البروفسور إبراهيم أبوهلون:

البكالوريا العربية الدولية «روشتة» علاج لأوجه الحياة المعاصرة

ت + ت - الحجم الطبيعي

طرق بشدة، جدار النظم التعليمية العربية، التي تعتمد على تقييم طلبتها من خلال امتحان يُعقد نهاية العام في ساعتين، واتهمها بالتفريط في حق الطالب وعدم العدالة في تقييمه. هذا ما أكده البروفسور إبراهيم أبوهلون مدير البكالوريا العربية الدولية بمركز البحوث التربوية، في حوار مع العلم اليوم، تناول العديد من الجوانب المتعلقة بمنظومة البكالوريا العربية الدولية.

وتساءل أبوهلون: كيف يُحكم على مدى تحصيل الطالب لأيّ مادّة دراسيّة خلال سنوات الدراسة، من خلال امتحان رسميّ لا يتجاوز الساعتين. وكيف يمكن لأيّ امتحان من هذا النوع أن يقيس بمصداقيّة ما حصّله الطالب طوال كلّ هذه السنوات؟ ومعه نستكمل الحوار.

 هل لك أن تعطينا فكرة عن البكالوريا العربية الدوليّة، كونها منظومة تربويّة متكاملة؟

إنّ البكالوريا العربيّة الدوليّة (International Arab Baccalaureate, IAB) ، منظومة تربويّة متكاملة وشاملة، تعمل على إثراء المناهج القائمة في كلّ دولة وتفعيلها من أجل تمكين الطلبة العرب من النجاح، لا بل التميّز، فهي بمثابة «روشتة» العلاج لجميع أوجه الحياة المعاصرة. لذلك، فهي، من حيث المحتوى، تبتعد عن حشو المعلومات.

وتُركّز على مجموعة نظم محدّدة في كلّ مادّة دراسيّة، تساعد الطلبة على تنمية أنساق فكريّة تؤمّن الترابط والتماسك داخل المادّة الدراسيّة الواحدة، وما بين المواد الدراسيّة المختلفة، وعلى تنمية مهارات التفكير والأداء، والمبادئ والقيم، وصقل العواطف والانفعالات وغيرها من الميول، بما يؤهّلهم للنجاح في سوق العمل والحياة اليوميّة.

وما أهم سمات المنهجية التي تعتمد عليها الـIAB ؟

تعتمد الـIAB في منهجيتها، على التعلّم المقرون بالتجربة، الذي يُساعد الطالب، بتوجيه من المعلّم، لا بتقليده، على تنمية النظم ومهارات التفكير والأداء، والمبادئ والقيم وغيرها من الميول، في إطار مواقف وحالات عمليّة مرتبطة بالحياة اليوميّة. كما تعتمد التقييم ذي المصداقية وسيلة للتعلّم ولترشيد التعليم، وذلك كلّه ضمن إطار مرجعيّ جديد أطلقنا عليه اسم: التربية لبناء ملمح الطالب، وهو إطار تربويّ جديد.

أهي بديل من البكالوريا العاديّة (الثانوية العامّة؟

نحن نترك لكلّ دولة حريّة اختيار المسار الملائم عند تطبيق البكالوريا العربيّة الدوليّ (IAB)، ففي الأساس لم توضع الـIAB كبديل لأيّ منهج أو شهادة، بل كمنظومة تتضمّن آليّات ووسائل تعلّم وتعليم وتقييم، يمكن اعتمادها في إطار أيّ منهج قائم. وترتكز هذه المنظومة على أبحاث ميدانيّة، قام ويقوم بها، فريق الـIAB وغيره.

وتستفيد من التجارب التربويّة الناجحة في العالم. كما وُضعت ضمن إطار التربية لبناء ملمح الطالب. ويهدف هذا الإطار المرجعيّ إلى مساعدة الطالب على تنمية ملمح فريد، يمكّنه من تطوير بنى فكريّة متماسكة ومتناسقة، يقدر على استخدامها بشكل منتج داخل المدرسة وخارجها، وعلى اتخاذ المبادرة لتطوير نفسه ومحيطه، متحلّياً بالقيم والمبادئ الأخلاقية التي نحتاجها لمواجهة تحدّيات العصر.

