بورتوريكو .. جزيرة حائرة تتأمل مصيرها المتشابك مع أميركا

ت + ت - الحجم الطبيعي

الجمعة 16 صفر 1424 هـ الموافق 18 ابريل 2003 يعتبر ابناء بورتوريكو مواطنين اميركيين مع انهم لايشاركون في الانتخابات الرئاسية الاميركية او يدفعون ضرائب الدخل الفيدرالية، ولديهم تمثيل في الكونغرس لايتمتع بحق التصويت وتتولى الحكومة الاميركية الاهتمام بالدفاع والشئون الخارجية وتدفع فاتورة الرفاه الاجتماعي التي يتأهل لها قرابة 60% من البورتوريكيين وبخلاف ذلك، فان بورتوريكو تمارس الحكم الذاتي في الشئون المحلية. وعلى الرغم من مرور 50 عاما على الوضع الراهن الا ان الاهتمام الحماسي للناخبين في بحث قضية علاقة الجزيرة مع الولايات المتحدة استمر بنفس الوتيرة وظلت نسبة الاقبال على صناديق الاقتراع في ايام الانتخابات ثابتة عند حوالي 85% (مع ان جانبا كبيرا من الحماسة الانتخابية ربما كان مصدرها حقيقة ان الالوف من الوظائف الحكومية التي تستحوذ على ثلث قوة العمل الاجمالية في الجزيرة، يمكن ان تكون على المحك عندما يحل حزب محل آخر) وفي الوقت الراهن يتفوق الحزب الذي يفضل الوضع الراهن بهامش متزايد على الحزب المطالب بقبول بورتوريكو من قبل الولايات المتحدة كالولاية رقم 51، وهناك 5% من السكان تقريبا يطالبون بالاستقلال التام عن الولايات المتحدة. وهذا الجدل المتعلق بعلاقة بورتوريكو بالولايات المتحدة يغزو كل الاماكن في بورتوريكو وحتى تلك التي لا تخطر على البال ويقول لويس وهو مدمن على الهيرويين، ان التكلفة العالية لعلاجه مقارنة بما يدفعه الشخص في نيويورك هي «مجرد مثال آخر على العلاقات التجارية غير العادلة بين بورتوريكو والولايات المتحدة». ينتمي لويس الى مجتمع مستقل يربض على منحدر بين الخط الساحلي وحصون سان خوان القديمة الضخمة التي يعود تاريخ بنائها الى القرن السابع عشر. وهذا المكان نادرا ما تدخله الشرطة ويحذر الاجانب من دخوله ويسود في هذا المجتمع قوانين داخلية يتعين على الجميع احترامها واذا حدث ان انتهك شخص تلك القوانين فان مصيره يكون القذف من اعلى الصخور المدببة الى الاسفل ليلقى حتفه ويقول لويس بنبرة تنم عن الفخر في صوته: «اننا نشكل جزيرة داخل جزيرة». في الواقع ان هناك العديد من الجزر الثقافية داخل بورتوريكو، فعلى الرغم من ان سكانها البالغ عددهم نحو اربعة ملايين نسمة محشورون في حيز بطول مئة ميل وعرض 35 ميلا الا ان المجتمع البورتوريكي يفصح عن درجة من التنوع مثيرة للاعجاب وحتى انهم يسمون الشيء نفسه باسماء مختلفة بحسب المناطق وتعتبر مدينة لويزا وهي بلدة تقع الى الشرق من سان خوان ويقطنها بشكل اساسي السكان المتحدرون من العبيد الافارقة تعتبر مركزا لموسيقى «البومبا» الراقصة والمتميزة ولكن يوجد مالا يقل عن 13 شكلا من اشكال «البومبا» في الجزيرة. ويعتبر الزهو والاعتداد بالمكان امرا شائعا في اوساط البورتوريكيين فقبل بضع سنوات، نجح سكان كابو روجو، وهي بلدة غربية صغيرة، في تمرير قانون يسمح لهم اعتبار كابو روجو مكان ولادتهم القانوني، حتى وان ولدوا في المستشفى الموجود في بلدة ماياغوز المجاورة وينظر سكان مدينة بونس الساحلية الجنوبية التي عاشت اياما عظيمة من الرخاء في القرن التاسع عشر ينظرون بازدراء الى سان خوان المبتذلة ويعتبرون متكبرين من قبل الآخرين. وعلى الرغم من هذه الولاءات والخصومات المحلية الا ان البورتوريكيين لا يبتدعون النكت حول بعضهم البعض وانما عن الغرباء فقط ويقول المحامي هيكتور غونزاليس بريرا ان «جميع النكت كانت تدور حول الكوبيين ومدى عدوانيتهم وحجم الثروة التي يزعم جميعهم انهم تركوها خلفهم عندما هربوا من كاسترو والآن يروي الناس النكت عن شعب الدومينكان حول مدى غبائهم تماما مثل النكت البولندية السائدة في الولايات المتحدة». وسان خوان نفسها تعتبر جزيرة تتسع باستمرار، فضواحيها تزحف باستمرار الى اعلى المنحدرات الخاصة بالجبال الداخلية وفي قلب العاصمة، تعتبر سان خوان القديمة جزيرة اخرى بصفوف مبانيها الرائعة التي تمتد على طول شوارع مرصوفة بالحصى الذي وصل الى هنا كثقل موازنة للسفن التجارية والحربية في بداية القرن السادس عشر وهذه الجوهرة الثمينة تم الحفاظ عليها بعناية باعتبارها احد المخلفات الباقية من 400 سنة عندما كانت الجزيرة بمثابة مخفر لحراسة الامبراطورية الاسبانية في اميركا. لقد تشكل الشعب البورتوريكي خلال قرون الاستعمار الاسباني باندماج واختلاط سكان البلاد الاصليين من هنود التاينو مع المتحدرين من اصل اسباني وعبيدهم الافارقة وفي القرن التاسع عشر اضافت الحكومة الاسبانية عددا من المستوطنين من الايرلنديين والكورسيكيين الى الخليط. يقول الصحافي خوان مانويل غارسيا «ان الكورسيكيين كانوا مهربين الامر الذي يعتبر على اي حال تقليدا بورتوريكيا قديما»، وتشمل الدعائم الاقتصادية التقليدية الاخرى السكر الذي كان يزرعه العبيد في السهول الساحلية، والقهوة التي كانت تزرع في سلاسل الجبال الوسطى التي تحمي الجنوب القاحل من الرياح التجارية التي تبقي الشمال رطبا واخضر. ومنذ عام 1898 تخضع بورتوريكو لسيطرة اميركية ولكنها تشهد مؤخرا تحركا شعبيا متناميا مطالبا بالاستقلال عن الولايات المتحدة مع تنامي المشاعر الوطنية ولكن البعض يرى ان بورتوريكو ستكون بحال افضل لو ظلت تحت الحكم الاميركي بل يعتقدون ان من الضروري الانضمام الى الولايات المتحدة كاحدى ولاياتها. وعلى الرغم من الجدل الدائر حول الهوية الوطنية في بورتوريكو، الا ان الشعب هناك يحافظ على عاداته وتقاليده ويقاوم الامركة التي تفرض عليه من الخارج. ضرار عمير

Email