ثقافة الترفيه في المجتمعات العربية

ثقافة الترفيه في المجتمعات العربية

  • الصورة :
  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

ثمة فرق بين التعليم والثقافة، فإذا كانت الأخيرة هي مقدار حاصل جمعي لإرث حضاري ومدني، فإن التعليم هو قرار فردي بالنتيجة؛ وحاصل هذا القرار هو التخلف والجهل بشقه الانفرادي الذي لا ينبغي تعميمه على المجتمعات ذات الناصية الثقافية الواسعة. وبين الاثنين توطين لعادات وتقاليد وموروثات اجتماعية، تختلف من بيئة إلى أخرى ومن مجتمع إلى آخر

وارد بدر السالم

يعرض البعض من المشتغلين بالحقول الجمالية إلى التربية والتعليم كونهما لا يشتركان مع البيئة الثقافية ذات البُعد الحضاري، بوصفهما ناتجاً عرضياً من نواتج الضرورة اليومية للمجتمعات السائرة في ركاب الثقافة العامة، غير أن البعض يرى أن الثقافة هي التعليم والتربية الاجتماعية والذاكرة والإرث التاريخي والفهم الأولي لمتطلبات الحياة بتفريعاتها الكثيرة، فكل شيء يقع في باب الثقافة، وليست الثقافة الصرف هي المعيار الأخير للأمم والشعوب. فالزراعة ثقافة والعلم ثقافة والصحة ثقافة والفلك ثقافة والرياضة ثقافة والأخلاق ثقافة أيضاً!

بين هذا وذاك نجد أنفسنا في تقييمين يفترقان في مجساتهما العميقة لمفهوم الثقافة، لكن يمكن أن نتفق مع الرأي السائد في هذه المفهومية ودلالاتها المتعددة، عندما يرى أن الثقافة هي أسلوب الحياة وطريقته في التعامل معها والتفكير بمتطلباتها والانسياق العلمي والعملي وراء متغيراتها، كونها نظاماً اجتماعياً محتشداً بالعادات والتقاليد والتربية والتعليم والضوابط الأخلاقية والنظام اليومي القائم على سلوكيات اجتماعية محددة بقوانين وضعية مختلفة، فيها الآداب والفنون والمقدسات والقيم والعقائد والتراث المحلي والبناء العمراني.

لذلك فإن الثقافة بحيزها الأكاديمي لا تخرج كثيراً عن هذه التوصيفات ونُظُمها وقوانينها، بل تعمقها وتزيد من ثرائها بآلياتها المعرفية والجمالية. والثقافة حالة مركبة تشتمل على التقاليد والآداب والفنون والتراث المحلي والمقدسات والديانات واللغة والسلوكيات وغيرها.

ثقافة الذات في ميدان الحياة

ثقافة الترفيه لا تخرج عن هذه الأنطقة المتداخلة من التفسيرات؛ فهي ثقافة مندمجة مع بعضها، تُعنى بالجماعة أكثر من عنايتها بالفرد. لكنها تنطلق من ذائقة الفرد ووعيه وانسجامه مع روح الجماعة في مكانٍ ما وزمن ما وحالةٍ ما.

أي أن ثقافته الفردية وسلوكه الاجتماعي هي المحددات الأولى للاندماج في هكذا ثقافة عامة مشاعة للجميع. ولا تقتصر ثقافة الترفيه على أمة أو جماعة أو منطقة أو شعب بعينه؛ فالجميع في هذا العصر المخيف بآلياته العلمية والتكنولوجية يبحثون عن ثقافة الترفيه، هرباً من يوميات الآلة وضغط الحياة ومتطلبات الأسرة، فالإنسان يحتاج في أوقات كثيرة أن يتأمل ذاته ويرى المحيط من حوله بعين أخرى هي عينُ الترفيه الذي يحمل في ثناياه ثقافة الحياة الجديدة بمعانيها العريضة.

