كتاب ـ صدام حسين سياسات الانتقام ـ أسرار وراء افتتان صدام بستالين، 70 حزباً شكلت المعارضة العراقية لكن تأثيرها لا يقنع أحداً ـ تأليف: سعيد أبو ريش

ت + ت - الحجم الطبيعي

الخميس 29 صفر 1424 هـ الموافق 1 مايو 2003 الكتاب الماثل بين يدي القاريء يهم كل من يريد أن يعرف ماذا حدث في العراق، وماذا حدث للعراق طوال ربع القرن الأخير، فهو في جوهره كتاب استطاع مؤلفه أن يخترق دوائر صنع القرار، بل واستطاع أن يفتش في عقل الرجل الذي ألقى بظله طويلاً على العراق، وعرف كيف وفيم يفكر هذا الرجل. فالمؤلف سعيد أبو ريش كانت له اتصالات واسعة على مستوى العالم العربي كله بحكم عمله الإعلامي ونشاطه العام، وقد عمل أبو ريش مع صدام حسين نفسه في السبعينيات، واستطاع خلال تلك الفترة أن يضيف أبعاداً وخبرات شخصية جديدة لفهم القاريء لمعنى الكاريزمية والديكتاتورية. ويفسر المؤلف كل تصرفات صدام حسين طوال فترة حكمه سواء مع شعبه أو جيرانه من الدول، مؤكداً ان حياته كلها كانت تتميز بسلسلة من المطالب الشخصية، فقد كان في البداية يطالب بالاهتمام به بعد أن قام عمه الفقير بتربيته، وكان يطالب بحكم العراق، وكان يطالب بزعامة العالم العربي، وأخيراً كان يطالب بامتلاك أسلحة الدمار الشامل. وبهذا المعنى، فإن صدام حسين قصة مثيرة لرجل استطاع ـ بتشجيع الحكومات الغربية ـ أن يجعل من العراق أكثر الدول العربية تقدماً في السبعينيات، ولكن نتيجة لطموحاته الشخصية قادها الى كارثة في نهاية الثمانينيات وقبل سنوات قليلة كان يكافح من أجل بقائها، لينتهي أخيراً الى ما نعرفه جميعاً. ويكتسب هذا الكتاب أهميته من أن مؤلفه راكم المعلومات الواردة في كتابه من مصادرها مباشرة وليست نقلاً عن أحد، وهو الأمر الذي جعل هذا الكتاب متميزاً وفريداً حول رجل يعد لغزاً بامتياز في عالم الحركة السياسية. غابة من التساؤلات وهذا الكتاب يثير تساؤلات كثيرة بالقدر نفسه الذي يثير فيه الاعجاب، فهذا الصحافي الذي عمل مستشاراً للحكومة العراقية في وقت من الأوقات يرى صدام حسين على ما قام به من أعمال تجاه شعبه وجيرانه، ويدين في الوقت نفسه الغرب، وبالتحديد بريطانيا والولايات المتحدة، على ما اعتبره أتباعهما سياسة النفاق والرياء في الخليج. واستطاع المؤلف أن يحدد أبعاد شخصية صدام حسين منذ طفولته التي عاشها في فقر مدقع، حيث مات أبوه بعد ولادته بوقت قصير في احدى قرى تكريت الى صعود نجمه بعد استقلال بلاده عام 1958 وفي استحواذه على السلطة. ويعزو المؤلف صعود صدام الى السلطة الى مقدرته على مداعبة أحلام العراقيين البسطاء في استعادة ماضيهم العريق على الرغم من الحرب العراقية ـ الايرانية (1980 ـ 1988) كان المؤلف يعتقد ان صدام حسين فقد الدعم الشرعي لشعبه. لكن الحجم الأكبر من هذه السيرة الذاتية التي تعتمد على اتصالات أبو ريش المكثفة في العالم العربي جاءت من كونه كاتب خطب قادة النظام العراقي في الشئون الدولية خلال سنوات طويلة. ويؤكد المؤلف ان