روايات خالدة

القلعة البيضاء

  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

وضع أورهان باموق روايته «القلعة البيضاء» اعتماداً على وثيقة وجدها الراوي عام 1982 في صندوق قديم يعود لشخص مسيحي عاش أسيراً في تركيا ولكنه شخص متعلم ولديه دراية في الاختراعات والعلوم والطب فلم يكن أسيراً عادياً في البلاط السلطاني بل كان شخصاً مقرباً محبباً من الباشا، ولأنه لم يعتنق الاسلام لم يرتق مكانة أفضل في الدولة العثمانية التي كانت تقيس رضاها ليس بالولاءات بل بالمذاهب أيضاً.

ولد أورهان باموق في حي (نيشان طاش) في اسطنبول عام 1952 لأسرة ميسورة. ويُعتبر الحي الذي ولد فيه أحد أحياء اسطنبول الراقية. بدأ الدراسة الابتدائية في مدرسة يمتلك أبوه نصفها، وتركها بعد أن صفى أبوه حصته منها لينتقل إلى أنقرة فترة، ليعود إلى اسطنبول ويتابع دراسته المتوسطة في «روبرت كوليج» ثم دخل الجامعة التقنية في اسطنبول لدراسة الهندسة تيمناً بأبيه وجده المهندسين.

ولكنه ترك الجامعة قبل نهاية السنة الثالثة «من أجل أن يكتب الروايات» كما يقول. ولكي يحصل على تأجيل الخدمة العسكرية سجل في كلية الصحافة في جامعة اسطنبول، وتخرج فيها. وللحصول على تأجيل آخر سجل في الماجستير، وتابع حتى حصل على الدكتوراه.

وفي هذه الأثناء استفاد من قرار اللجنة العسكرية إبان انقلاب 12 أيلول 1980، وخدم في الجيش عام 1982 «خدمة قصيرة» إذ بموجب هذا القرار يمكن لمن يستحق الخدمة كضابط، ويتخلى عن رتبته أن يخدم خدمة قصيرة مدتها أربعة أشهر.

حين ترك دراسة الهندسة المعمارية ليتفرغ لكتابة الرواية لم يكن قد طبع أية رواية، ولم يكن قد أنهى كتابة أية رواية، ولم يفكر قبل هذا التاريخ بكتابة رواية. وكان تفكيره كله منصباً على الرسم، وسعى طوال حياته التي سبقت هذا القرار لأن يكون رساماً.

على الرغم من أنه حصل على جائزة «أورهان كمال» للرواية عن روايته الأولى «الظل والنور» والتي غير عنوانها فيما بعد إلى «جودت بيك وأولاده» عام 1979 والتي أمضى أربع سنوات في كتابتها لم يستطع طباعتها إلا بعد ثلاث سنوات عام 1982. ويقول إنه عاش في تلك الفترة أكبر أزمة في حياته إلى حد أنه فكر جدياً بأن ينشر في المجلات الأدبية إعلاناً يقول فيه: «رواية حائزة على جائزة معروضة للبيع».

منحت الاكاديمية السويدية يوم الخميس 12 أكتوبر 2006 جائزة نوبل للآداب الى باموق، وجاء في براءة الجائزة ان «اورهان باموق اكتشف رموزاً روحية جديدة للصراع والتشابك بين الثقافات، في معرض بحثه عن الروح الحزينة للمدينة التي هي مسقط رأسه».

تبدأ رواية «القلعة البيضاء» بمشهد بحري لثلاث سفن إيطالية تحاصرها سفن تركية وتستولي على حمولتها وتحرر عبيدها من الأتراك والمغاربة، غير أن أحد قادة السفن وهو شاب إيطالي ادعى أنه طبيب ولديه خبرة في الفلك فتم الاستفادة من خدماته التي أصابت في مداواة بعض الجروح وتخفيف غيرها من الآلام.

