اللغة التصويرية

ت + ت - الحجم الطبيعي

لا سبيل إلى معرفة ما للعربية من دقة إلا إذا تأملنا بعض ما خلّفت لنا من صيغ واستعمالات ومواضعات لا حد لها. وليس بوسعنا في وقفات كهذه إلا أن نقف على نُتف مما في هذه اللغة التي أراد الله أن يحفظها، فقاومت جميع التحديات، بما امتلكت من قواعد منطقية وأساليب ساحرة وفنون باهرة، ومرونة كبيرة أثارت الإعجاب.

 

 

 

وإذا كانت الأمثلة على سعة العربية وخصبها وجمالها مما لا يمكن حصره، فلعلنا نستطيع في هذا الحيز الصغير، الوقوف على بعض هذه الأمثلة والشذرات.

 

 

مواقف:

- قال الأحنف بن قيس: كل عز لم يؤيد بعلم فإلى ذل يصير.

- وقيل: من لم يفد بالأدب مالاً استفاد به جمالاً.

- وقيل للنوفلي: ما مبلغ شهوتك للعلم؟ قال: إذا نشطت فلذتي وإذا اغتممت فسلوتي.

 

 

شعر الصورة:

تظل الصورة عنصراً أساسياً من عناصر الفن الشعري، بل العنصر الذي يعد وجوده فارقاً في الحكم على فنيته، وذلك لارتباط الصورة بعنصر التخييل الذي يقوم عليه فن الشعر خاصة.

لكن حظ النصوص الشعرية من الصورة وتوظيفها فيه، تختلف من شاعر إلى آخر، وهو ما يشكل مجالاً رحباً للحكم على تلك التجارب وأصحابها.

لقد تباين حظ الشعراء العرب في تحقيقهم التميز الشعري؛ القديم منه والحديث، وأغوى بعضهم ما حققه معاصروهم أو السابقون من إضاءات في مجال الصورة، حتى أغراهم الأمر بتتبع أثرهم مع الاجتهاد في التناول حيناً أو إخفاء الأثر حيناً آخر.

ولعلنا نذكر بيت النابغة الذبياني عقب تركه الحيرة، إثر خشيته من غضب ملك الحيرة عليه، وإدراكه أن بإمكان الملك الوصول إليه إن شاء، وهو القائل:

 

فإنّكَ كالليل الذي هو مُدركي

وإنْ خِلتُ أنّ المنتأى عنك واسعُ

 

ولا شك في أن الوقوع على فكرة الليل وشموله الموجودات جميعاً والوصول إلى الشيء، هي فكرة طريفة. لذا فإن وصول النابغة إلى هذا المعنى كان سبقاً فنياً وفتحاً للمخيال الشعري عند العرب، إذ نرى الصورة الشعرية المقاربة لصورة النابغة لدى شاعر آخر هو الفرزدق، بعد أن ظل المعنى الجميل والأداء المدهش يتفاعل بين ما ذهب إليه النابغة والفرزدق الذي استثارته الصورة التي رسمها النابغة، حين قال:

 

ولو حَملتْني الريحُ ثم طلبْتَني

لكنتُ كشي ء أدركتْهُ مقادرُه

 

فالفرزدق يضيف هنا إلى الفكرة الشعرية حمل الريح للرجل، في محاولة منه لإكساب الأمر صعوبة وتعقيداً أكبر. لكن هذا التعقيد سيقابله وجود عنصر جديد هو تحويل ليل النابغة إلى شيء أعظم قدراً وأشمل دلالة، وهو القدر الذي يستقر في ذهن المؤمن بالحتم الذي لا راد له ولا منجى منه.

 

 

فوائد لغوية:

- نقول مَعدِن، على وزن (مفعِل) بكسر العين، ولا نقول معدَن (على مفعَل) بفتح العين.

- ونقول مصرِف، على وزن (مفعِل)بكسر الراء أيضاً، ولا نقول (مصرَف) بفتحها على (مفعَل).

- ونقول (اضطُرّ) بضم الطاء، للفعل الذي لا خيار للمرء فيه، لا (اضطَرّ) بفتح الطاء.

Email