العراق اعتمد على التقنية الأميركية لانشاء برامج التسليح التي انتهجها. كذلك فإن التغيير المفاجيء في الموقف الأميركي خلال الحرب العراقية ـ الايرانية والاشارات المتناقضة التي وجهتها الولايات المتحدة للعراق قبل أشهر قليلة من غزو الكويت معروفة لدى الجميع. وتتميز هذه السيرة لصدام حسين التي كتبها أحد المقربين اليه بتسجيل حافل لعقد كامل من الزمان أو يزيد تراوح بين الحقائق والأكاذيب. وخلال هذا العقد كان المؤلف مشاركاً الى حد كبير في كثير من الصفقات والتعاملات مع النظام العراقي. ويقارن المؤلف بين صدام حسين وستالين، فكلاهما من أبناء المزارعين الفقراء في مجتمعات شبه قبلية (كان ستالين ينتمي عرقياً الى جورجيا وليس روسيا) وكلاهما اتخذ البيروقراطية سبيلاً للسيطرة على الحكم. ويؤكد المؤلف ان انهيار برجي التجارة في مانهاتن في الحادي عشر من سبتمبر عام 2001 قد أكد بما لا يدع مجالاً للشك ان العالم الاسلامي أصبح العدو رقم واحد لدى الولايات المتحدة الأميركية. لكن الروايات التي أحاطت بقوة نفوذ اسامة بن لادن تساعد فقط على تذكير الناس بأن الغرب غالباً هو مؤلف مشاكله الخاصة في تلك المنطقة المعقدة، وعلى غرار ابن لادن فإن صدام حسين وعلى مدى فترات طويلة كان يتلقى الدعم والتأييد الأميركي تحت مسمى هدف استراتيجي أوسع قبل أن يصبح هدفاً للرغبة المتوهجة للانتقام وللقوة العسكرية العظمى. ويؤكد الكتاب ان المؤلف كان من الشخصيات البارزة في السبعينيات والثمانينيات التي لعبت دوراً مهماً في تحديث العراق، فقد كان مستشاراً لمشروعات البناء والتعمير واعادة التسليح في العراق. وقد بدأت القصة التي يرويها أبو ريش مع اتفاقية «سايكس بيكو» التي أبرمت عقب انتهاء الحرب العالمية الثانية والتي بمقتضاها تم تقسيم الشرق الأوسط بين القوى الغربية رغم وعود لورانس العرب خلال الحرب. تحت السيطرة والنفوذ البريطاني، استمرت سيطرة السُنة (التي بدأت في ظل حكم العثمانيين) رغم أقليتهم، في حين ان الشيعة لم يستطيعوا الوصول الى الحكم. وكان انقلاب حزب البعث عام 1968 هو آخر التحركات الدموية نتيجة لاعتماد البريطانيين على حكم الصفوة غير الممثلة تمثيلاً حقيقياً من الشعوب. ومع اعتلاء حزب البعث السلطة بأفكاره القومية العربية المتفقة مع مباديء وأفكار عبدالناصر كان لابد من اعادة النظر حول ما كانت في الواقع دولة تنتمي الى العالم الثالث. سرعان ما أصبح صدام زعيم الحكومة الجديد الذي لا يستطيع أحد أن يتحداه اعتماداً على الصفات العنيفة التي كان يتمتع بها البطل الأوحد في نظره ستالين. وحتى جاءت الحرب العراقية ـ الايرانية التي اعتمت الغيوم، كانت سياسات صدام الداخلية ناجحة. أحد أسباب نجاح سياسته الداخلية عائدات النفط التي حصل عليها بعد التأميم (التي كانت في السابق تعتبر أرباحاً مشتركة)، وايضاً بسبب السياسات الاجتماعية غير المتخيلة التي كان ينتهجها، والتي ادت الى تحسن احوال الغالبية العظمى من الشعب. فقد ارتفعت مستويات