ولهذا صار هذا النوع من الثقافة في موقع الرصد الإعلامي والنفسي والرسمي أيضاً؛ إذ تعددت منافذه وتوالت المشروعات التجارية والاقتصادية لترسيخ هذا اللون من الحياة العامة. وباتت الحكومات تصرف الملايين من الدولارات في سبيل تثبيت هذه القناعة الاجتماعية بين الشعوب؛ في جانب منها إرضاء الأفراد وتسويغ تقبل متطلباتهم المختلفة.

لكن في جانب آخر يكاد يكون غير ظاهر هو البذخ غير المعقول في إنشاء مؤسسات ترفيه خرجت عن فائدتها الاجتماعية ودخلت في تقسيم آخر من تقاسيم التجارة الربحية التي ترعاها الدول والمؤسسات والشركات، تحت ذريعة إشاعة ثقافة الترفيه في صفوف المجتمع.

وطبقاً لرصد ميداني في أكثر من عاصمة عربية وآسيوية وأوروبية يمكن لنا أن نؤشر إلى العديد من منافذ ثقافة الترفيه المنتشرة، كما يمكن تحديد النوع الترفيهي الشائع هنا وهناك، فالعالم وإن أصبح قرية صغيرة بتعبير تكنولوجيا الاتصالات الحديثة، لكنه يبقى عالماً شاسعاً.

له فرادته في تصريف شؤونه وابتداع ثقافاته وتزجية أوقاته وتصريف أعماله وشؤونه اليومية بالطرق التي يرتأيها، دون اللجوء إلى ما هو خارجي، بغض النظر عن هذا الخارجي الذي يدخل عنوة، كوسائل الإعلام المرئية والمسموعة على سبيل المثال. وهذا ما أنتج ثقافات مختلفة بشقيها الإيجابي والسلبي.

تاريخ الشعوب.. تاريخ الرقص والغناء

تاريخياً مارست الشعوب طقوساً كثيرة من الترفيه والتسلية وإشاعة ثقافاتها المجتمعية لأغراض شتى ليس أقلها الخروج من مألوفية التوتر اليومي والعمل المستمر، ففي مصر القديمة لعب الرقص دوراً واضحاً في إشاعة ثقافة لها سمات طقوسية واجتماعية ودينية في مناسبات محددة.

فهناك الرقص الجنائزي والديني والإيقاعي والحركي والتمثيلي والحربي، باستخدام الصنوج والمزامير والجنوك، وما يصاحبها من تفنن في إضفاء أجواء معينة على الواقع الترفيهي أو الطقسي المراد تعميمه؛ وكل نوع من الرقص هو تجسيد لمظاهر اجتماعية ودينية معينة، فالرقص الديني يحاكي الطبيعة والحيوانات ويسترضيها.

والرقص التمثيلي يقترب من حوادث التاريخ ويحاول تجسيدها والرقص الحربي هو استعادة أدوار حربية مرت بها الدول وانتصرت فيها. وهناك الرقص الاعتيادي للسمر واللهو؛ كما كان المصريون القدامى يميلون إلى الرياضة كوسيلة من وسائل الترفيه كالمصارعة والرماية والكرة، وفي أوروبا في عصرها الوسيط شاعت ثقافة الموسيقى التي احتكرتها الأديرة في فرنسا وألمانيا وايطاليا فانتشرت الأناشيد الكنسية الجريجوريانية وهي حصيلة التراثين اللاتيني والشرقي.

وظل الرهبان يحتكرون هذا النوع من الترفيه لخمسة قرون وأنشأوا فناً عظيماً، حتى ظهور المذهب القوطي والموسيقى البوليفونية بألحانها المتعددة، وكان منبعها الكنيسة الكاثوليكية والقوى الروحية التي كانت قائمة في الفترة ما بين 1100 و1400. ورغم شيوع منافذ ترفيه أخرى إلا أن الموسيقى ظلت هي المهيمنة على ذائقة الجميع لفترات طويلة حتى عام 1200.

حيث ظهرت أغاني «التروبادور» للمطربين الشعبيين تدور معانيها الشاعرية حول الغزل وحب الفارس الشاب، وهكذا ظهرت المرأة في الأغاني والموسيقى لأول مرة منذ العصور القديمة.

