جمع التحف و«الأنتيكا».. هواية الأثرياء تتحول إلى تجارة لفقراء مصر

جمع التحف و«الأنتيكا».. هواية الأثرياء تجارة لفقراء مصر

  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

تحولت هواية اقتناء التحف والأنتيكات في ظل الحالة الاقتصادية المتردية إلى تجارة واسعة تعمل بها كل الطبقات، وبينما كانت مقتصرة في الماضي على الأثرياء والكبار أو الطبقة الارستقراطية فقد دخلها اليوم أبناء الطبقة المتوسطة الذين يعيشون في القرى أو على أطراف المدن بما ورثوه من آبائهم وأجدادهم من بعض التحف التي كانت شائعة الاستعمال منذ فترة طويلة، كما أنهم لا يزالون يحتفظون بالعديد من هذه الأدوات التي لها طابع تراثي في منازلهم.

وقد تحولت هذه الهواية إلى تجارة تدر دخلاً كبير على المتعاملين فيها يصل إلى ملايين الجنيهات كما أصبح لهذه التجارة زبائن وتجار تمتلئ بهم صالات المزادات وبيع الأنتيكات في القاهرة وفي منطقة الزمالك خصوصا. وفى مصر تروج عملية شراء التحف وبيعها في فصلى الخريف والشتاء وتصاب بالركود النسبي في فصلى الربيع والصيف، كما تتركز في منطقة الزمالك الراقية، حيث يقبل العرب على اقتناء السجاد والنجف والثريات، فيما يهوى الأجانب جمع اللوحات والتماثيل. ويقول قدري حسن تاجر تحف بوسط القاهرة: «كان هاوي التحف الحقيقي يشترى التحفة لكي يضمها إلى مجموعته فتظل تاريخاً تليداً وذكرى غالية يطلع عليها المقربون إليه فقط من عظماء القوم، وكان الهواة يتفاخرون فيما بينهم بما يملكونه من تحف ويسعون إلى ضم المزيد منها، أما اليوم وبعد اقتحام طائفة رجال الأعمال والمستثمرين لهذا المجال أصبحت التحفة سلعة تباع وتشترى لتحقيق الربح، فالواحد منهم يشتريها الآن لكي يبعها غداً أو بعد عدة شهور بسعر أغلى.

وأحياناً يصل الربح إلى الضعف أو أكثر فقد اشترى أحد هؤلاء التجار «فازة» بثلاثين ألف جنيه وباعها بعد شهر ونصف الشهر بـــ 50 ألف جنيه، وآخر اشترى طقم صالون أبيون بــ 750 ألف جنيه وباعه بعد عامين بـ 140 ألف جنيه، وهكذا وجد هؤلاء المستثمرون أن هذه التجارة مربحة جداً وأكثر من أي تجارة أخرى وأكثر ضماناً لحفظ الأموال وتنميتها في البنوك، فهي تضاعف الأموال في أوقات قصيرة، بالإضافة إلى أنها تجارة لا تخسر أبدا».

ويذكر فاروق عبدالعزيز وهو من أكبر تجار التحف في منطقة الزمالك بالقاهرة أن «موسم تجارة التحف في مصر يمتد من شهر أكتوبر إلى شهر أبريل كل عام»، ويعلل ذلك بأن «المتعاملين في هذا المجال من الأثرياء الذين يقضون أشهر الصيف على شواطئ أوروبا، وهناك سبب آخر وهو أن فصل الشتاء هو موسم رواج تجارة التحف في العالم كله».

ويضيف أن «سوق التحف في القاهرة يتركز في منطقتي الزمالك ووسط القاهرة وهناك بعض الأجانب من هواة جمع التحف يأتون إلى مصر خصيصاً لشرائها، وهؤلاء يتركز اهتمامهم على التابلوهات العالمية والتماثيل والموبيليات القديمة، أما العرب فيقبلون على السجاد الإيراني المعروف بالعجمي والنجف».

إيراني وفرنساوي

أما المصريون من هواة اقتناء التحف فيقبلون على أنواع التحف المختلفة وهذه الأنواع، كما يعددها محمد علي وهو تاجر تحف هي الآتية: «التابلوهات وهى للرسامين التشكيليين العالميين، وهى نادرة الوجود في مصر وذلك نظراً لارتفاع ثمنهاً، ولأن من يمتلك واحدة منها يحرص عليها ولا يفرط فيها بسهولة.

