إبراهيم المعايطة: «الطالب الابتكاري» رهن عنصري التشويق والتعزيز

  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

بوضوح شديد، وبشكل علمي ممنهج، لامس واحدة من أهم القضايا التي تشغل بال الدولة، وتكاد تحرمها من أبنائها خريجي التخصصات العلمية، ممن تُعول عليهم في تلبية احتياجات خطط التنمية، ورفد سوق العمل المستقبلية بمتطلبات كل مرحلة من مراحل التطوير والتحديث التي لا تهدأ.

وفند إبراهيم عبد ربه المعايطة موجه أول الكيمياء والجيولوجيا بوزارة التربية والتعليم، أسباب ضعف نسبة التحاق الطلبة الذكور في القسم العلمي، قياساً بما هي عليه في القسم الأدبي، ثم عرج على عدد من الإشكاليات والقضايا التي تهم التعليم، كاشفاً عن بعض جوانبها خلال هذا اللقاء العلمي الممتع.

 ما أسباب تدني نسبة التحاق الطلبة الذكور في القسم العلمي، عما هي عليه في القسم الأدبي؟

هذه المشكلة تقف وراءها مجموعة من الافتراضات، يمكن إجمالها فيما يتعلق بالمتعلم نفسه، من حيث وجود اتجاه سلبي نحو المواد العلمية، يستند إلى اعتقاده بأنها مواد صعبة، وأن قدراته أقل من ذلك. فالخوف من الفشل أحد المكونات المهمة في هذا السياق، كما أن فرص النجاح الماثلة أمامه، من خلال تتبع ما حدث مع أقرانه خريجي القسم الأدبي، تشجعه على محاكاة هذه النماذج.

أضف إلى ذلك، أن توقعات الوالدين العالية من أبنائهم المتعلمين، والتي لا تستند إلى معرفة المستوى الحقيقي لأبنائهم، تسهم في ابتعاد المتعلمين عن القسم العلمي. وكذلك ارتباط الالتحاق بالقسم العلمي بدراسة الطب أو الهندسة أو الصيدلة مثلاً، بعد التخرج من المدرسة، ومحدودية تحقيق ذلك، يسهم في انخفاض أعداد الملتحقين في القسم العلمي. كما أن ضعف الدافعية بشكل عام عند المتعلمين الذكور يعد أحد أسباب ذلك.

وما الأسباب التي تتعلق بالمدرسة؟

فيما يتعلق بالمدرسة، فقد كانت برامج الإرشاد الأكاديمي والمهني، تتم بصورة عرضية وغير ممنهجة، لفترة طويلة من الوقت، قبل وجود إدارة الإرشاد الطلابي، واعتماد وزارة التربية والتعليم تعيين مجموعة من المرشدين الأكاديميين المتخصصين، رغم عدم كفايتهم عددياً، لتقديم خدمة الإرشاد وتبصير المتعلمين بقدراتهم أولاً، والوقوف على رغباتهم ثانياً، وتعريفهم بحاجات سوق العمل والآفاق المفتوحة أمامهم أخيراً.

كما أن أساليب التدريس التقليدية في تقديم مواد العلوم، وابتعادها عن توظيف البحث والاستقصاء والاكتشاف وحل المشكلات، تجعل حصة العلوم مملة وبغيضة لدى الطالب. وقد يتزامن ذلك مع ضعف إمكانات المختبر، وعدم توظيفه بالطريقة التي تجعل تعلم العلوم ممتعاً وشائقاً.

وهل مناهج العلوم المقررة على الطلبة لها علاقة بهذه الإشكالية؟

من دون شك، بالرغم من أن هذه المناهج هي سلاسل عالمية حديثة ومتطورة، إلا أنها تحتاج إلى إضافة عنصر التشويق، والتعزيز لمهارات الطلبة. وخاصة مقارنات القرن الحادي والعشرين، المشروطة بامتلاك المتعلمين للمهارات الابتكارية وحل المشكلات والبحث والتقصي وغيرها. وخير مثال على ذلك، النجاح الذي حققته الثانويات التطبيقية في استقطاب الطلبة فيها، بفعل حداثة المناهج والأساليب المتبعة في تطبيقها..

وخاصة برنامج العلوم المتقدمة. وهنا لا بد من أن أسجل بثقة عالية الأثر الإيجابي المنتظر، على زيادة الالتحاق بالقسم العلمي مستقبلاً إن شاء الله، بفعل تنفيذ برنامج الشيخ محمد بن راشد للتعلم الذكي.