ويقال إن هؤلاء من تلاميذ مدرسة زرياب التي تأسست مع الحكم العربي الأندلسي، والتي تعلم فيها الموسيقى والغناء الطلبة من جميع أنحاء أوروبا ومن مختلف طبقات مجتمعاتها بعيدين عن احتكار الدين لهذا الفن. على أن بذور فن الأوبرا أطلت في تلك الفترات بأغاني المارديجال الجماعية وتنوع آلاته الوترية والخشبية وانتقل المادريجال من إيطاليا إلى فرنسا وهولندا ثم إنجلترا.

وفي كل بلد كان الفنانون يضيفون ويجددون في هذا الفن المسرحي الذي طغى على الغناء الديني إلى حد جعل البابا يوحنا الثاني والعشرين سنة 1324 يصدر قرارًا بمنع الغناء البوليفوني في الكنيسة لما فيه من تركيبات صعبة وأساليب مصطنعة نفر الناس منها وبالتالي بعدوا عن الكنيسة.

ولم ينقذ الغناء الديني من تدهوره إلا ظهور المدرسة الفلمنكية التي ظهرت في الشمال، والتي كانت تتميز موسيقاها بالبساطة الشديدة في الكتابة البوليفونية وتفوق التآلفات الصوتية على التنافرات والتعقيدات في أسلوب الموتيت الفرنسي العتيق.

ولما ذاع صيت الموسيقى الفلمنكية في جميع أنحاء أوروبا في القرن الخامس عشر اتجهت الكنيسة للحصول على موسيقيين ومؤلفين مهرة يستطيعون تجديد ثوب الغناء الديني. وفي غربلة التراث العالمي الشعبي والأكاديمي نجد أن الصوت كان بداية هذه الثقافات ومن ثم حركات الجسد التي جاءت بها الآلة الموسيقية.

وسنجد مثلا أن الشعوب الأفريقية وعلى مدار تواريخها المتعاقبة انسجمت مع هذا اللون من الثقافة وأشاعته في غاباتها وقراها، وكذلك الإنسان القديم كان هو الآخر قريباً من هذا التوصيف، وقد ترك لنا آثاراً صورية ورسومات بدائية تعبّر عن حاجته إلى ثقافة الترفيه في الرقص والغناء والطرب. وحتى لو دخلنا في تفصيلات العصور الإسلامية نجد أن مثل هذه الثقافات كانت شائعة بين الملوك والأمراء وعامة الناس والمثال الأقرب هو العصر العباسي الكبير الذي ملأ الآفاق الإنسانية بشتى المعارف واحتكر ثقافة الترفيه على نحو يدعو إلى التأمل. ونخلص من كل هذا إلى أن فن الترفيه وثقافته بدأت مع الغناء والرقص منذ أقدم العصور وحتى اليوم!

الثقافة والترفيه وما بينهما

الثقافة اكتساب، بينما الترفيه صناعة! ومن هذه الصناعة تولدت ثقافات مختلفة المناشئ. أي أن الترفيه كناتج استطاع عبر تطور الحياة الاقتصادية والصناعية أن يكون ثقافة.

كما نرى في المجتمعات المتطورة، بل حتى غير المتطورة منها. لذا نلمس بشكل يومي أن الدول ذات التنمية الاقتصادية أقبلت على هذه الصناعة وعدّتها جزءاً من برامجها، تحت يافطة الترفيه، كالمجتمعات الخليجية المرفهة، والمجتمعات السياحية الأوروبية والعربية على حد سواء. وهنا علينا أن نقدم الصورة الشكلية لهذه الثقافة الرائجة. إذ نستطيع أن نقارب بينها، لأن الهدف واحد في الترويج الإعلاني والإعلامي.

ومن الصورة يمكن أن نشتق مفردات كثيرة ونحاكيها بأمثلة واقعية، فثقافة الترفيه تشتمل على «صناعة» المراقص والديسكوات والفنادق السياحية ذات النجوم المتلألئة والمقاهي والسينمات والحدائق والرياضة والإذاعة والفضائيات الراقصة والسياحة بشقيها الداخلي والخارجي والموسيقى والمسرح والطعام والكوفي شوب والأعراس والحفلات ومدن الملاهي والألعاب وأماكن الإنترنيت والمكتبات والقراءة والحمّامات العامة ومراكز التسوق والصيد والآثار..

