الحب المجنون

الحب المجنون

ت + ت - الحجم الطبيعي

أشرفت على تأليف هذا الكتاب الفريد من نوعه الباحثة الفرنسية فاليري ماران لاميسلي. وشارك فيه العديد من الكتاب والكاتبات الفرنسيات. ويتضمن الكتاب سبع عشرة قصة حب شهيرة في التاريخ الأوروبي. نذكر من بينها حب الكاتب الانجليزي الشهير سكوت فيتزجيرالد لامرأته زيلدا، وكذلك حب سلفادور دالي لامرأة من أصل روسي تدعى «غالا» ، ثم ذلك الحب المشهور بين مارلين مونرو والكاتب آرثر ميلر، الخ.

فيما يخص حب سلفادور دالي وغالا تقول الكاتبة صوفي دولاسان ما معناه:

في عام 1929 كان الصيف قائظا جدا. ولذا دعا الرسام سلفادور دالي أصدقاءه الباريسيين إلى تقضية العطلة الصيفية في قريته الواقعة على الشواطئ الاسبانية حيث البحر والسباحة والهواء العليل.

ولكن للأسف فإن الضيوف صدموا بأزمات الضحك الجنونية أو الهيستيرية التي كانت تصيب دالي بسبب وبدون سبب. فقد كان يضحك بشكل متواصل تقريبا. كان جنونه السوريالي أقوى منه.

وفجأة تتغير الأمور عندما وصل الشاعر بول ايلوار وزوجته الحسناء «غالا» الروسية الأصل وذات الجمال السلافي الأخاذ. لقد وصلا مساء إلى بيت دالي كمدعوين أيضا لتقضية الصيف على شاطئ البحر. ولم يعجب البيت غالا ولم ترتح لدالي في البداية.

وربما قررت المغادرة صباح اليوم التالي. ولو لم تكن متعبة من السفر لغادرت المنطقة على الحال. ولكنها نامت بعمق وفي الصباح استيقظت وذهبت إلى البحر مع زوجها الشاعر الشهير ومع بقية الضيوف.

أما سلفادور دالي فقد تأخر في الاستيقاظ وبالأخص في لبس الثياب لأنه كان يريد أن يفاجئ الجميع بمظهره الخارجي الغريب الشكل. وقبل أن يغادر منزله أطل من الشرفة على البحر ففوجئ منظر زوجة ايلوار وهي تدير ظهرها له، ظهرها العاري تماما.

ووقع في حبها منذ تلك اللحظة. وعندما التحق بهم أصبحت ضحكاته أقل أو ربما تغيرت نوعية الضحك. وشعرت «غالا» بأنه أحبها فوقعت هي الأخرى في حبه وقررت على الفور الانفصال عن بول ايلوار على الرغم من أنه كانت لها طفلة منه.

وهكذا ابتدأت إحدى أكبر قصص الحب في القرن العشرين: حب سلفادور دالي وملهمته الحسناء غالا، إذا ما استثنينا حب أراغون اليزا: مجنون اليزا... وفي ذلك الوقت لم يكن أحد يعرفه تقريبا ولم تكن شهرته قد انطلقت. فساعده هذا الحب الجديد على تفتح طاقاته ومواهبه. وراح يرسم من الصباح وحتى المساء. واخترع عندئذ منهجيته المشهورة باسم: الفن النقدي ـ الهذياني أو الجنوني.

ونجح في رسم بعض اللوحات التي ستصبح فيما بعد روائع فنية خالدة. وهكذا خرج من مرحلة الفقر المزري لكي يصبح أحد كبار الأغنياء. وكل ذلك بفضل غالا التي أحبته وأعطته الثقة بنفسه وشجعته على طول الخط. وقد اعترف بذلك لاحقا وقال بأنها هي السبب في تفتح عبقريته ولولاها لما أصبح شيئا يذكر.

وهذا أكبر دليل على أن الحب يفتح القلب ويشعل المواهب ويحفز على الإبداع. وهكذا انتقل دالي وزوجته غالا من حياة الأكواخ الحقيرة إلى حياة القصور الباريسية بعد أن أصبحت لوحات زوجها تباع بعشرات الملايين بل وأصبحت بلا سعر: أي فوق كل سعر ممكن. أصبحت ملكا للمتاحف الفرنسية والأجنبية الكبرى.

ثم تردف الكاتبة قائلة: ولكن للأسف الشديد فإن نهاية هذا الحب لم تكن على مستوى بدايته. صحيح أن كل حب بمرور الزمن والعادة والألفة يضمحل شيئا فشيئا ولكنه لا يتحول إلى حقد أو كره. ومع ذلك فهذا ما حصل مع سلفادور دالي وغالا.

ففي المرحلة الأخيرة من حياتهما ما عادا يطيقان بعضهما البعض. وراحت غالا تخونه مع من هب ودب. راحت تسافر بدونه إلى إيطاليا وتنفصل عنه. ولكنها في كل صباح كانت تهتف له لكي تطمئن على صحته الجسدية والنفسية. ثم اشترى لها دالي قصرا في اسبانيا ولكنها منعته من دخوله إلا بإذن!