التعليم وانخفضت مستويات الفقر. مع الأيام الأولى لحكم ستالين، تسامحت النخبة والمثقفون الغربيون معه ازاء انتهاكه لحقوق الانسان بسبب الازدهار الاقتصادي الذي كانت تشهده البلاد، والاكثر من ذلك وعلى الرغم من اعادة توطين الاكراد اجباريا فان صدام كان يمثل عامل استقرار مؤثر في المنطقة حيث كان يقوم بتهدئة الاوضاع بين ايران والمملكة العربية السعودية على مناطق الحدود المتنازع عليها. بدأت المشكلات بالنسبة لزعيم ودولة خلال الحرب الطويلة مع ايران التي استمرت نحو عقد من الزمان تكبد فيها الجانبان خسائر فادحة، وما ان انتهنت هذه الحرب حتى بدأت حرب الخليج الاولى عندما قصفت القنابل الاميركية المصانع التي كانت الولايات المتحدة نفسها قد انشأتها مؤسساتها والمؤسسات الغربية الاخرى في السبعينيات. كانت العقوبات الصارمة التي فرضتها على العراق كل من الولايات المتحدة وبريطانيا اساسا اكثر من العقوبات التي فرضتها الامم المتحدة التي بمقتضاها حرم العراق من عائدات نفطه الامر الذي اعاده الى الاحصاءات الاقتصادية لدول العالم الثالث المتواضعة. البداية المريرة ولد صدام حسين في 28 ابريل عام 1937 في قرية العوجة بالقرب من تكريت شمال بغداد، ونشأ صدام حسين ابنا لاسرة فقيرة جدا، ويدلل المؤلف على مدى الفقر المدقع الذي عاشه صدام حسين قائلا: «انه كان يسرق حتى يطعم اسرته، كان يسرق البيض والدجاج واشياء من هذا القبيل، وكان لا يعرف القراءة او الكتابة حتى بلغ سن العاشرة من عمره وسمع ان ابن عمه يستطيع القراءة والكتابة فاراد ان يفعل الشيء نفسه. وعندما بدأ تعلم القراءة وهو في العاشرة، انتقل الى بغداد مع خاله الذي كان يعمل جنديا في الجيش. وفي سن التاسعة عشرة كان صدام حسين ناشطا سياسيا يؤيد الوحدة العربية وانضم الى حزب البعث الاشتراكي، وبعد سنوات، شارك في محاولة اغتيال فاشلة ضد الزعيم عبد الكريم قاسم، واصيب صدام بطلقة نارية في ساقه خلال المحاولة الفاشلة، واضطر للهروب من العراق لعدة سنوات سافر خلالها الى سوريا ثم الى مصر. وخلال الفترة التي قضاها في مصر درس صدام حسين القانون وحصل على ليسانس الحقوق من جامعة القاهرة عام 1962. وفي عام 1963 عاد صدام حسين الى بغداد وتزوج من ابنة خاله ساجدة التي انجب منها ثلاث بنات وولدين هما عدي وقصي. وبعد ان خسر حزب البعث السلطة عام 1963 حاول صدام حسين ان يتخفى لكن القي القبض عليه وادخل السجن. نجح صدام في الهروب من السجن عام 1966 واستمر في عمله مع حزب البعث وفي عام 1968 حدث انقلاب في العراق اعاد حزب البعث الى السلطة مرة اخرى الى الابد!! (هكذا كانوا يتصورون .. لكن حزب البعث انهار مع الانهيار المفاجيء للعراق الشهر الماضي). وبعد الانقلاب اصبح صدام نائب رئيس مجلس قيادة الثورة عام 1969 وخلال السنوات التالية استطاع ان يتقلد المناصب العليا في الحزب الى ان اصبح نائبا لرئيس الحزب ثم نائب الامين العام لحزب البعث القيادة الاقليمية. وبصفته نائبا لرئيس مجلس