مكتشفو النيل

ت + ت - الحجم الطبيعي

أصبح العالم اليوم، مثل صفحة مقروءة. وغدا البشر يعيشون أحداث هذا العالم في لحظات حدوثها. والأمر لم يكن كذلك أبدا، حتى وقت ليس ببعيد، ففي النصف الثاني من القرن التاسع عشر، كانت مغامرة اكتشاف منابع النيل الأبيض، تعني محاولة الكشف عن "سر الأسرار"، آنذاك.

هكذا، وخلال الفترة الواقعة بين عام 1856 وعام 1876، قام ستة من الرجال وامرأة، بمواجهة تحدي اكتشاف منابع النيل الأبيض. وهؤلاء المكتشفون هم موضوع كتاب الكاتب والمؤرخ البريطاني تيم غيل، والذي يحمل عنوان: "مكتشفو النيل"، وبعنوان فرعي: "نجاح مغامرة فكتورية كبرى ومأساتها". وتعبير "فكتورية" يدلّ على الحقبة التي حكمت فيها الملكة فكتوريا المملكة البريطانية.

والصفة الأولى التي يؤكد عليها المؤلف في شخصية هؤلاء المكتشفين، هي الشجاعة، إذ انهم خاطروا بحياتهم في مجاهل الغابات الإفريقية، في أواسط القارة وشرقها، حيث كان خط السير الذي تبنّوه، يمر في مناطق لا يمكن ولوجها، وهي مستعصية، بشكل كامل تقريبا، على الاختراق. كما واجهوا جملة من المخاطر القاتلة في أحيان كثيرة، والتي لم يكن أقلها الملاريا والوحوش المفترسة، وجميع أنواع الحشرات التي تزخر بها الغابات الإفريقية.

ويشرح المؤلف، على مدى العديد من الصفحات، طبيعة الصعوبات الكبيرة التي واجهت المكتشفين في مشروعهم. وحجم تلك الصعوبات، تعبّر عنه جملة ينقلها المؤلف عن الرومانيين، ومفادها أنه إذا كان طلب من أحدهم أمرا مستحيلا، يجيب: "قد يكون من السهل أكثر، اكتشاف منبع نهر النيل". ثم إن سلسلة طويلة من المغامرين والجغرافيين وعلماء الفلك، حاولوا على مدى قرون عديدة، تحديد موقع منابع النيل "ذات المنال الصعب".

وتجري الإشارة في هذا السياق، الى أن الرحالة ابن بطوطة، اجتاز آسيا ثم منطقة الصحراء الإفريقية التي حدد موقعها "خطأ" في النيجر. وكذلك كان جيمس بروس، قد أعلن في عام 1790، عندما اكتشف نهرا عريضا، أنه وقع على منبع نهر النيل. ولكنه لم يكتشف في الواقع، سوى أحد روافد النهر العظيم.

إن المؤلف هو أول من تقصّى حوّل المحاولات الأولى التي قام بها مغامران شهيران، وهما : دافيد ليفينغستون وريشارد بورتون. إذ ولّجا إلى مناطق لم تكن داخلة في إطار الخرائط الجغرافية، في وسط وشرق القارّة الإفريقية. وكانت العقبات التي صادفاها كبيرة وكثيرة، وفي مقدمتها الأمراض وعدائية السكان المحليين لتلك المناطق. ويحكي تيم جيل أنه أثناء مناوشات مع الصوماليين، اخترق رمح وجه المغامر بورتون، من جهة إلى أخرى، فأدمى فمه وكسر فكيه. وذلك الجرح بقيت آثاره على وجه المعني، إذ إنها تبدو واضحة في صوره اللاحقة.

وتلك المغامرة لم تؤد إلى نتيجة ملموسة، على صعيد اكتشاف منابع نهر النيل. وبالمقابل، كان جون هاتينغ سبيك، هو من حقق نجاحا تميّز به عن بقية المكتشفين المغامرين. وكان ذلك في العام 1858. وبعد أن يستعرض المؤلف أسباب وتفاصيل الخلاف الذي قام بينه وبين بورتون، يشير إلى أن سبيك، الأقل شهرة على صعيد كتّاب سير المكتشفين من خصمه، هو الذي بلغ الهدف الذي لم يستطع معاصره بورتون الأكثر شهرة، تحقيقه. ويصف المؤلف سبيك، بأنه كان تلميذا متواضعا، في دراسته الابتدائية، ولكنه أظهر منذ طفولته، اهتماما بالخرائط.

وانخرط في السابعة عشرة من عمره، في صفوف الجيش بالهند، حيث شارك في الحرب الأولى والثانية، بين البريطانيين والسيخ من الهنود. وقرر بعد الهند، التوجه إلى إفريقيا. والتحق بمجموعة يقودها بورتون منذ البداية، وكان برفقته في مغامرته الثانية باتجاه إفريقيا الشرقية، تلك المرة، وتحت إشراف "الجمعية الجغرافية الملكية"، والتي أنشئت لتشجيع علم الجغرافيا. وحظيت بالتأييد الرسمي للملكة فكتوريا في عام 1859. ومن هنا، يأتي الحديث عن المغامرة "الفكتورية" في العنوان الفرعي للكتاب.

وكانت "الجمعية الجغرافية الملكية" البريطانية، قد حددت هدف الرحلة الاستكشافية، ب:" الولوج، انطلاقا من الشمال، نحو سلسلة جبال القمر التي تدل عليها خرائطنا الخرائط البريطانية- بأنها ربما تحتوي على منابع النيل الأبيض البحر الأبيض ـ والتي تشكل الهدف المقبل لمشروع اكتشافكم".

وصل بورتون وسبيك، بعد رحلة شاقة، استمرّت 134 يوما، إلى منطقة تابورا. وهناك قال لهم العرب الموجودون فيها، أنه توجد في الجوار، ثلاث بحيرات. ورغم المرض الخطير الذي أصاب بورتون، والمشاكل التي واجهها سبيك في عينيه، وصلا معا، إلى بحيرة تاناغانيكا، التي كانت أكبر بحيرة يصلها أوروبي، حيث يبلغ عرضها 400 ميلا، وتقع على ارتفاع 1850 قدما.

كان بورتون على قناعة، بأنه بلغ منابع النيل. وبالوقت نفسه، زادت خطورة مرضه، فأصبح عاجزا، واقعيا. وأمّا سبيك، فقد قرر التوجه نحو القسم الغربي من البحيرة. وعند بلوغه هدفه، أخبره السكان المحليون، أن نهرا ( بحيرة ) غزيرا، يتجه مساره صوب الشمال.وعندما وصل إلى شاطئ البحيرة، قال، وكما ينقل المؤلف عنه: "لم يعد يعتريني أي شك، في أن البحيرة التي أمامي، هي منبع النهر الكبير، والذي طالما سرت حوله الأقاويل، وأراد المكتشفون الوصول إليه".

البحيرة التي اكتشفها سبيك كانت تسمّى "نيانزا"، ولكنه أطلق عليها تسمية "فكتوريا"، على اسم ملكة بريطاني. وقد علّمونا في المدارس، أن نهر النيل ينبع من "بحيرة فكتوريا".

 

 

 

 

الكتاب: مكتشفو النيل

تأليف: تيم غيل

الناشر: فابر اند فابر لندن 2011

الصفحات: 528 صفحة

القطع: المتوسط

 

 

 

Explorers of the Nile

Tim Jeal

Faber and Faber

London - 2011

528 .p

Email