هل إلغاء التشعيب في الثانوي يقضي على هذه الإشكالية، دون أن يتسبب في مشكلة أكبر تتمثل في التسرب من التعليم، أو تدني المستوى وتراجع معدلات النجاح؟

القضية ليست في التسمية (إلغاء التشعيب)، بل الأهم من ذلك وجود مسارات متعددة ومتنوعة في التعليم، تقابل قدرات المتعلمين وحاجاتهم ورغباتهم من جهة، وتلبي احتياجات سوق العمل من جهة أخرى، يدعم تطبيقها خطة منهجية تستند إلى توفير جميع متطلبات تنفيذها ونجاحها، من حيث البرامج التعليمية والبنى التحتية والهيئات الإدارية والفنية المؤهلة والمدربة لقيادتها والتعليم فيها..

فوجود مثل هذه المسارات يجعل كل متعلم يحقق رغبته، وفق إمكاناته وقدراته. وبالتالي نحد من التسرب، ونجعل جميع المتعلمين يشعرون بالمتعة في التعلم، وتصبح المدارس بيئات جاذبة تقدم للمتعلم ما يشبع حاجاته ورغباته، وتشعره بالاستقرار النفسي والاجتماعي حينها، وما يترتب على ذلك من تحسين مخرجات النظام التعليمي، من حيث المهارات التي يمتلكها المتعلم كماً ونوعاً بشكل عام.

 تدقيق إجابات الطلبة.. ليس عملية مزاجية أو قـــراراً لحظياً

 بحكم خبرتك كموجه أول للكيمياء والجيولوجيا، هل طبيعة المواد العلمية تدعو إلى تنفير الطلبة منها، وما السبيل إلى تجاوز هذه المشكلة؟

الأمر ليس مرتبطاً بطبيعة المواد العلمية، من حيث البناء والمحتوى، بل بطبيعة الممارسات التي تتم عند تقديمها كما أشرت إلى ذلك سابقاً. فالعلوم يجب أن تُقدم كمهارات، إن امتلكها المتعلم صار بإمكانه فهم محيطه وعالمه الذي يعيش فيه. فيتفاعل معه ويجيب عن الأسئلة التي تتعلق بفهم مكوناته ونواميسه وتفاعلاته.

فتدريس العلوم يجب أن يُزود المتعلم بالأدوات والمهارات التي تجعله باحثاً مكتشفاً، متسائلاً وقادراً على حل المشكلات، والوصول إلى المعرفة من مصادرها الموثوقة، بدعم ودور احترافي من المعلم والجهات الداعمة له، من الجهات الفنية والإدارية، مع توفير جميع المواد والموارد والمصادر التعليمية، الكفيلة بتحقيق ذلك إن شاء الله.

كثيراً ما تواجهنا، شكاوى عدة من طلبة الصف 12 عن صعوبة امتحانات المواد العلمية، ومنها الكيمياء، وتسببها في ضياع درجات تؤثر في نتائج معدلاتهم، ما رأيكم، وبما تنصحون؟

هذا أمر طبيعي، ويجب ألا ننزعج منه. فالطالب الذي يفقد أو يخسر الدرجة هو الذي لا يمتلك القدرة على الإجابة عن بعض الفقرات التي تكون موجهة لفئة الفائقين والمتميزين، في حين أن الأكثر قدرة ومعرفة وتميزاً يحصل على تلك الدرجات. وهذا ليس عيباً، بل إن إحدى أهم مميزات الامتحان تكمن في قدرته على التمييز بين المتعلمين.

وليس شرطاً أن يحقق جميع المتعلمين النتائج نفسها. ففي الأصل، توجد بينهم فروق فردية، لذا فإن الامتحان يأتي لمقابلة هذه الفروق وفرز الطلبة تبعاً لقدراتهم. المهم هنا أن يفهم المتعلم ما يتعلمه، وأن يُركز على ما سيبقى معه غداً مما يتعلمه، وليس ما يحفظه لغاية الامتحان. وهذا مبني على افتراض خاطئ أحياناً، مفاده أن الامتحان يقيس ما يحفظه وليس ما يفهمه.