تحدثتم عن «تنمية ملمح فريد»، هل لك أن توضح لنا أكثر؟

التربية لبناء ملمح الطالب، إطار مرجعيّ جديد، يُكمل منظومة الـIAB، كي تكون منظومة تربويّة متكاملة، من حيث البُعدين العملي والنظري. وقد أطلقنا على هذا الملمح اسم ملمح الأربع ميمات، أو الـ4P، بالإنجليزيّة. وهو ملخّص لسمات هذا الملمح الرباعي: منسّق، منتج، مبادر، ومبدئي. من أهدافه: جعل الطالب لا المعلّم محور كلّ عمليّة تربويّة، والتركيز على التعلّم المجدي للمواد الدراسيّة، وعدم اعتبار التقييم هدفاً قائماً بذاته بل وسيلة لترشيد التعلّم المجدي.

وما الذي يُميز البكالوريا العربية IAB عن غيرها؟

هناك على المستوى المرجعي، ما يتعلّق بتصنيف الـPSE لنواتج التعلّم، التي تساعدنا على تنظيم محتوى المواد الدراسيّة في نظم محدّدة البنية والوظائف، وعلى تحديد المهارات والعادات الفكريّة والسلوكيّة والميول التي تسهّل ربط المواد الدراسيّة بعضها ببعض، وبالحياة اليوميّة. ومنها، على المستوى العملي، ما يتعلّق بالأنشطة الصفيّة والمشاريع، وبوسائل التقييم المستمر والمصداقية التي نعتبرها مجتمعةً.

البكالوريا.. منظومة تربوية متكاملة تحترم حضـــارة وقيم الإرث العربي

 من هم الشركاء المعنيون في البكالوريا العربية الدولية، وما موقع أولياء الأمور في هذه الشراكة، ودورهم تحديداً؟

وُضِعَت الـIAB، كما ذكرتُ سابقاً، في مركز البحوث التربويّة (ERC) في لبنان، وقد ساهم في وضع هذه المنظومة وفي تطويرها، خبراء تربويّون عرب وأجانب يعملون في مؤسّسات منتشرة في العالم العربي. فقد أُطلِقَت الـIAB عام 2010 بعد سنوات من التحضير، من بينها سنتان من التجارب الميدانيّة في دول: السعوديّة، ومصر، والأردن، ولبنان.

ما مدة الدراسة بها ومكانها ومناهجها ومدارسها ومن هم معلّموها؟

تُطبّق الـIAB حالياً في السنوات الثلاث الأخيرة من التعليم العام، أي في صفوف المرحلة الثانوية، على أن تُطبّق في المستقبل القريب في جميع مراحل التعليم؛ من الروضة وحتى التعليم الجامعي. ويمكن لأيّ مدرسة تطبيقها بعد مرورها بمراحل تأهّل، واجتياز معلّميها لبرنامجٍ تنمية القدرات، يمتدّ على عام دراسي كامل، بما يؤدي إلى حصول المدرسة على شهادة الاعتماد لتطبيق الـIAB .

عندها يبدأ المعلّمون بتطبيق المنظومة في الصفّ العاشر، معتمدين المحتوى الذي تنصّ عليه المناهج المعتمدة في مدرستهم، بعد تكييفه، بما يتلاءم وإطارنا المرجعي، أي الـPSE ثمّ يمتدّ التطبيق تدريجيًّا إلى الصفّين الحادي عشر والثاني عشر. ويتابع المعلّمون طوال فترة التطبيق برامج تنمية مهنيّة مستمرّة.

