من صور الكرم العربي

ت + ت - الحجم الطبيعي

موقف

سُئل قيس بن سعد يوماً: هل رأيت قط أسخى منك؟ قال: نعم، فقد نزلنا بالبادية على امرأة يوماً، فجاء زوجها، وأخبرته بنزولنا ضيفين عليهما. فجاء بناقة ونحرها ودعانا إلى الطعام. فلما كان الغد جاء بأخرى فنحرها ودعانا إليها، فقلنا له: نحن لم نأكل من الناقة التي نُحرت البارحة إلا القليل، فلم ذاك؟

فقال: إني لا أطعم ضيفيَّ البائت، فاضطررنا إلى البقاء عنده أياماً، والسماء تمطر، وهو يذبح لنا ويطعمنا كل يوم. فلما أردنا الرحيل وضعنا مئة دينار في بيته، وقلنا للمرأة: اعتذري لنا إليه ومضينا، فلما طلع النهار إذا برجل يصيح خلفنا قفوا أيها الركب اللئام، أتدفعون لنا ثمن قِرانا (أي ضيافتنا)؟ ثم لحقنا وقال: خذوها وإلا طعنتكم برمحي هذا، فأخذناها وانصرفنا.

فحوى مثل

(أجرأُ من ذباب)

يضرب المثل لجرأة أحدهم. أما سبب تشبيه الجريء بالذباب، فلأنه يقع على الناس جميعاً، بمن فيهم الملوك وتيجانهم، مثلما يقف على أنوف الأُسود، وقد يرجع فيعاود الوقوف مرات على كل ذلك.

قال الشاعر:

ولأنتَ أجرأُ حينَ تغدو سادِراً رَعِشَ الجَنانِ من (الذباب) الأقدحِ

وأصل البيت من القَدوحِ الأقدحِ بمعنى الذُباب.

مختارات من الشعر

قال أبو العلاء المعري في التعبير عن رؤيته العامة للحياة:

هذا جناهُ أبي عليَّ وما جنيْتُ على أحَد

يعكس هذا البيت الذي ورد في قصيدة مشهورة للشاعر، حساسية نفس أبي العلاء، تلك الحساسية التي أورثتها إياه آفة العمى التي ألمت به وهو صبي، وموت أبيه في سن مبكرة وفقده أمه التي تعلق بها. لذا وجدنا أن تلك الحساسية جعلته يوظف شعره لنقد مجتمعه العباسي وما كان يشهده من سلوكيات خاطئة ونفاق اجتماعي وزيف في المعتقدات وارتداء للأقنعة.

وهو نفسه ما جعله يلزم بيته عقوداً طويلة لا يخرج منه، ليصبح منزله محجة لطلبة العلم الذين كانوا يفدون عليه للاغتراف من علمه ومعرفته اللغوية والفكرية. لقد أراد الشاعر في هذا البيت أن يعلن عن أنه لم يتزوج، لأنه لم يرد أن يورث أبناءه العمى أو يجعلهم يشقون في الحياة كما شقي وعانى. لقد فرض أبو العلاء على نفسه منهجاً نباتياً عزف فيه عن تناول اللحوم الحيوانية، كما آثر ارتداء الخشن من اللباس والابتعاد عن لين العيش ورغده، وأنف من التقرب من الحكام أو مدحهم.

Email