عبدالقادر الريس:

لوحاتي المهمة لم تظهر بعد

  • الصورة :
  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

عبدالقادر الريس نموذج للفنان العصامي، الذي قاده حبه للرسم إلى عالم الفن منذ الطفولة. وقاده اكتشافه لأعمال رواد الفن الكلاسيكي وعصر النهضة حينما لم يتجاوز عمره الثالثة عشرة، إلى تعليم نفسه بنفسه أصول وقواعد الفن الواقعي والكلاسيكي، لينطق بعدها في عالم الفن. واستطاع مع مضي الوقت وزخم التجربة، الوصول إلى أسلوبه الفني الخاص به، سواء في التيار الانطباعي أو التجريدي.

يعتبر الفنان التشكيلي عبدالقادر الريس، أحد الفنانين الإماراتيين البارزين على الساحة العربية ومنطقة الشرق الأوسط، ممن استطاعوا الوصول إلى العالمية من خلال إبداعاتهم وتجربتهم الجادة في الفن. هذا النجاح لم يأت بين يوم وليلة، بل حصيلة زمن طويل من ممارسة الفن، حيث باتت أعماله تقتنى من قبل أهم المتاحف في العالم والمؤسسات القائمة على الفن، بل ويجري البحث حاليا عن أعماله القديمة المتفرقة التي اقتنيت من قبل عدد من الأفراد في بداية رحلته الفنية. عشق الريس الفن منذ طفولته، وعاصر ازدهار الحركة التشكيلية في الكويت التي بدأت في الستينيات، وعاد إلى الإمارات بعد حصوله على الثانوية ليتابع مشواره الفني بإصرار. مر في تجربته الفنية بعدة مراحل، من الواقعية والكلاسيكية إلى الانطباعية ومن ثم التجريدية، لتحقق أعماله نجاحا كبيرا، حيث دخلت دور المزادات العالمية وكبرى المتاحف. ما يستوقف في تجربة الريس المبكرة، شخصيته العصامية وتواضعه، وعمله الدؤوب بصمت، ورحلته مع الإبداع والتميز. وبهدف التعرف إلى مسيرة عطاء هذا الفنان والاطلاع على تجربته الثرية، التقاه «مسارات» في مرسمه بدبي.

وتكبر في عين الصغير... لم تكن طفولة الريس بالمثالية أو السهلة وقال عنها، عشت طفولتي في الكويت في كنف أسرة أختي بعد وفاة والدي، وما تمنيته في طفولتي حصلت عليه هناك، إذ كانت حركة الفن التشكيلي في الكويت في الستينيات في أوجها وعصرها الذهبي. وشاركت في أول معرض حينما كنت في الصف الرابع الابتدائي كان ذلك عام 1964، علما أن عمر الدخول إلى المدرسة آنذاك يزيد بعامين على الزمن الحالي. «في صيف العام التالي شاركت في ناد صيفي، وفي نهاية الموسم أقام النادي معرضا للمشاركين وكنت الأول على زملائي في النادي في إطار منافسة شديدة. شاهد الفنان العراقي صباح يوسف أعمالي خلال المعرض، فأخذني إلى المرسم الحر لأرسم فيه ما طاب لي من وقت. كنت قبل دخولي المرسم أنبهر أمام كل من يحمل الفرشاة ويرسم بالألوان، ولكن بعد دخولي واطلاعي على الكتب المصورة لأعمال رواد الفن في العالم، خاصة الفن الكلاسيكي وعصر النهضة، أصبح حالي كما يقول الشاعر المتنبي «وتكبر في عين الصغير صغيرها... وتصغر في عين العظيم العظائم». ذلك ما ندعوه بثقافة العين».

وأضاف: «كان بمتناولي في المرسم الحر جميع الخامات والألوان بأنواعها المائي والزيتي والغواش، والتي كانت قيمتها مرتفعة آنذاك. وفي عام 1966 لم يكن في الساحة أي منافس لي من جيلي. وأذكر أيضا، أني كنت أعود في اليوم الأخير من امتحانات العام الدراسي بشغف وحنين كبير للألوان واللوحة. باختصار لو لم أذهب إلى الكويت، ما أصبحت اليوم فناناً».

إنتاج مبكر

لخص الريس بعد ذلك تجربته الفنية خلال سنواته في الكويت قائلاً: «المرة الأولى التي استطعت فيها العودة إلى الإمارات، كانت بعد مضي ثماني سنوات على إقامتي في الكويت. تمكنت من ذلك من خلال ما جمعته من عائد بيع لوحاتي خلال المرحلتين الإعدادية والثانوية. أما أول لوحة بعتها فكانت «الانتظار»، كنت حينها في الثالثة عشرة من عمري، علما أن بعض المهتمين بأعمالي لا يزالون يبحثون عن شاري تلك اللوحة التي رسمتها من وحي اللاجئ الفلسطيني، والتي اختارتها وزارة الإعلام الكويتية آنذاك لتكون بطاقة معايدة عربية.