وما دور المعلم وولي الأمر في هذه المنظومة؟

كان ولا يزال للمعلّمين الذين يطبّقون هذه المنظومة الدور الريادي في وضعها وتطويرها. ونحن نحرص مع الزملاء المعلّمين على التواصل الدائم مع أولياء أمور طلبتهم وغيرهم من المعنيّين في المدرسة والمجتمع المحلّي، كي نتبادل وإيّاهم الآراء حول كلّ ما يتعلّق بمنظومة الـIAB ومصلحة أبنائهم.

ونحن نلمس دوماً حرص الجميع على إنجاح العمل بالمنظومة، وافتخارهم بأنّ أبناءهم يتابعون تحصيلهم العلمي وفق منظومة تربويّة عربيّة، غير مستوردة من الخارج، تضاهي بكلّ تفاصيلها المناهج العالميّة، وتحترم الإرث العربي والحضارة والقيم العربيّة، وتعمل على ترسيخها وإثرائها.

ألا يُمثل نظام التقييم المستمر وفق منظومة الـIAB، إرهاقاً وعبئاً كبيرين على الطالب والمعلم؟

لأنّ التقييم في البكالوريا العربيّة الدوليّة وسيلة تعلّم وليس هدفاً قائماً بحد ذاته، تعتمد الـIAB التقييم المستمرّ. وهي بذلك لا تتطلّب جهداً إضافياً من المعلمين والطلبة وأولياء الأمور. وهي تضع بتصرّف المعلّمين منصّة إلكترونيّة للتقييم ذي صدقية فريدة من نوعها، وهي مزوّدة بآلاف الأسئلة، يستخدمها المعلّمون في وضع اختباراتهم، والمتابعة المستمرّة لتطوّر ملمح كلّ طالب، وفق فلسفة الـPSE .

كما تؤمّن لهم التواصل الدائم مع هيئة الـIAB الأكاديميّة، والدعم الضروري لتأدية عملهم بفاعليّة. وهكذا، فإنّ الـIAB تخفّف العبء عن المعلّم، وتريح الطلبة وأولياء الأمور والمعلّمين من كابوس الامتحانات النهائيّة، وتؤمّن العدالة والمصداقيّة، من خلال تنوّع وسائل التقييم المعتمدة في منظومتنا.

هل لدى الـIAB تخصصات معينة، يسلكها الطالب خلال فترة الدراسة، وتؤهله للجامعة؟

ليست هناك تخصصات بالمعنى التقليدي للكلمة، إذ على كل طالب أن يبلغ أقله، ما نسمّيه المستوى الأساسي في كل من العلوم والرياضيّات واللغات والدراسات الاجتماعية، وذلك في الصفوف الثانوية الثلاثة. وفي الصف الحادي عشر (الثاني ثانوي)، يمكنه اختيار متابعة التحصيل في بعض المواد على مستوى أعلى. وقد أطلقنا عليه اسم المستوى المتقدّم، وذلك بحسب ما يتلاءم والاختصاص الجامعي الذي يطمح إليه.

كيف تستطيع البكالوريا العربية الدولية، جسر الفجوة بين التعليم الثانوي والعالي؟

وُضعت منظومة الـIAB في إطار التربية لبناء الملمح (PSE) الذي هو إطار مرجعي تربوي لجميع مراحل التعليم، من الروضة وحتّى التعليم الجامعي. وقد بدأنا بتطبيق المنظومة في المرحلة الثانويّة كونها المرحلة التي تمهّد للانتقال إلى التعليم الجامعي. وفي هذه المرحلة، تركّز الـIAB على تنمية المهارات والعادات التوليديّة التي يحتاجها الطلبة لتنظيم المعارف بشكلٍ مجدٍ، واستخدامها بشكل منتج، أكثر مما تركّز على حفظ محتوى هذه المعارف في المواد الدراسيّة المختلفة، وذلك لتأهيلهم للتعلّم مدى الحياة، سواء كان ذلك في إطار التعليم الجامعي أو سوق العمل والحياة اليوميّة.

Email