الفينيقيون وأساطيرهم

ت + ت - الحجم الطبيعي

يشرح مؤلف الكتاب محمد الدنيا جملة تفاصيل وحلقات مهمة في صلب موضوع حضارة ومنجزات الفينيقيين. ويوضح في مستهل أبحاثه، إنهم شعب عريق قدم من جبال في العراق الى لبنان، وانهم أوجدوا ثقافة ولغة، ومن ثم بنوا مدناً مستقلة على الشاطئ اللبناني. وانطلق الفينيقيون للتجارة عبر البحر غرباً حتى وصلوا إلى إسبانيا والبرتغال وفرنسا وإيطاليا واليونان، ثم بعد ذلك إفريقيا ومصر، ويقال إنهم وصلوا إلى أميركا. وقد كانت أسباب رحلاتهم في العالم تجارية.

ولم ينحصر هدفهم في بيع بضائعهم، بل كانوا يبحثون عن معادن ثمينة، كالفضة والنحاس والقصدير والذهب. وكانت السفن الحربية تبحر طوال العام لمواجهة الأعداء، أو مراقبة الشواطئ وحمايتها، وكان مقدم السفينة مجهزاً بأداة حادة من البرونز، تسمى المهماز، وكان يستخدم في الهجوم على سفن الأعداء. ويبين المؤلف انه تمتعت المدن الفينيقية بنفوذ كبير، وبقي اسم جبيل " بيبلوس "، مرتبطاً باكتشاف الكتابة الأبجدية، وكان يؤمها التجار المصريون باستمرار للتزوّد بالخشب والأشياء الثمينة، كما تعرّف المصريون إلى الآلهة المحلية، واهتموا بشكل خاص بإله المدينة الكبير إيل ، بينما اهتمّ " الفينيقيون بالإله المصري " رع " .

وأخذ اليونان عنهم الإلهة عشتروت "ربّة الحبّ والخصب والجمال"، ومثلوا لها بـأفروديت ، ومثلوا أشمون "إله الصحة والشفاء"، بـأسكيبيوس " إله الطب اليوناني "، أمّا بعل " إله الخصب "، فقد مثلوه بـزيوس . ووصل الإسكندر المقدوني على رأس جيشه إلى فينيقية عام 333 ق.م. وقد قررت سيدة البحار صور أن تقاومه، لكن الإسكندر بنى جسراً متنقلاً يوصل إلى الشاطئ، وكذلك بنى برجاً خشبياً لاستخدامه في الدخول إلى المدينة، وتسلل منه جيش الإسكندر، ودارت معركة عنيفة، لم يحالف الحظ فيها الصوريون، فانهزموا واستسلمت المدينة .

وتروي الأساطير الفينيقية ذلك، كما تتحدث في حكايات جميلة، عن أولئك البحارة الشجعان والعباقرة المتعطشين للمعرفة الذين جابوا القارات ونشروا الأبجدية والكتابة في كل العالم، ولم يقتصر الفن الفينيقي على ميدان محدّد، بل كان واسعاً بقدر ما هو متنوع : شغل الزجاج والخزف والمعدن والعاج ولوازم الزينة وصنع الأرجوان والنقود، فضلاً عن إبداعاتهم في هندسة العمارة والأشياء الفنية المخصصة للعبادة والمعابد .

وبرعوا أيضاً في صناعة الحلي وحولوها إلى تجارة مزدهرة ونشروها في كل مكان واستخدموا في صنعها الذهب والفضة والأحجار الكريمة والزجاج. وكان منها أقراط لها شكل الهلال أو الشمس، وأساور وخواتم وعقود مزينة بعناصر نباتية كزهرة اللوتس، وأخرى حيوانية مثل الصقر والأسد. أمّا صناعة الأرجوان والنسيج الفاخر، فكانا موضوع تقدير الشارين، وكان الناس يفتخرون بارتداء الملابس المصنوعة من القماش الفينيقيين.

وقد بنى الفينيقيون مدنهم على رؤوس جبيلية تمتد في البحر أو على جزر صغيرة بجوار مياه قليلة العمق وقريبة من الشاطئ، وترسو حولها سفنهم بسهولة، وكانوا يأخذون بعين الاعتبار عندئذ، شروط السلامة والأمن وحسن الدفاع عنها، وكان تنظيم السكن داخل المدينة يتخذ شكلاً ثابتاً في الوسط : هي مرتفع محاط بجدران، وحوله أحياء سكنية ومبان ثقافية ، ومواقع للنشاطات الصناعية والتجارية ، أمّا المعابد فكانوا يبنونها ضمن قسم خاص من المدينة ، وجعلوا المقابر خارج الأحياء السكنية . ومن هذه المدن : صيدا أو صيدون التي كانت أكبر مرافئ فينيقيا، بعلبك التي تقع في سهل البقاع اللبناني ومن أشهر آثارها معبد "جوبيتر" ومعبد " فينيوس " .

وهناك مدينة بيبلوس " جبيل " وقد عثر فيها على كتابة أبجدية فينيقية مؤلفة من اثنين وعشرين حرفاً، يعود تاريخها إلى 1200 ق.م، وأيضاً مدينة أوغاريت التي تميزت بكتابة أبجدية محلية كانت تشتمل على ثلاثين حرفاً.

ومدينة قرطاجة " أقرت حدشت " القرية الحديثة، الموجودة في ضاحية تونس العاصمة وهي بنيت نحو عام 814 ق.م. وأثارت إعجاب العالم القديم لرخائها وحداثة قوانينها، تقول الأسطورة إنّ أليسار استخدمت جلد ثور عادياً من أجل رسم تخوم إقليمها، وبفضل شجاعتها تمكنت من تأسيس أقوى امبراطورية في العصور القديمة، ومعروف أن هنيبعل تميز بالشجاعة والدهاء، وأثار الرعب في قلوب الرومان .

وهناك أسطورة أدونيس الذي قتل في الغابة بواسطة حيوان ضخم يشبه الثور، والذي تحوّل دمه إلى شقائق النعمان . و " عشتروت " التي تحذر أدونيس بألا يذهب إلى الصيد لكنه لم يأبه لتحذيرها . و" أوربا " الأميرة الفينيقية، اذ أخذوا اسم قارة أوروبا من اسم هذه الأميرة ، عندما بسط الثور جناحيه الأبيضين حاملاً الأميرة إلى وسط البحر . وعلم الملك " أجينور " باختطاف ابنته ، حبس في قلبه كملك حقيقي ، وطلب من " قدموس " أخيها البدء برحلة طويلة لاستعادة شقيقته " أوربا ".

 

 

 

 

الكتاب: الفينيقيون وأساطيرهم

تاليف: محمد الدنيا

الناشر: الهيئة العامة السورية للكتاب دمشق 2011

الصفحات: 72 صفحة

القطع : المتوسط

Email