«رسمت في تلك الفترة بورتريهات ومشاهد من الطبيعة، والكثير الكثير عن القضية الفلسطينية واللاجئين؛ إذ كنت أشعر بوجعهم وإحساسهم بالغربة خارج وطنهم، ومن خلال أعمالي تلك كنت أعبر عن مكنوناتي الداخلية أيضا. بعد حصولي على الشهادة الثانوية عام 1974، عدت إلى بلدي وأقمت أول معرض فردي لي في المكتبة العامة على الخور في الراس بتنظيم بلدية دبي، ومن ضمن من حضر المعرض كل من الفنانين عبدالرحمن زينل، وإبراهيم الأستاد، وحسن شريف وغيرهم، وذلك قبل سفرهم لمتابعة دراسة الفن. ضم المعرض حينها 36 لوحة رسمتها خلال فترة وجيزة وكانت المبيعات جيدة».

العين حق

انتقل بعد ذلك إلى مرحلة عودته إلى الإمارات التي قال عنها، بعد معرضي الأول في الإمارات، اختفى الإلهام من داخلي فجأة ولا أعرف لماذا! على الرغم من تشجيع واهتمام العديدين بأعمالي وتجربتي. دامت فترة الانقطاع تلك 12 عاما، من سنة 1974 إلى 1986. وكانت مشاركاتي الفنية خلال تلك الفترة محدودة جدا عبر لوحات سبق ورسمتها ولوحات جديدة تعد على أصابع اليد الواحدة.

«خلال فترة الانقطاع تلك سجلت في جامعة الإمارات ودرست الشريعة والقانون، وعملت في القطاع الحكومي وتزوجت وأصبحت أباً. ولا أنسى محاولات وجهود العديدين من المهتمين بالفن والثقافة لإعادتي إلى عالم الفن منهم، الشيخ أحمد القاسمي والدكتور يوسف عيدابي والأخت الصحفية منى مطر التي اختفت من الساحة الثقافية».

عودة الإلهام

تحدث بعد ذلك عن المرحلة التي عاد فيها إلى الرسم وقال: انتهت مرحلة الانقطاع تلك خلال سفرتي إلى أميركا عام 1986، حيث كنا ننتقل عبر الولايات بالبر، وخلال مشاهداتي للطبيعة لم أستطع إلا التوقف وشراء الألوان والكانفاس لأعود إلى الرسم دون توقف حتى يومنا هذا، وذلك بتوفيق من الله.

«هذا الانقطاع تطلب مني عامين من العمل الدؤوب لاستعادة مهارتي الفنية السابقة وذلك أسوة بأية حرفة أخرى. كانت عودتي بمثابة انتقال من الفن الواقعي الذي من حسن حظي تعلمته في بداية حياتي الفنية والذي مارسته من عام 1965 إلى1967، إلى الفن الانطباعي وبدأت بالألوان المائية.

«رسمت في هذه المرحلة الطبيعة الصامتة والسفن ثم تحولت إلى مباني البستكية والشندغة التي كنت أرسمها في الهواء الطلق أو من خلال استكتشات أنفذها لاحقاً في مرسمي. ركزت خلال عام 1973 على «البراجيل» ومن بعدها على جزئيات العمارة وزخرفتها، وكان العديد من الفنانين الشباب يتأثرون بأسلوبي ويتبعونه ولا يحيدون عنه حتى انتقالي إلى أسلوب جديد، والذي سرعان ما يتبنونه.

«في الانطباعية وجدت حرية أكبر في الرسم بعيدا عن دقة التفاصيل كما الصورة الفوتوغرافية، حيث استخدمت الألوان بحرية، مع وضوح ضربة الفرشاة وتجاهل بعض التفاصيل. تساعد الانطباعية بصورة عامة على إبراز شخصية وأسلوب الفنان من خلال أعماله وما ذكرته. وتمثلت خاتمة تلك المرحلة عندي بمجموعة لوحاتي عن «الأبواب».

الأبواب من 1990 إلى 2007

قال لدى سؤاله عن إصراره على رسم الأبواب لمرحلة من الزمن، «يدرك المتابع لأعمالي في تلك المرحلة أنها أبعد ما تكون عن التكرار، فكل عمل كان بمثابة دراسة وبحث لي في تقنية وخامة الباب الخشبي القديم. كانت البداية خلال مرحلة رسمي للسفن، حيث كنت أجمع بقايا قطع الخشب المترامية هنا وهناك في الورش حباً بمادة الخشب نفسها.