قيادة الثورة اشرف صدام حسين على عملية تأميم صناعة النفط وقام بحملة وطنية استهدفت البنية الاساسية تم خلالها بناء الطرق والمدارس والمستشفيات. ويقول المؤلف ان صدام حسين هذا الذي كان اميا ذات يوم اصدر اوامره بتطبيق برنامج لمحو الامية، الذين لا يشاركون فيه يقضون عقوبة السجن لمدة ثلاث سنوات، وقد ساهم هذا البرنمنج في ان مئات الالوف من العراقيين الاميين استطاعوا القراءة والكتابة. كان العراق في ذلك الوقت يطبق واحدا من افضل نظم الصحة العامة في الشرق الاوسط وهو الانجاز الذي حصل صدام بمقتضاه على جائزة من منظمة الامم المتحدة للتعليم والعلوم والثقافة (اليونسكو). حدث هذا في عهد صدام حسين، ولكن حدث في عهده ايضا انه ساعد على انشاء وحدات خاصة من البوليس السري سحقت المنشقين والمعارضين لحزب البعث. خدم صدام في الجيش العراقي برتبة عميد خلال الفترة من 1973 وحتى عام 1976 حيث تمت ترقيته الى رتبة لواء. في 16 يوليو عام 1979 استقال الرئيس البكر واصبح صدام رئيسا للعراق وسرعان ما اتهم خمسة من رفاقه في مجلس قيادة الثورة بمحاولة انقلابية تم بعدها اعدامهم مع 17 آخرين. وبعد عام من توليه الحكم شن صدام حسين حربا على جارته ايران، كذلك رأى صدام في منطقة الحدود المتنازع عليها مع دول الخليج مصدرا رئيسيا للنفط والقوة. وخلال الحرب مع ايران تكبد العراق خسائر فادحة وبعد انتهاء الحرب اتجه للاصلاحات الداخلية لمدة عامين وقام باعادة بناء ما اصبح رابع اضخم جيش في العالم. وفي عام 1990 دخل صدام في نزاع اقليمي على حقوق النفط واصدر اوامره الى قواته بغزو الكويت، لكن تحالفا دوليا بقيادة الولايات المتحدة استطاع اخراجه من الكويت. الخصوم يقول المؤلف انه طوال العامين اللذين قضاهما في تأليف هذا الكتاب استطاع ان يعرف خصوم صدام، انهم الاكراد الذين يزيد عددهم على الاربعة ملايين نسمة ويضيف ان الاكراد ينقسمون الى مجموعتين اساسيتين: اتباع مسعود البرزاني (الحزب الديمقراطي الكردستاني) واتباع جلال الطلباني (الاتحاد الوطني الكردستاني). وكلاهما يحتل مساحة كبيرة من الارض شمال العراق، استطاعا من خلالهما ان يشنا حربا اهلية على مدى سنوات طويلة. اختلف برزاني وطلباني خلافات دموية حول كيفية تقسيم الاموال التي يحصلان عليها من وكالة المخابرات المركزية الاميركية التي كانت تدفع لهما من اجل اخلال التوازن مع صدام. كانا يحاربان على تهريب البضائع بين العراق وتركيا ومن بينها النفط بالطبع، وكانا يتنافسان على الرشاوى التي كان يدفعها صدام لكل منهما. كان عداء كل منهما للآخر يجعلهما غير قادرين على الاطاحة بالنظام العراقي. في الواقع ـ كما يقول المؤلف ـ فقد فضل كل منهما ان ينسى ما فعله صدام ضدهما واستخدامه الاسلحة الكيماوية ومدا ايديهما دون خجل لقبول المساعدات المالية والعسكرية منه شخصيا، والأكثر من ذلك انهما قبلا مساعدات مالية من ايران. الشيعة العراقيون يمثلون 60% من عدد السكان لكنهم مختلفون تماما، بعضهم يريد