هذا وغيره يدخل في باب ثقافة الترفيه التي صارت جزءاً من يوميات المواطن العربي والعالمي في كل مكان.

الغرب سبقنا لإنشاء هذه الميادين الترفيهية تحت ذريعة القضاء على الفراغ وتنمية الجوانب النفسية لدى أفراده؛ ولأن الغرب مجتمعات متفتحة على العلاقات الاجتماعية وقد قطع شوطاً لا يُستهان به في هذا المجال، فكان من الطبيعي أن تكون المراقص والملاهي الليلية جزءاً من اهتماماته اليومية، بذريعة الغناء والرقص وهما من موروثات المراحل السابقة عندما كان الفن في بداياته وتشكلاته الروحية والنفسية، غير أن العصور الحديثة طورت من هذا الاهتمام إلى ما هو أكثر انفتاحاً، خروجاً عن البابوية والكنسية والطقسية الدينية.

فكانت ثقافة الديسكو ثقافة الحياة بمتسعاتها المعروفة. هذا الأمر كانت له جوانب صادمة أيضاً في حياتنا العربية، عندما تم تمثل هذا الانفتاح، خروجاً عن القيم الطقسية والدينية، باعتبار أن الحياة العربية بعد سقوط الدولة العباسية واختلاط الأجناس وما تركته الفتوحات من بصمات مختلفة وما استحدثته من قيم خارجية، صار له الأثر الواضح في الحياة العربية. فكان نسيجاً متصلاً انسحب من الماضي إلى الحاضر .

وجاء إلى المستقبل.فالغناء خرج من مسرحه إلى ما هو أعم وأشمل، ليفسر حياة البذخ والانفتاح على المجتمع، وتحولت فنية الغناء إلى طرب قد يكون مجانياً يهدف إلى التسلية أو إثارة الشهوات في تحول من البراءة إلى غيرها.وسنكون مجانبين إلى الحقيقة لو قلنا غير ذلك في العصر الحديث الذي تمادى في «ترفيه» الثقافة وتغيير مساراتها إلى غير ما هي عليه.

ولو أحصينا ديسكوات الوطن العربي وملاهيه ومنافذ متعته لوصلنا إلى أرقام كبيرة قد لا تصدق!

الفضائيات العارية والإنترنت الذكي

فالفضائيات التي انتشرت بشكل مذهل منذ الثمانينات وجدت أرضاً خصبة لثقافة الترفيه المجانية، وبدل أن تكون عامل ثقافة مساعداً لتنشئة أجيال معرفية متميزة، صار معظمها أداة مضادة لفكرة التثقيف، فالأغاني العارية الهابطة إنتاجاً وفناً ولغةً هيمنت على ذائقة شرائح واسعة من الشباب العربي، لما فيها من محفزات جنسية وغريزية تجد مساحاتها في هذه الشرائح التي يحاصرها المكبوت الاجتماعي بعناوينه المختلفة.

وتطورت وسائل الترفيه فيها بهدف خلق صلات يومية مع مجموعات الشباب على وجه الخصوص لاسيما بإيجاد الدردشة الكتابية التي تستنزف الوقت والمال معاً، وبإيهام الآخرين لعقد صلات غرامية بين الجنسين، وثبت أن هذه الطريقة الترفيهية هي امتصاص لطاقات الشباب وهيمنة سلطات فضائية لزرع الأوهام في نفوس الكثيرين الذين يبحثون عن منافذ المتعة وأبوابها الشائكة.

وحكايات الإنترنت كثيرة هي الأخرى إذا أخذنا الأمر من هذه الزاوية، لكنها، مع المحاذير المقبولة، تعد ثقافة يومية لا غنى للجميع عنها، خرجت من النطاق الترفيهي إلى ثقافة الحياة برمتها، لما لهذه الشبكة من قدرة عجيبة على توفير المعلومات والتعامل الجدي معها.

