلم الصائم: أن النفس ما حملتها تتحمل فإذا هذبتها وأدبتها تهون عليك مصائب الدنيا وإن استرسلتها عقرتك وآذتك فتصبح في هم وتمسي في غم، فالجهاد الأكبر معالجة النفس والأعمال بخواتيمها، فأحرص أخي المسلم على تزكية نفسك وخاصة وأنت في شهر الصوم والصبر والطاعة المضاعفة فحق النفس كثير وعلى المؤمن أن يفهم مقصد وجود حياته

وأن لا يعرض نفسه لسخط الله وأن لا يفرح بكثرة عروض الدنيا وزينتها فهي للزوال أقرب فعلينا أن نحرص منها وأن نجهد أنفسنا على طاعة الله والصبر عن هذه الدنيا وملذاتها فهي زائلة. فسأل الله لي ولكم حسن الفهم والدرك والمعافاة والحمد لله رب العالمين.

Email