عراقا ذا علاقات جيدة مع ايران الشيعية، والبعض الآخر يصر على انهم عرب وبالتالي لابد ان يعتمدوا على المساعدات العربية وخاصة من الكويت والمملكة العربية السعودية. فريق ثالث يؤمن بالتعاون مع الولايات المتحدة وبالتالي يحصلون منها كل مساعدات. كل من الولايات المتحدة وبريطانيا يعارض مساعدة الفريقين الشيعيين والى جانب الاكراد والشيعة، هناك اكثر من 70 حزباً معارضاً بعضها اسسه اصدقاء قدامى لصدام الذين انقلبوا عليه بعد ان فقدوا وظائفهم. ومن اجل البحث عن وسيلة للعيش، فاصدروا صحفا ومجلات لا يقرأها احد، ولم يكن لديهم مكاتب او موظفين وفي احاديثهم الخاصة كانوا يقولون ان قضيتهم ميئوس منها. ام الاحزاب الاخرى المعادية لصدام فقد كانت بقيادة ضباط سابقين بالجيش العراقي وكانت اسباب انقلاهبم عليه شخصية، اما بسبب تنزيل رتبهم العسكرية او فصلهم من الخدمة العسكرية نهائيا. اما آخر فريق معاد لصدام فقد كان يتكون من مجموعة من السياسيين القدماء الذين تركوا العراق في الخمسينيات عندما اطيح بالملكية وعاشوا خارج العراق سنوات طويلة وبالتالي كانوا يعرفون القليل عن بلدهم العراق وشعبه. ووفقاً لما قاله واحد منهم: ان صدام لا يجب ان يحكم العراق لانه جاء من طبقة فقيرة.. اننا لا نعرف من هو أبوه، وآخر يقول ان صدام عميل للموساد كجزء من مؤامرة يهودية لتدمير العراق. تلك هي المجموعات التي تحاول الولايات المتحدة ان توحدها تحت قيادة واحدة وتكون قادرة على الاطاحة بنظام صدام حسين. وخلال السنوات العشر الماضية عقدوا اجتماعات في فيينا وفي صلاح الدين شمال العراق وكذلك في نيويورك، وخلال الاجتماعات كانوا يختلفون ويتشاجرون عمن يستحق الحصة الاكبر من ال96 مليون دولار التي خصصتها الولايات المتحدة لمعارضي صدام حسين تحت اسم تحرير العراق. احد هؤلاء المعارضين قال عن احمد الجلبي الرئيس السابق للمؤتمر الوطني العراقي: انه اخذ اكثر مما يستحق، وانا لم احصل على شيء، انظروا الى طريقة ملبسه، انهم يقولون ان صدام لديه 300 بدلة، اما الجلبي فلديه 400! وفي العام الماضي قال كل من فرانك ريكياردون الرئيس السابق للشئون العراقية بوزارة الخارجية الاميركية والجنرال انطوني زيني الرئيس السابق للقيادة المركزية الاميركية ان المعارضة العراقية لصدام لم تكن قادرة على الاطاحة به، ولكن بعد 11 سبتمبر والحرب على الارهاب فإن التزام واشنطن بالاطاحة بصدام تزايدت يوماً بعد يوم، ونتيجة لذلك فإن الولايات المتحدة تعيد النظر في فكرة ان هذه المجموعات يمكن ان تحل محل نظام يدير احد اعقد الانظمة الامنية المنظمة في العالم. ويقول المؤلف: قمت مؤخراً بمراجعة ملاحظاتي التي دونتها خلال اجرائي مقابلات مع 82 من زعماء المعارضة العراقية وبدأت في تحديد اولئك الذين يتشابه تفكيرهم مع تفكير صدام فوجدت ان 75 منهم يمكن ان يقتلوا في سبيل تحقيق اهدافهم. حكايته مع ستالين يذكر المؤلف ان عام 1979 شهد اجتماعاً بين صدام حسين وسياسي كردي يدعى محمود