فالشبكة العنكبوتية انتصار العصر بلا شك وهي ثقافة شاملة تتوفر على المفيد والرائع لجميع الشرائح ولا تقتصر على مجتمع أو وطن أو جهة ما، لذلك نرى أن فضائل الإنترنت أكثر من مساوئه، وهو بحق لغة العصر وثقافته العملية والترفيهية في آن واحد. وما انتشار مقاهي الإنترنت في كل مكان إلا دليل على حضوره المُلح في الحياة اليومية، فغريزة المعرفة أزلية لدى كل إنسان وأينما كان.

السياحة الداخلية والمقاهي العربية

فيما يبدو «الكتاب» رفيق المسافرين الغربيين برحلاتهم الطويلة والقصيرة، لا نجد مثل هذا التشخيص في سياحتنا العربية؛ وعندما تكون الوجبات الخفيفة هي ما يبتاعه المسافر الغربي، فإن الأكل الدسم هو من صفات العربي، وعندما تكون لدى الآخر مقاهي الكوفي شوب للراحة واحتساء القهوة وقراءة الصحيفة اليومية، تكون عند العربي والخليجي منه مكافأة لأبنائه الناجحين!

فثقافة الكوفي شوب إحدى المهيمنات الخليجية على الحياة العامة، بسبب الممنوعات الكثيرة في حداثة الانبهار العمراني والمعرفي الذي اكتسح الحياة بشكل واضح.

تضاف إليها ثقافة الحس الديني الذي يحدد شكل العلاقة بين الأنا والآخر، وحينما تكون مقاهي الكوفي شوب متكررة في استيعاب الأسر العربية، تكون فنادق النجوم الخمس بديلاً لها، ففيها ثقافات ترفيهية متعددة، من صالات البليارد إلى المسابح الشفافة، إلى الديسكوات، إلى مظاهر التحضر الإيقونية الإبهارية الأخرى.

وللمقاهي العربية نكهاتها الأثيرة في العراق ومصر والمغرب وسوريا ولبنان وبقية الدول العربية.إنها شيء تفتقده الكثير من الشعوب، فالمقهى غريزة إنسانية توفرت على ممكنات ثقافية وأدبية ومعرفية كبيرة، والمقاهي الأدبية في البلاد العربية والغربية كانت وليدة حركات سياسية في نشأتها واستطاعت عبر تواريخها أن تبث تقاليد مدنية متحضرة، وتكون بذرة انطلاقات جمالية وسياسية، لذا فالمقاهي وإن بدت أماكن ترفيهية خالصة إلا أنها تمكنت من أن تكون أماكن بديلة عن مؤسسات واتحادات مهنية.

لكن بسبب الخلل السكاني في دول الخليج العربي وطغيان أعداد الوافدين على السكان الأصليين لم تنشأ مثل هذه المقاهي، بل حل الطابع الغربي محلها بالكوفي شوب ومفرداته الكثيرة التي بقيت إلى الآن أماكن عابرة في الذاكرة كلقاءات الأصدقاء ومواعيدهم وقراءة الصحف وتزجية الوقت أو هروباً من الجو الساخن كما هو معروف.. وما إلى ذلك.

صناعة الترفيه

ثقافة الترفيه تشتمل على «صناعة» المراقص والديسكوات والفنادق السياحية ذات النجوم المتلألئة والمقاهي والسينمات والحدائق والرياضة والإذاعة والفضائيات الراقصة والسياحة بشقيها الداخلي والخارجي والموسيقى والمسرح والطعام والكوفي شوب والأعراس والحفلات ومدن الملاهي والألعاب وأماكن الإنترنت والمكتبات والقراءة والحمّامات العامة ومراكز التسوق والصيد والآثار.

حجم الترفيه في البلاد العربية

تشغّل الولايات المتحدة بمفردها أكثر من 3 ملايين شخص في صناعة الترفيه والتسلية، كما تنفق 60 مليار دولار على هذه الصناعة.