أما التابلوهات المقلدة عن أصول عالمية فتباع بأسعار معقولة وهى في متناول الكثيرين، ومن التحف أيضاً الثريات ويوجد منها المصنوع من البرونز والكريستال وطرز مختلفة مثل «الجالية» و«اللاليك» و«البوهيمى» و«التشيكوسلوفاكي» والنجف التركي القديم، ويتحدد سعر النجفة حسب قدمها وجودتها، وقد يصل سعر الواحدة إلى 50 ألف جنيه».

ويتابع موضحا: «أما الفازات فيوجد منها الفرنسى والسيفر والجالية واليابانى سكوما والصينى شنواه والألمانى مايس، ويصل سعر الواحدة أحيانا إلى 200 ألف جنيه، وتوجد أيضاً الأعمدة المصنوعة من المرمر والرخام والتماثيل البرونزية والمرايا المذهبة الكبيرة، وكل هذه الأشياء يتحدد سعرها طبقاً للعراقة والموديل والجودة، أما السجاد الإيراني فتوجد منه أنواع كثيرة منها «أصفهان وتبريز وكاشان وشيراز وكرمان» وغيرها مسماة بأسماء المدن الإيرانية المصنعة فيها.

ويقول خبراء السجاد العجمي إنه «يصنع من خامات نادرة ومصبوغ بألوان نباتية لا تتأثر بالاستعمال أو الغسيل، وأن هذا السجاد كلما وطأته الأقدام وطال عليه الزمن زاد سعره، أما الموبيليا الخشبية فمعظمها فرنسية الصنع وترجع إلى القرنين السابع والثامن عشر ومسماة بأسماء ملوك فرنسا وأطقم الصالون والنوم والسفرة وهي أغلى أنواع الموبيليا سعراً، حيث يصل سعر طقم السفرة مع ملحقاته وكراسيه إلى نصف مليون جنيه أو أكثر ويتحدد ثمنها طبقاً لحالتها وعمرها».

أنواع جديدة

ويشكو الحاج أحمد زينهم أحمد أحد تجار التحف من قلة المصادر التي يحصل منها التجار على التحف «ذلك لأنها تأتى من القصور القديمة والبيوت العريقة التي تمتلكها الأسر الثرية، وهؤلاء لا يفكرون في بيع تحفهم إلا في حالة الوفاة أو الميراث أو السفر للخارج أو الهجرة، وأحياناً عند تجديد الديكور بالنسبة للأجيال الجديدة».

ويضيف: «لقلة المعروض في السوق يتجه بعض التجار للسفر إلى الخارج وشراء بعض التحف والرجوع بها ويتحملون تكلفة الجمارك عليها وبيعها في القاهرة»، ولكن غالبية هذه الأشياء في نظره «ليست أصلية ولا تعود في حقيقة الأمر إلى العصر الذي ترمز إليه، وإنما هي نسخة مقلدة صنعت في عصور متقدمة». وتقول السيدة ملك قنصورة وهي سيدة أعمال: «هناك بعض المحلات التي تخصصت في تقليد الموبيليا الفرنسية القديمة الطراز يعملون للحصول على نسخة أصلية وتصميم عدة نسخ تماثلها في الشكل وتباع بأسعار معقولة.

وذلك للارتفاع الشديد في أسعار التحف الأصلية، وهكذا يستطيع من يرغب في تأثيث منزله بالأثاث الكلاسيك الفرنسى القديم أن يفعل ذلك بدون تحمل تكلفة الأسعار الخيالية للقطع الأصلية». ويقول قدري حسن وهو أحد المهتمين بسوق التحف إن «في الأسواق الآن أنواع من التحف لم تكن متداولة من قبل، مثل: أدوات المنزل القديمة التي لم تعد تصنع، ومنها أجهزة الراديو والجرامفونات وساعات الحائط وساعات الجيب القديمة، وكذلك السيارات موديل الثلاثينات والأربعينات والمراوح القديمة».

ويضيف: «إن أدوات المطبخ النحاسية القديمة التي كانت تستعملها أمهاتنا وجداتنا أصبحت الآن من التحف المتداولة، مثل الإبريق والطشت والصينية وصحن الهون.. وغيرها، وهذه الأشياء يكاد لا يخلو منها بيت، وهكذا دخلت الطبقة الوسطى إلى عالم اقتناء التحف والانتيكات بعد أن كان هذا المجال مقتصراً على الطبقات العليا والارستقراطية.

حيث تعددت المصادر وأنواع التحف، وأصبحت تضم أشياء داخل معظم البيوت وبأسعار ليست مرتفعة، كأنواع النجف مثلاً، وهكذا يستطيع متوسط الدخل أن يزين منزله بهذه التحف ليشعر بمقدرته على مشاركة الأثرياء هذه الهواية».

Email