القضية الشركسية

القضية الشركسية

  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

يتوسع مؤلف الكتاب، محمد ازوفة، في أبحاث معمقة ووافية، في عرض مأساة الشركس، المتمثلة في تهجيرهم من وطنهم خلال النصف الثاني من القرن التاسع عشر، متناولاً عملية التهجير التي تعرض لها الشركس، بأبعادها العسكرية والإنسانية والجغرافية، محاولا لوضع التاريخ الشركسي في الوطن الأم والمهجر ضمن سياقه المحتوم، وذلك اعتماداً على تحليل منهجي، يستند إلى مصادر أكاديمية حول القضية الشركسية وما آلت إليه أحوال الشركس في وطنهم الأم وفي بلدان الشتات.

ويورد المؤلف بعض الحقائق التاريخية المتداولة حول تاريخ الشركس، وخصوصا خلال الفترة التي حاربوا فيها روسيا القيصرية، واستمرت ما يزيد على مائة عام، وذلك على أمل النظر إلى قضية الشعب الشركسي، بصفها قضية حيّة، ذات أبعاد اقتصادية وثقافية وقانونية وجغرافية ويعتبر أزوفة أن الشراكسة، الذين يسمون أنفسهم «أديغة»، هم السكان الأصليون للمنطقة الواقعة في الشمال الغربي من القفقاس، وهم أحد أقدم الشعوب في العالم، وأحد أوائل السكان القدماء في أوروبا بلغة متفردة وثقافة متميزة خاصة بهم. وتضم هذه المنطقة جملة البلاد الواقعة إلى الشمال الشرقي من البحر الأسود، ويبين المؤلف أن التواجد الشركسي فيه بقي إلى زمن وصول جيوش الفرعون المصري رمسيس الثاني إليها، مؤكداً على أن الشركس في هذه المنطقة ظلوا ثابتين منذ قرابة الخمسة آلاف عام.

وهي حقيقة لم يظهر إلى العلن ما يناقضها حتى يومنا هذا- بحسب المؤلف- نظراً لأن الآثار الباقية في القفقاس كثيرة ومتعددة، حتى الأساطير والحكايات الشعبية المتوارثة تشير إلى استمرار الوجود الشركسي.

ويرجع المؤلف احتدام الصراع بين الشراكسة وروسيا القيصرية، منذ منتصف القرن الثامن عشر، إلى جملة من الأسباب، أهمها رغبة روسيا القيصرية في الوصول الآمن إلى المياه الدافئة الجنوبية، مثل البحر الأسود والبحر الأبيض المتوسط.

وطمع روسيا القيصرية في الامتداد جنوبا على حساب الإمبراطوريتين العثمانية والفارسية، لتهديد الهند-جوهرة التاج البريطاني- والضغط على بريطانية من تلك الزاوية. إلى جانب بدء حركة الإصلاح في النظام السياسي القيصري اقتداء بديمقراطيات الغرب.

والتي كان من أبرز عناصرها إلغاء الرق وتحرير الأقنان، الأمر الذي استدعى البحث عن أراض زراعية لإيواء الاقنان المحررين وأفضلها أراضي القفقاس، إلى جانب تطور القوة العسكرية الروسية القيصرية، ورغبتها في الظهور كلاعب أساسي في السياسة والاقتصاد العالميين، أسوة ببريطانيا وفرنسا، ورغبة القياصرة الروس في إعادة تنصير القفقاس أو في حالة تعذر ذلك، إخلائه من السكان المزعجين المشاكسين لإيواء القوزاق المسيحيين المزارعين- المقاتلين مكانهم.

وأدت هذه الأسباب وغيرها إلى قيام حرب، استمرت زهاء مائة عام بين روسيا القيصرية بجيوشها الجرارة ومصادرها التسليحية والبشرية الهائلة، وبين القبائل الشركسية المتناحرة والمتناقضة في ما بينها. لكن النتيجة الحتمية كانت انتصار القوة القيصرية على الشجاعة والإقدام، فبدأت بذلك حركة تهجير واسعة من جميع بلاد الشراكسة، دفعت روسيا خلالها بجموع الشراكسة إلى الطرقات والتشرد.

وهناك سبب آخر لمأساة التهجير الشركسي، لم يتم تسليط الضوء عليه بشكل كاف، هو الأطماع العثمانية في استمالة الشراكسة للهجرة إلى السلطنة العثمانية، وذلك للاستفادة من قدراتهم القتالية في حروبها الكثيرة المستمرة، خاصة في بلاد البلقان.

ويرى المؤلف أن أوضاع الشراكسة تغيرت نحو إلى الأسوأ في زمن «الحرب الوطنية الكبرى»، أي الحرب العالمية الثانية، والتي كانت كارثية عليهم بكل بمعنى الكلمة، فقد أعدمت السلطة السوفييتية العديد من النساء الشراكسة ورجالهم بتهمة الخيانة العظمى، مع أن «جرائمهم» لم تتعد، في معظم الأحيان، مبادلة الجنود الألمان الخبز بما نهبوا من بيوت الشراكسة الآخرين من سماورات وخناجر قديمة.

وأما تركيا، البلد الذي يضم أكبر عدد من الشراكسة في العالم، بل أكثر من شراكسة القفقاس أنفسهم بكثير، فقد عانى الشراكسة فيها من إهمال السلطنة المتحضرة التي سحبت القادرين منهم إلى القتال في جبهاتها العديدة القصية، ولم يتحسن الوضع في ظل الجمهورية الكمالية بقيادة مصطفى كمال، إذ خاض الشراكسة كافة حروب الاستقلال، والذين عادوا بعد أن نجوا من القتل، وجدوا أن الجمهورية الفتية تمنعهم من تشكيل الجمعيات على اختلاف أنواعها وأهدافها.

يطرح موضوعاً مهماً وحساساً، وهو «القضية الشراكسية»، ويثير أسئلة حول إمكانية البحث عن حل قضية هذا الشعب، الذي يعيش معظمه خارج الوطن الأصلي. لكن الواقع، هو أن الشراكسة ليسوا وحدهم في هذا المصير والمآل، وينتشرون اليوم من الأردن وسورية وتركيا، وصولاً إلى القوقاز، حيث الوطن الأصلي لهم.

الكتاب: القضية الشركسية

تأليف: محمد أزوقة

الناشر: دار ورد الأردنية عمان 2010

الصفحات: 287 صفحة

القطع: الكبير

عمر كوش

Email