أمّا عربياً، فيقدر حجم سوق الترفيه والتسلية بما يقارب 10 مليارات دولار سنوياً، وهو رقم مرشح للتصاعد بحسب تقرير نشرته «برايسوتر هاوس كوبرز إل إل بي» لعام 2006. وفي تحليل لنفس المصدر شمل كلا من الشرق الأوسط وأوروبا وافريقيا، جاءت التوقعات بأن يصل حجم العوائد السنوية من الترفيه والتسلية بحلول عام 2009 إلى 2,4 مليارات يورو.

ثقافة الترفيه في مصر قديماً

في مصر القديمة لعب الرقص دوراً واضحاً في إشاعة ثقافة لها سمات طقوسية واجتماعية ودينية في مناسبات محددة؛ فهناك الرقص الجنائزي والديني والإيقاعي والحركي والتمثيلي والحربي، باستخدام الصنوج والمزامير والجنوك، وما يصاحبها من تفنن في إضفاء أجواء معينة على الواقع الترفيهي أو الطقسي المراد تعميمه.

الحدائق والطعام

بسبب الفضائيات التلفزيونية وشيوع مقاهي الإنترنت، انحسر دور السينما والمسرح إلى حد ما، كما انحسر دور المكتبات العامة كأماكن ثقافية توفر الفائدة والمتعة والترفيه، ولا نجد الدول العربية والخليجية تولي عناية كبيرة لمثل هذا في إنفاقاتها العامة.

كما توليه للمولات ومراكز التسوق وصالات الفنادق الليلية بطريقة مكشوفة على أساس أن النخبة من الناس هي التي تهتم بمثل هذه المراكز، وهذا يفسر عدم الاهتمام الجدي في إشاعة ثقافة حقيقية لها مواصفات الجدية الجلية؛ فثقافة الترفيه على مقايسات دولنا ربحية استهلاكية، غير معنية كثيراً تماماً بإشاعة ثقافة مجانية، كما يحصل في دول عريقة، عدّت الثقافة جزءاً من مكوناتها الإنسانية والحضارية.

شيوع الحدائق الفارهة بأشجارها وتنظيمها الهندسي، يخلق نوعاً من الألفة مع المكان ويوفر ثقافة ترفيهية غاية في الفائدة لو أخذنا الأمر من زاويته النفسية والجمالية .

أماكن الترفيه في دبي

توفرت دبي كمدينة عالمية على مواصفات ثقافية ترفيهية كثيرة. لتخلق جواً نفسياً غاية في الدقة والانتظام، مما يتيح لجميع القاطنين فيها من مواطنين ووافدين قضاء أوقاتٍ فيها من الفائدة والثقافة الترفيهية ما يحقق الهدف المطلوب لإيجاد سبل كثيرة من التلاقي والتلاقح الإنساني والمعرفي والثقافي.

ومن هذه الأماكن على سبيل المثال لا الحصر المولات الكبيرة ذات المواصفات العمرانية العالمية والتي تضم العديد من المقاهي والمكتبات وبضائع التسوق مختلفة المناشئ، وهناك المدينة الثلجية (سكاي دبي) في مول دبي التي خلقت مناخاً بارداً ومرتع اصطياف دائم يرتاده الجميع ومن الأعمار كلها.

وهناك المدينة العالمية التي تلتقي فيها الشعوب لتقدم ثراءها المعرفي والثقافي والتسويقي والاستهلاكي؛ كما أن مدينة جميرا وسوقها التراثي يعدان من أفضل الأماكن في دبي سياحياً وروحياً، نظراً لوقوعها على جزر مائية، محاطة بالفنادق العملاقة ذات الرصيد العالمي.

كما أن خور دبي وما يحيطه من أماكن تاريخية كالبستكية والشندغة يعد مكاناً مثالياً رائعاً للسياحة وقضاء الأوقات بشكلها الأليف بين الماء والمكان بروحه التراثية. هناك أيضاً متحف دبي الذي يحكي قصة تطور دبي منذ القديم.

وهناك المتنزهات الكثيرة على الشواطئ في جميرا والممزر وحدائق مشرف والصفا ونادي خور دبي لليخوت والغولف والسينمات والمكتبات، والفنادق العالمية كبرج العرب واتلانتس جزيرة النخلة والقصر.. وغيرها.

Email