عثمان يقول عثمان ان صدام قابله في مكتب صغير في احد قصوره وهو يرتدي روب الحمام، وكان ذلك في ساعة مبكرة من الصباح وكان بالمكتب سرير صغير في احد اركان الحجرة، وقال عثمان ربما يكون صدام قد نام ليلته على هذا السرير، وبجوار السرير وجدت اكثر من عشرة ازواج من الاحذية الغالية.. اما بقية المكتب فقد كان عبارة عن مكتبة صغيرة تضم كتباً حول شخص واحد وهو ستالين. ولكن لماذا كل هذا العشق من جانب صدام حسين لهذا القائد أو الزعيم او الديكتاتور ستالين؟ يقول المحللون ان هناك ثلاثة اوجه شبه بينهما: ـ الوجه الاول ان كلا من ستالين وصدام تربى في بيت بدون أب وقامت الأم بتربيته، وولد صدام في 28 ابريل 1937 في قرية صغيرة بجوار تكريت التي تبعد نحو مئة ميل شمال بغداد مات ابوه قبل ان يولد وتزوجت امه من شخص آخر وان زوج امه كان غير متعلم وكان يقسو عليه، وعندما بلغ صدام سن العاشرة ذهب الى بغداد لكي يعيش مع خاله وهناك استطاع ان يبدأ التعليم بانتظام والتحق بالمدرسة وكان زملاؤه يعطفون عليه باعتباره يتيماً. ـ الوجه الآخر الذي يجمع بين صدام وستالين ان كلاهما بدأ حياته كمجرم سياسي شارك بالدخول في مؤامرة للاطاحة بالوزارة. اكتسب ستالين شهرته وحصل على رتب اعلى بسبب قيامه بتنظيم اضرابات واحتجاجات غير قانونية من اجل الدفاع عن القضية. وصدام حسين احتل اعلى المناصب في حزب البعث بسبب المشاركة في محاولات الاغتيال لرئيس الوزراء عبدالكريم قاسم عام 1959 ونظراً لان كلا منهما عرف تماماً لعبة المؤامرة.. فقد تخلص كل منهما من منافسيه المحتملين. ـ وجه الشبه الثالث بينهما العبقرية السياسية، يقول المؤلف: قل ما شئت في ستالين، لكن الامر الذي لاشك فيه انه كان عبقرياً في السياسة الداخلية وبسبب ان رفاقه لم يقدروه حق قدره ولم يعرفوا قيمته.. لكنه استطاع ان يتخلص منهم جميعاً واحداً تلو الآخر. وقد ادرك صدام هذه المهارة مبكراً وأراد ان يقلده وقبل ان يعتلي صدام السلطة في العراق، كان يحوم حول مكاتب حزب البعث ويقول للناس: انتظروا حتى اصبح رئيساً للعراق سوف اجعل منها دولة ستالينية. الحرب الخاطفة يقول المؤلف: ان مطالبة البيت الابيض بتوجيه ضربة خاطفة ضد العراق كان تطوراً جديداً وخطيراً.. فهي لم تجبر على ان توجه ضربة خاطفة في الشرق الاوسط من قبل، لكن بعيداً عن ذلك لم يحدث اي تغيير يذكر اللهم إلا امتلاك صدام حسين لأسلحة غير تقليدية وهو امر تعرفه الولايات المتحدة جيداً منذ اكثر من عشرين عاماً. الشرق الاوسط اليوم هو نتاج ما قررته القوى العظمى.. فقد قامت كل من بريطانيا وفرنسا باعادة رسم حدود الدول في الشرق الاوسط بعد الحرب العالمية الاولى طبقاً لاتفاقية سايكس بيكو حيث انتهجتا نظاماً يقضي بتعيين رؤساء وملوك لهذه الدول تكون مهمتهم الاولى حماية المصالح الغربية. احكم الغرب قبضته على الشرق الاوسط لعدة اسباب من اهمها: رغبة الغرب في تسوية الصراع العربي الاسرائيلي بطريقة ترضيه «اي ترضي الغرب.. اي ترضي