وعلى مدار الرواية سيتحول هذا الإيطالي إلى محور القصة، وسيمضي عشرات السنوات في أسرة ليس عبداً بل شخصاً مقرباً من السلطان بحكم معرفته الواسعة بعدة أمور كونه قرأ الكثير من الكتب بحكم عمله على السفينة حيث الوقت الطويل في المياه كان كفيلاً أن يجعله شخصاً ملماً بالعلوم الطبية والفلكية والزراعية والصناعية والحربية

لكنه لم يعمل على تغيير معتقده من المسيحية إلى الإسلام رغم كل ما تعرض له من ضغوطات مفادها حاشية السلطان ومع مرور السنوات سيظهر شخص آخر يشبه الأسير الإيطالي شبهاً شديداً يلقبونه بالأستاذ،

وعندما يلتقي الأسير بالأستاذ يشعر الأول أنه أمام شخص مختلف عما عرفه من حاشية أو تجار، فقد كان الأستاذ مهموماً بالعلم، صارفاً الوقت في القراءة والتأمل، وهكذا وجد الأستاذ في الأسير الإيطالي عوناً لينجز مشاريعه المؤجلة منذ سنوات، والتي كان على رأسها اختراع مدفع يطلق الحمم إلى مسافات بعيدة.

في تلك السنوات التي تحكي عنها وثيقة الرواية (على الأغلب في القرن السادس عشر) كانت الإمبراطورية العثمانية تخوض حروباً شرقاً وغرباً وتصل طلائع جيوشها إلى أبواب فيينا ولأن أوروبا تلك السنوات كانت تعيش عصراً من الظلام فقد كانت الإمبراطورية العثمانية مصدر خوف للجميع وعليه كان السلطان مهتماً بالاختراعات الحربية التي تعزز تفوقه على أعدائه، وهذا الأمر احتاج إلى سنوات ليتمكن الأسير الإيطالي والأستاذ من بناء مدفع عملاق وسط تشجيع السلطان وتوجس حاشيته التي لم تكن نصيرة العلم بل كانت ترى في المدفع آلة شيطانية.

ولعدة مرات أخفق المخترعان في مدفعهما العملاق، فمرة غرق في المستنقع وأخرى تعطل عن الحركة وثالثة تعذر نقله من المكان، وخلال تلك السنوات انتشرت أوبئة في اسطنبول، وحصدت الآلاف من البشر الذين كانوا يرون في الأسير الإيطالي سبباً لكل البلاء الذي حل بهم، ولم ينج الأستاذ من اتهامات مماثلة الأمر الذي أدى إلى عزلتهما في منطقة بعيدة عن اسطنبول، فمرة يقربهما السلطان وتارة يقصيهما، ومرة يطلب منهما إيجاد دواء للوباء الذي حل ببلاده، وأخرى يطلب منهما تفسير أحلامه.

وهكذا وجد المخترعان نفسيهما منجمين للسلطان وحاشيته، وكان عليهما العمل طويلاً لينحسر الوباء عن اسطنبول، وهنا يعود الأسير الإيطالي إلى الواجهة فيعمل جاهداً حسب طرق علمية ليحدد دورة الوباء، ومتى يمكن له أن ينحسر بينما كان الأستاذ يسامر السلطان ويفسر له أحلامه ويهرب من حقيقة تفوق الأسير الإيطالي عليه في هذا المضمار.

تمر السنوات ويطعن الأسير في العمر ويرحل الأستاذ تاركاً له الكثير من المال، ولا يعود الأسير إلى إيطاليا التي نسيها سوى بعض ذكريات هنا وهناك لا تمثل له أكثر من زمن مضى في وطن غريب عاش فيه حراً بفكره وعلمه، ولكن عبداً بحركته وتجواله فلم يستفد من علمه أحد ولم يقدر وجوده أحد وكأنه شخصية تنتمي لأحد كتب التاريخ وليس إلى واقع الحياة.

وكان باموق رسخ اسمه في لوحة الرواية التركية والعالمية، بعد مسيرة غنية ومثيرة كتب خلالها أعمالاً غدت محط إعجاب القراء في العالم كله، أصبحت رواياته جزءاً أصيلاً من ذاكرة الأدب العالمي الحديث وترجمت إلى عشرات اللغات.

روايات مثل «القلعة البيضاء» و«الكتاب الأسود» و«اسمي أحمر» و«ثلج».

في روايات أورهان باموق يحضر التاريخ العثماني بكل ما ينطوي عليه من تناقضات.

تزدحم نصوص باموق بألوان الأناضول الصارخة من جهة التنوع في المنابت والمذاهب والأقوام والشعوب، تحضر المحطات المضيئة التي سطعت في سماء الشرق مثلما تحضر المآسي التي رافقتها.

Email