زمن الاحتلال الفرنسي

الشعر المحكي في بلاد الشام

ت + ت - الحجم الطبيعي

يروي كتاب "الشعر المحكي في الشام زمن الاحتلال الفرنسي"، لمؤلفه جورج عيسى، مجموعة من الأشعار الشعبية التي قيلت في أحداث وفترات مختلفة، خلال حقبة الثورة ضد الاحتلال الفرنسي لسوريا. واستهل عيسى كتابه بالإشارة إلى أنه، وفي يوم ما من أيام عقد الأربعينات من القرن العشرين، وبينما كانت نيران الثورة السورية الكبرى تضطرم، قطع ولدٌ برفقة أمّه، أحد شوارع دمشق، مشياً على الأقدام، وإذا بجماعة من الثوَّار السوريين، يصيحون بأعلى أصواتهم:

شيخ تاج يا بومة يا بو لفَّة مبرومة

اعطينا شعرة من دقنك لنخيِّط هالبيتومة

شيخ تاج يا قيقة يا صرماية عتيقة

 

وكان الولد يقول لأمِّه: إنَّها مظاهرة، أليس كذلك؟ ثمَّ يعاود السؤال: ولكنَّها تهتف ضدَّ من؟ وهكذا لمَّا كبر الطفل: (الكاتب جورج عيسى)، عرفَ أنَّها كانت تهتف ضد الشيخ تاج الدين الحسيني، رئيس الجمهورية العربية السورية، آنذاك، ضد الخيانة والعمالة والتخلف والتسلط. ولكن بقصائد شعرية محكية بالكلام (العامي) أو الفن القولي، والذي يعبِّر عن الوجدان الجمعي للشعب، ويعكس روح الغالبية منه.

ويلفت المؤلف إلى أن الشعر المحكي الشعبي، هو المنظوم باللهجة العامية أو الدارجة. وهو الشعر الذي لا يتقيَّد بقواعد إعراب اللغة وصرفها، ولا ببحور الشعر. ي

وضح مؤلف الكتاب، أنه صوَّر الشعراء الشعبيون في دمشق (الشام)، جميع ما جرى من أفعال وردود أفعال، سياسية واجتماعية واقتصادية، إزاء الاحتلال الفرنسي لسوريا، معبرين عن وجدان الطبقات المسحوقة، التي تضم أفرادا يبحثون عن اللقمة و الحرية والاستقلال، ومن هؤلاء الشعراء: أديب الجابي وميشيل كحلا ووصفي المالح، وسلامة الأغواني وشفيق طحان وفخري البارودي. وكذلك رفعت العاقل، والذي ينتقد في قصيدة له صحافياً:

صحافي قدير باسمو شهير

ما بيكتب عن طمع على المحك عالوجع

بلمحة بتشوفو ارتجع ليش يسكت ليش خنع

ما عاد كتب ولا اعترض بيَّن على إنُّو قبض

 

ويقدم عيسى، نماذج أشعار أخرى، من هذا القبيل، من بينها قصيدة للشاعر علي دياب، ينتقد فيها الوضع الإنساني في سوريا، في زمن أيام الاحتلال الفرنسي، ومن ما جاء فيها:

هالعيشة تعب وأكدار للي في عندو أفكار

ما بقى واحد مبسوط ما مبسوط غير الحمار

ويستعرض المؤلف، ردود الأفعال الشعرية الشعبية، على إجراء فرنسي في العام 1929، إذ وبعد ان كانت فرنسا قد احتَّلت سوريا في 24 يوليو 1920، إثر موقعة ميسلون، عام 1929 أضافت المادة 116 على الدستور الذي لم يوافق عليه الشعب بالأساس، وهي مادة تتعارض مع تعهداتها بصفتها دولة منتدبة. وهنا، تناول الشعراء الشعبيون في الشام، موضوع الدستور في أزجالهم، فسلامة الأغواني تحدَّث عنه بأسلوب ساخر، في مقطوعته (كمل النقل بالزعرور)، كما رأى نجيب كرم، في قصائده، أنَّ لا رجاء منه.

ويدرج لنا عيسى، أبياتا مما قاله سلامة الأغواني، منددا بالفرنسيين:

ارحل حاجة تعذّبنا نحنا منَّك ممنونين

إنت جاية تساعدنا لما تزيد البلَّه طين

صفينا خيالات عظام خاف شويه من ربَّك ويجمل المؤلف، مجموعة قصائد شيقة وغنية المعاني، لعدد من الشعراء، منها قصيدة للشاعر علي ذياب، قالها عندما أقيل الشيخ تاج الدين الحسيني من رئاسة الوزارة، ومن أبياتها:

قوم وضب غريضاتك يا الله إلحَقْ رفقاتك

ما شفت أوقح من عينك ما بترف ولا بتخجل

 

ويرصد لنا عيسى، الكثير من القصائد التي شجبت تصرفات حكومة الشيخ تاج الدين الحسيني، إذ سمحت لألوف المهاجرين الصهيونيين الأجانب بالسكن في سوريا، وأعطتهم إذناً باستئجار واستثمار بعض الأراضي في الجزيرة وحوران، وباعت أراضي البطيحة والحولة، وربَّما غيرها، لهم. وهنا نجد الشاعر أنور العشي، يتصدى لشجب وتأنيب تلك الحكومة، في قصيدة يصف فيها جرائم الحسيني ذاته، بحق الشعب السوري، إذ يقول:

حكاية حلوة و لذيذة عن فظائع تاج الدين

للأمة ذكرى مفيدة مضحِّي هالشعب الأمين

يتهنَّــــــــى بها الخـــــــــــازوق الحكـــــم بــــدُّو أربــــــابــــــه

الحكــــــــم بدُّو أشـــــراف مــــــــا بـــــدو متـــلك خايـــــــن

 

ويطلعنا المؤلف على أبيات لعبد الغني الشيخ، يقول فيها:

إن حكينا بالسياسة مننحبس

وإذا سكتنا عن حقوقنا منندعس

 

وأما في شأن القصائد التي جاءت بعد أن أعقب المعاهدة بين فرنسا وسوريا، انطلاق المراسلات بين الطرفين، فنتج عنها قراران أصدرهما المفوَّض السامي، عام 1936، الأوَّل يقضي بإلحاق أراضي جبل العرب بالدولة السورية، والثاني إلحاق أراضي اللاذقية بها، يدرج المؤلف مجموعة منها، مثل قصيدة أمين الحكيم، التي يعبر فيها عن فرحته بوحدة الأراضي السورية، ومن أبياتها:

الحمد لله المنَّان الواحد بديع الأكوان

تمَّت الوحدة السورية واستقلَّت الأوطان

لا مسلــم لا نصـــراني لا علـــوي ولا مـوراني

لا درزي ولا سرياني كلنا في الوطن إخوان

 

أحداث وصور

 

يسرد الكتاب، مجموعة من الأشعار الجميلة في تعابيرها والبسيطة في تراكيبها، والتي تحكي عن أحداث وقصص فترة زمنية مهمة في تاريخ سوريا، وهي خلال الانتداب الفرنسي على سوريا، واندلاع الثورة في البلاد، ضد المحتل.

 

المؤلف في سطور

 

جورج عيسى، كاتب وباحث سوري، يعنى بالأبحاث المتنوعة، في مجالات الأدب والتراث والفكر. لديه عدد من المؤلفات.

 

الكتاب: الشعر المحكي في الشام زمن الاحتلال الفرنسي

تأليف: جورج عيسى

الناشر: وزارة الثقافة السورية ـ دمشق 2012

الصفحات: 453 صفحة

القطع: الكبير

Email