أذكر أني رسمت أول باب في أوائل التسعينيات وعدت فيه لأول مرة إلى الألوان الزيتية ولا زلت أحتفظ بهذه اللوحة التي لها قصة.

«كنت قد عرضت هذه اللوحة في أحد المعارض في أبوظبي، وحددوا قيمتها بمبلغ 15 ألف درهم، تردد أحد المشترين في اقتنائها وعدل عن قراره مما سبب لي الحزن، وعندما شاركت بها لاحقاً في معرض في كل من بولونيا وإيطاليا، اكتسبت ولأول مرة ثقتي بنفسي كفنان وبقدرتي على عرض أعمالي في أي من بلدان العالم، وذلك من خلال انبهار الجمهور بهذه اللوحة.

في إيطاليا حددت قيمة اللوحة بمبلغ 15 ألف دولار أميركي مما أذهلني، وللأسف تردد أحد المقتنين في شرائها وعدل هو الآخر عن قراره. إحساسي بالخيبة دفعني إلى اتخاذ قرار بعدم بيعها مهما كانت الأسباب وذلك من حسن حظي».

«كانت لوحة ضخمة بطول 5,2 متر وعرض 5,1 متر، ورسمتها على قطعتين من الورق المقوى، ونفذتها بالألوان المائية وبتفاصيل دقيقة لا حصر لها، وكانت أية غلطة خلال عملي كفيلة بتدمير العمل لتعاملي مع الألوان المائية. وقد واجهت صعوبات كبيرة لضخامة اللوحة. «استغرق عملي عليها مجازياً 32 سنة من الخبرة، وأشهر طويلة واقعياً. لا أستطيع تكرار هذا الجهد مرة أخرى فقد كان التحدي الأكبر لتلك المرحلة، وقد احتفظت بهذه اللوحة أسوة بالأولى».

مرحلة التجريد

ووصف تجربته الراهنة في الفن التجريدي:

اكتشفت في عالم التجريد، التحرر من قيود الألوان والتصور المسبق للوحة، والحرية الواسعة في التعبير عن مكنونات النفس، حيث تقودني الانفعالات الداخلية والظرف الإنساني لترجمة الحالة التي أعيشها، وفي ذلك راحة للنفس والفكر. الفن التجريدي كما أدركت بعد دخولي عوالمه، لا تحكمه أية نظرية فهو تجربة فردية واكتشاف دائم ومتجدد، سواء على صعيد اللون أو المساحة.

«حاولت في هذه المرحلة الخروج بهذا الفن عن المفهوم الغربي له، باستلهام عناصري من بيئتنا، والجمع بينه وبين تجربتي في الانطباعية. وهكذا زاوجت بينه وبين جزئيات العمارة والحروفيات، وركزت على جماليات حرف الواو عام 1992، ففي هذا الحرف امتداد والتفاف جميل وينتهي كما هو حد السيف، وهو مختلف عن بقية الحروف. كما ساعدني هذا الفن على رسم لوحات ضخمة بالألوان الزيتية والأكريليك».

المستقبل

قال عن مشاريعه المستقبلية: «سأشارك في معرض محلي فردي في دبي يحمل عنوان «استعادي»، والذي سيجمع عددا من أعمالي منذ البداية وحتى يومنا هذا. سيضم القسم الأول من المعرض لوحاتي الأولى والاسكتشات، أما القسم الثاني فيضم أعمالي الحديثة. ومن المتوقع أن يقام المعرض، في مركز دبي المالي العالمي برعاية هيئة دبي للثقافة والفنون، كما تلقيت عدداً من الدعوات من متاحف في كل من كوبا والبرازيل والدومينيكان وروسيا».

الفن في الإمارات

فيما يتعلق بتقييمه لحركة الفن التشكيلي الإمارات قال، «عاشت المنطقة نهضة كبيرة في الفن منذ عام 2005، ومن العوامل التي ساهمت في تلك النهضة، اهتمام المسؤولين بدعم ورعاية مشاريع الفن على مختلف الأصعدة، خاصة مع توفر البنية التحتية. كما ساهم في هذا الازدهار أيضا، التنافس الإيجابي القائم بين المؤسسات الحكومية التي تعنى بالثقافة والفن، والذي سيشكل عاملا في دفع الحركة الفنية للارتقاء نحو العالمية». ولدى سؤاله عن انعكاس هذا الاهتمام على الفنانين في المنطقة، ابتسم وقال: «على صعيدي الشخصي شعرت ببعض القيود، حيث أدى هذا الاهتمام الإيجابي إلى الحفاظ على تجربتي وأعمالي ومكانتي كفنان إماراتي.

فباتت مشاركاتي على صعيد المتاحف والمعارض العالمية بعيدا عن قطاع الغاليريات. أما على صعيد زملائي الفنانين، يكفي القول إن أسعار لوحاتهم تباع بقيمة هي أضعاف أسعار الفنانين في المناطق المجاورة».

