التعليم بين الأمس واليوم.. تشبث بالمعرفة واستسلام للتقنيات

ت + ت - الحجم الطبيعي

حينما يترنح أحدنا متذكراً ماضي الطفولة أو الصبا والشباب، تتبادر إلى ذهنه أفكار تتغزل «بالأيام الخوالي».. «زمان أول أحلى»، و«ليت الأيام تعود إلى الوراء»، وما إلى ذلك من جمل الحنين والانطواء إلى أيام حتماً لن تعود. ذلك السلوك النفسي البشري يراه البعض من أصحاب الاختصاص هروباً من الواقع أو تخلياً عن الدور المناط به إذا ما ألح صاحبه على التمسك برياح الماضي على حساب واقعه التعليمي، إلا أن الخبراء التربويين يرون فيه أمراً مبرراً للهروب من المؤثرات والتعقيدات التي صاحبت الأجواء التعليمية هذه الأيام والتي أفضت سريعاً إلى تذكر محاسن تعليم الماضي المرتكزة على بساطته.

 

تربويون إداريون ومشرفون ومعلمون عادوا بذكرياتهم التعليمية إلى عشرات السنوات الماضية فأجمعوا على أن التعليم ورغم قدمه ظل يتسلح بإرادة طلابية أصلب وبصرامة عائلية أفضل وبمهنية تدريسية أرفع، وذلك من منطلق أن الواقع الحالي المتمثل بالتفات غير مبرر لـ«طلبة البلاك بيري» على حد تعبيرهم، وبانشغال سلبي لأولياء الأمور في العمل والوظيفة سعياً وراء ماديات الحياة، وبضعف ثقة المعلم بنفسه أمام هذا الكم الهائل من التطور والترف واللامبالاة لدى فئة غير قليلة من الطلبة وأولياء أمورهم.. كل تلك الملامح أتت على واقع التعليم لحساب ماضٍ ظل من وجهة نظر الكثيرين زاهياً رغم صعوبة أدواته.

وعلى الرغم من كل ما سبق، إلا أن المستطلعين وعلى اختلاف مواقعهم أكدوا مجتمعين أن التعليم هذه الأيام يحظى بالفرص المثالية للنجاح والتفوق والتميز محلياً وإقليمياً وعالمياً، فوزارة التربية والتعليم ومن قبلها قيادة دولة الإمارات والحكام والمسؤولون جميعاً منحوا التعليم ولا يزالون حظوظاً وافرة للسير قدماً بشتى الوسائل والإمكانيات، فبالتطوير والتحديث والتقنية والبيئة التعليمية المتكاملة، يسير الطلبة في مراحلهم الدراسية في خطى أكثر توفيقاً وعلى أرضية أشد صلابة أملاً في الوصول إلى العالمية التي لا تغيب عن الأذهان دائماً.

وفي السياق ذاته بدا أن الإداريين والمعلمين في مدارس البنين أشد حنيناً وأكثر إيماناً بذكريات جميلة للتعليم في الماضي على حساب الحاضر، وذلك مرده كما يبرر المؤيدون أن الذكور أكثر ميلاً للانشغال في وسائل التقنية والانجرار وراء الحداثة والبحث عن ماديات الحياة وفق أقصر الطرق، فيما الإناث لا هم لهن سوى الانتظام في بيئات تعليمية ومحور اهتمامهن مستقبل آمن يبحثن عنه في ثنايا أوراق الكتب وشرائح التقنية للولوج إلى مستقبل يبقى كما تؤكد مديرات المدارس أفضل وأحدث وأغنى بكل ما فيه من ماضي التعليم الإماراتي.

وإن ظل ذلك الماضي أنشودة فرح تتغنى بها كافة أطياف المجتمع الإماراتي الذي وجد نفسه ومنذ البعثات الكويتية وأيام الاتحاد الأولى متعطشاً إلى بحور المعرفة التي حفرت في أذهانهم بدعم وتحفيز وتشجيع من قيادة دولة الإمارات. وفي المقابل جاء رأي فاطمة آل مالك، مديرة مركز قرطبة للتعليم المسائي في دبي، مسانداً لمن يرجعون بالذكريات الجميلة إلى الزمن العابر.

وهي تقول إن طالب اليوم صعب جداً من حيث التعامل، وكل جيل يأتي أصعب من الذي سبقه، وهو ما كان على حساب تقدير المعلم، وتلك السلبية مردها إلى البيت وإلى الأمهات اللواتي انشغلن بالحياة عن دورهن المحوري في تربية الأبناء، مؤكدة في الطرف المقابل أن وزارة التربية والتعليم لا يمكن أن تقوم بدور الأب أو الأم، لأن الطالب يلتحق بالمدرسة بعمر يكون قد تشبع فيه بملامح كثيرة من الصعب تغييرها، لذلك فلا بد من «فرملة» حقيقية لإنعاش ضمير الأمهات بالعودة إلى دورهن الأساسي في تربية الأبناء.

Email