اسرائيل» واعتماد الغرب الكلي على بترول العرب في الشرق الاوسط والاهم من ذلك كله التحكم والسيطرة في اموال النفط.. وفي اسعار النفط. في الماضي كانت الولايات المتحدة تدعم رؤساء وزعماء عرب غير محبوبين من شعوبهم اما الادارة الاميركية الحالية فهي بصدد اعداد قائمة من رؤساء وزعماء عرب بهدف التخلص منهم. كان على رأس هذه القائمة صدام حسين، يليه ياسر عرفات رقم 2. العلاقات بين الولايات المتحدة ومصر ليست على ما يرام، والعلاقات السعودية الاميركية ضعيفة، مقارنة بما كانت عليه في الماضي. والأهم من ذلك كله ان الولايات المتحدة اعتمدت سياسة التدخل المباشر وليس اعتماد الحرب بالوكالة كما كان يحدث سابقا. انهم لم يفهموا نتائج عدم الاستقرار في الشرق الاوسط. فهم يتحدثون عن محاربة الارهاب دون ان يحددوا من هو العدو بالضبط، انهم سيواجهون صعوبات كثيرة وهم يدخلون حربا دون ان يتطوع احد بمساعدتهم. ويبدو ان العدو الذي يحاربونه يتغير يوما بعد يوم اعتمادا على اي جماعات او دول تعارض الولايات المتحدة اليوم. الجماعات الاسلامية التي تحارب الولايات المتحدة في الشرق الاوسط الآن هم صنيعة الولايات المتحدة نفسها في الخمسينيات والستينيات، اذن نحن بصدد اعداء متغيرين كما اننا لسنا بصدد سياسة طويلة الأجل يمكن ان يفهمها او يستوعبها الزعماء او حتى الشعوب المؤيدة للولايات المتحدة. نحن الآن في وضع اسوأ عما كان في عام 1991. فالآن فإن الولايات المتحدة تجاهلت تماما مشاعر الشعوب في المنطقة. ويقول المؤلف: لابد من عمل شيء ازاء ذلك فالاميركيون يجب ان يعلموا صراحة ان حكومتهم لم تعد محبوبة من جانب شعوب الشرق الاوسط ولماذا. ويجب ان يعلموا ان الحركات الاسلامية يمكن ان تنقلب ضد الغرب، لكن الولايات المتحدة لا تسمع، لأي احد. لا احد في البيت الابيض او وزارة الخارجية او وزارة الدفاع الاميركية يمكن الآن ان يدافع عن سياسة يمكن ان تمنح شعوب الشرق الاوسط شيئا يجعلهم سعداء. فشعوب الشرق الاوسط كلها ضد الولايات المتحدة بلا استثناء فهل كان يصدق احد ان تقوم مظاهرة في الاقليم الشرقي بالمملكة العربية السعودية قوامها 15 ألف امرأة تؤيد الكفاح الفلسطيني وتدين بوش. ان ذلك يعكس مستوى الغضب الذي لم يكن يتوقعه احد ضد الولايات المتحدة. التمثال الذي هوى كانت تصرفات صدام حسين داخليا وخارجيا معروفة لدى الجميع إلا من الولايات المتحدة والغرب عموما. فقد استمر ريجان وبوش بالترحيب بصدام حسين باعتباره حليفا مهما وشريكا تجاريا مهما ايضا طوال حقبة الثمانينيات. وظل بوش الاب يمنح صدام حسين قروضا ميسرة ويبيع له تقنيات متطورة وأسلحة للدمار الشامل حتى يوم الثاني من اغسطس عام 1990 اي حتى اليوم الذي غزا فيه الكويت. وظلت بريطانيا تقدم لصدام حسين اجهزة ومعدات عسكرية ومواد اشعاعية حتى بعد غزوه للكويت بعدة أيام، لكن ذلك كله كان لابد له من ان يتغير ليأتي ذلك اليوم الذي هوى فيه تمثال صدام في ساحة الفردوس، وهوى معه استقلال العراق.

Email