وراحت تعيش في هذا القصر قصة حب جديدة مع شاب يمكن أن يكون ابنها أو حتى حفيدها. وفي نهاية المطاف التحق بها دالي. ولكنها كانت تشتمه أحيانا فيضربها بالعصا. وفي إحدى المرات كسر ذراعها وأوجع عينها. وعصا دالي مشهورة وكذلك شواربه المعقوفة فهي أكثر شهرة.

ومع ذلك فقد بكاها بكاء مرا عندما ماتت عام 1982. وحفر قبرين، واحدا لها والآخر له لكي ينام إلى جانبها أبديا عندما تحين الساعة. وقد حانت عام 1990 عندما مات هو الآخر. وهكذا جمع بينهما الموت بعد أن فرقت بينهما الحياة.

أما الكاتبة الفرنسية المعروفة دومينيك ديزانتي فتروي في هذا الكتاب قصة حب انتهت بالانتحار الجماعي. إنها تتحدث عن حب الكاتب النمساوي الشهير ستيفان زفايغ لزوجته شارلوت زفايغ. ومعلوم أنهما انتحرا معا في البرازيل عام 1942 وفي عز الحرب العالمية الثانية.

كان ستيفان زفايغ من أشهر كتاب أوروبا فيما بين الحربين العالميتين. وكان من أسرة غنية ويملك من المال الشيء الكثير. وبالتالي فقد أتاح له هذا الغنى أن يتفرغ للكتابة ويؤلف سير العظماء من بلزاك، إلى ديستويفسكي، إلى نيتشه، إلى عشرات الآخرين. وكان مفكرا أيضا وصاحب كتب لامعة في مجال الفلسفة والتاريخ. هذا بالإضافة إلى كتابة الروايات العديدة.

باختصار فكان الرجل قد جمع المجد من طرفيه أو حتى من كل أطرافه ومع ذلك فقد قرر الانتحار. فلماذا إذن؟ من المعلوم أن توماس مان عندما سمع بانتحاره لم يصدق في البداية. ولكن عندما تأكد من النبأ لم يزعل عليه بقدر ما غضب ونرفز جدا.

قال للمقربين منه: كيف ينتحر وهو الغني المترف؟ نحن الكتّاب الذين نشكو من النواحي المادية والفقر والجوع يمكن أن ننتحر بل ويغدرنا التاريخ إذا ما انتحرنا، أما هو فلا شيء يعذره.

ثم تردف المؤلفة قائلة: لا يمكن تفسير هذا الانتحار المفاجئ الذي هز المثقفين الألمان وصعقهم إلا إذا أخذنا بعين الاعتبار عدة عوامل، أولها أن ستيفان زفايغ كان متفائلا بالحضارة الأوروبية المليئة بالنزعة الإنسانية. ولكن صعود النازية والفاشية في ألمانيا وإيطاليا شوهت هذه الصورة الحضارية لديه فراح ييأس من الإنسان والإنسانية والحداثة الأوروبية. وكان يعتقد أن هتلر سينتصر في الحرب وبالتالي فلا أمل في المستقبل. ولذلك وضع حدا لحياته وانتحر.

ولكن هناك تفسير آخر وهو أن زفايغ كان مصابا بمرض نفسي لا علاج له. وهو الذي دفعه في لحظة يأس وسوداوية إلى اتخاذ قرار بالانتحار. ولكن لماذا فرض هذا القرار على زوجته الشابة التي لم تكن قد تجاوزت الرابعة والثلاثين من العمر؟ لماذا لم ينتحر لوحده يا ترى؟ أليست هذه أنانية بل وجريمة؟

أما كان بإمكانه أن ينتحر بمفرده ويتركها تعيش بعده حياتها؟ فهو كان قد بلغ الستين بل وتجاوزها قليلا وبالتالي فقد عاش عمرا لا بأس به. أما هي فكانت لا تزال في عز الشباب، بل وحتى هو كان بإمكانه أن يعيش سنوات أخرى. نقول ذلك وبخاصة أنه كان ثريا جدا ويستطيع أن يعيش حياة الملوك.

ثم تختتم الكاتبة كلامها قائلة: لا أحد يعرف سر هذا القرار المفاجئ والمذهل الذي اتخذه ستيفان زفايغ يوم 22 فبراير عام 1942. كل ما نعرفه هو أن الكتاب الكبار قد يصابون أحيانا بأزمات نفسية حادة قد تؤدي بهم إلى ما لا تحمد عقباه.

*الكتاب:الحب المجنون

*الناشر:مارين سيل ـ باريس 2006

*الصفحات: 460 صفحة من القطع المتوسط

L'amour fou

Valérie Marin La Meslée

Maren Sell - Paris 2006

P.460

Email