وأنهى كلامه في هذا الجانب قائلاً: «آمل أن نستمر بذات الوتيرة الحالية؛ إذ لا أستبعد أن تصبح الإمارات قريبا أحد أهم مراكز الفن في العالم».

آخر الكلام

قال الريس في ختام اللقاء: «أود أن يدرك الجيل الجديد من الفنانين الشباب خاصة من طلبة الجامعات، أن عهد حركة أو مغامرة الفن التركيبي الحداثوي قد انتهى في العالم، وقد عاد معظم القائمين على هذا الفن إلى الريشة والألوان واللون. لا يبقى للفن التركيبي بعد عرضه من أثر أو قيمة، فهو هدر للجهد والمال وهدم للذوق الفني عند الجمهور.

وتابع: «يتطلب الفن من الفنان الجدية والمثابرة والتركيز، بعيدا عن الحياة الفوضوية التي تستهلك طاقة إبداعه ونتاجه، والتاريخ شاهد على ذلك، فالكثير من الفنانين المبدعين دمروا حياتهم وذاتهم في باكورة رحلتهم مع الفن».

الريس في سطور

ــ ولد عبد القادر الريس في دبي عام 1951

ــ تعلم قواعد الفن والواقعي والكلاسيكي من صور أعمال رواد الفن

ــ انتقل إلى الفن الانطباعي عام 1965

ــ درس الشريعة والقانون في جامعة الإمارات

ــ تبلورت شخصيته الفنية وأصبح له أسلوبه منذ عام 1969م

ــ عضو في جمعية الإمارات للفنون التشكيلية،

ــ حصل على العديد من الجوائز وشهادات التقديرية

ــ اقتنيت أعماله من قبل المتاحف الخارجية والمحلية وبعض المؤسسات ومحبي الفن

ــ أقام أول معرض فردي له عام 1974 في دبي

ــ بيع عدد من لوحاته في مزادات كريستيز وغيرها بأعلى الأسعار

الأبواب

«دخلت من خلال مرحلة «الأبواب»، إلى عالم الخشب القديم وما يحمله من تاريخ وما يخفيه الزمن خلفه من أسرار وحكايا، لعوالم أناس عاشوا خلفه عبر أجيال وأجيال. ومع كل لوحة، كنت أبحث عن تقنية وأسلوب جديد في التعامل مع الخامة. أما خاتمة تلك المرحلة فكانت عبارة عن لوحة وضعت فيها زخم تجربتي وعطائي كفنان على مختلف الصعد.

لوحته الجديدة

يصور الريس في لوحته التي يعمل عليها حالياً وهي من قطعتين ضخمتين تقاربان معاً مساحة جدار، مكنونات النفس الداخلية من العالم الخارجي في مساحات الكثبان الصفر، إلى الصخب الداخلي الذي يجمع بين السكينة البيضاء وتضارب المشاعر بين ألوان عاصفة أو صارخة بحدتها وحيويتها، وغضبها وتألقها.

ثقافة العين

«بعد دخولي واطلاعي على الكتب المصورة لأعمال رواد الفن في العالم، خاصة الفن الكلاسيكي وعصر النهضة، أصبح حالي كما يقول الشاعر المتنبي «وتكبر في عين الصغير صغيرها... وتصغر في عين العظيم العظائم». ذلك ما ندعوه بثقافة العين».

لوحات حول العالم

ــ المجمع الثقافي

ــ متحف الفن الحديث (نيودلهي)

ــ متحف الشارقة للفنون

ــ متحف الدوحة للفنون

ــ متحف عمان للفنون، مؤسسات حكومية وعامة.

ــ متحف الفن المعاصر الكويت

ــ متاحف في بريطانيا

ــ متحف شنغهاي للفن المعاصر

ــ الشيوخ وكبار الشخصيات داخل وخارج الدولة

ــ مطار الأميري ـ أبوظبي، 15 ــ جدارية في قاعة راشد مطار دبي، قاعة كبار الشخصيات مطار دبي

المعارض الجماعية

ــ معرض الربيع الأول بدولة الكويت 1965-1967.

ــ معرض متنقل للفنون التشكيلية ـ لندن ـ مدريد ـ جنيف ـ فيينا عام 1968.

ــ معرض الجمعية الكويتية للفنون التشكيلية 1968 ـ 1973.

ــ معرض أثينا 1970، معرض سيدني الدولي 1971.

ــ معرض الشباب الأول للفنون التشكيلية، دبي 1975.

ــ معرض مهرجان الشباب العربي طرابلس، ليبيا، 1975.

ــ معرض الفنانون العرب، الكويت 1989، 87،

رشا المالح

Email