نريد أن نطمئن الطلبة وذويهم، عند الشكوى الجماعية من صعوبة سؤال ما، أو خروجه عن المنهج، مثلاً، أو كان فوق مستوى الطالب، كيف تتصرفون؟

اعتقد أن نسبة حدوث هذا الافتراض نادرة جداً، إذ إن منهجية بناء الامتحان، وفق جدول مواصفات يحول دون وقوع ذلك. ولكن إذا حدث ذلك، فإنه يتم معالجته بالتشاور مع الجهات ذات العلاقة، وتحديداً إدارة التقويم والامتحانات، وبما يحقق مصلحة المتعلمين بالدرجة الأولى، والعدالة وتكافؤ الفرص بالدرجة الثانية.

بخصوص لائحة القياس والتقويم عند التدقيق على أوراق الإجابة، هل لدى المدقق هامش مرونة للتعامل بروح اللائحة، ومساعدة الطالب في مثل الحالات السابقة؟

هناك قواعد علمية وعملية، تحكم ذلك. أهمها نموذج الإجابة، وتوزيع الدرجات، إضافة إلى الإجابات البديلة التي قد تظهر أحياناً، والتي تحتاج إلى قرار فني (علمي) وإداري، لاعتمادها وتعميمها. إضافة إلى قواعد المنطق العلمي في التعامل أثناء التدقيق. فهي ليست عملية مزاجية أو قرار لحظي يتخذ هنا أو هناك، مما يترتب عليه اجتهادات من الفريق الزائر، بل ميزان ثابت، يتم التعامل من خلاله مع جميع الحالات، بما يضمن تحقيق العدالة وتكافؤ الفرص بين جميع المتعلمين.

ما أهمية «أولمبيادات» العلوم في تعزيز توجه الطالب إلى التخصصات العلمية؟

المنافسات والمسابقات العلمية ومنها «الأولمبيادات»، أدوات لإشباع الفضول والميل العلمي لدى الطلبة، وتنميته ورعاية الفائقين والمتميزين منهم. وهي بذلك أحد أهم الوسائل والأساليب، التي تعزز وتدعم الاتجاهات الإيجابية، نحو تعلم المواد العلمية، لما لها من أثر في إيجاد جو من التنافس والتعمق في المعرفة العلمية وتطبيقاتها المعاصرة. من هنا، نود الإشارة إلى النتائج الإيجابية التي تحدثها «الأولمبيادات»، في استقطاب المتعلمين وتوجيههم نحو المواد العلمية.

ضمن دائرة اختصاصكم، ما الذي يحتاج إليه المعلم كي يتميز في مجال عمله؟

المعلم هو أحد أعمدة النظام التعليمي، وصاحب الأثر الأكبر على نتائج المتعلمين. من هنا فإن إعداد المعلم وبناء قدراته، من أولويات وزارة التربية والتعليم، ولكي يتميز المعلم في عمله، عليه أن يكون ملماً بمادته العلمية، وتطبيقاتها الحديثة، وأن يكون مواكباً للمستجدات التربوية، والتقنية المرتبطة بالممارسات التعليمية، ممتلكاً للمعرفة بخصائص المتعلمين..

والقدرة على توظيفها في تقديم تعلم يقابل حاجة كل متعلم، وأن يكون دائم التطوير والنمو الذاتي في كل المجالات، إضافة إلى إعداده للأبحاث الإجرائية، للوصول إلى حلول علمية للظواهر والمشكلات التي تعترض طريق تقدم المتعلمين عنده.

تطوير وليس تقييم

عن دور التوجيه في تعزيز مهارات وقدرات المعلم في المجالات المتخصصة، يرى إبراهيم المعايطة، أنه يقع على عاتق التوجيه دور محوري في هذا الصدد، خاصة في فئتي المعلم الجديد والمعلم الذي يحتاج إلى تحسين، فيتم وضع خطط تحسينية وتطويرية لبناء قدراته. كما أن إقامة المنتديات والملتقيات العلمية، التي تُعرض فيها أوراق عمل متخصصة، لأفضل التجارب والممارسات العالمية، لها دور كبير في تحقيق ذلك.

فضلاً عن تحليل نتائج تقييم الأداء، ووضع خطط التطوير والتحسين في ضوئها، وهي المهمة التي يشارك فيها التوجيه التربوي، بالتنسيق والتعاون مع إدارة المدرسة، وفرق الرقابة (الدعم والتحسين). ومن الملاحظ هنا أن الدور الذي يلعبه التوجيه التربوي، هو دور تطويري وليس تقييمياً.

Email