مدخل في نظرية النقد الثقافي المقارن

مدخل في نظرية النقد الثقافي المقارن

ت + ت - الحجم الطبيعي

النقد الثقافي هو نشاط علمي وفكري متعدد المشارب، وليس مجالاً معرفياً قائماً بحدّ ذاته، ويشمل نظرية الأدب والجمال والنقد، فضلاً عن التفكير الفلسفي، وتحليل الوسائط والنقد الثقافي الشعبي.

يقدم الدكتور حفناوي بعلي في هذا الكتاب دراسة واسعة عن نظرية النقد الثقافي المقارن، منطلقاً من الأنساق الثقافية والاجتماعية بوصفها المدخل المناسب لدراسة البنية الفكرية والعلمية عند الشعوب، ويطبق الناقد الثقافي المفاهيم والنظريات المتنوعة في تراكيب وتباديل على الفنون الراقية والثقافة الشعبية، والحياة اليومية وعلى جملة من الموضوعات المرتبطة.

وعليه يمتلك النقد الثقافي مهمة متداخلة، مترابطة متجاوزة، متعددة، وينحدر نقاد الثقافة من مجالات مختلفة، ويستخدمون أفكارا ومفاهيم متنوعة، وبمقدورهم تفسير نظريات ومجالات علم العلامات، ونظرية التحليل النفسي، والنظرية الماركسية، والنظرية الاجتماعية والأنثروبولوجية.

وقد اهتمت الدراسات الثقافية والنقد الثقافي، بجملة من العناوين والقضايا البارزة، كثقافة العلوم التي تشمل التكنولوجيا والمجتمع، الرواية التكنولوجية والخيال العلمي، وثقافة الصورة والميديا، وصناعة الثقافة، والثقافة الجماهيرية، والأنثروبولوجية النقدية الرمزية المقارنة، والتاريخانية الجديدة، ودراسات سياسة العلوم، الدراسات الاجتماعية، الاستشراق، خطاب ما بعد الاستعمار، نظرية التعددية الثقافية، والدراسات النسوية والجنسوية، والنقد الإيكولوجي/ ثقافة البيئة، وثقافة العولمة.

وتهدف الدراسات الثقافية، وبالتالي النقد الثقافي، إلى تناول موضوعات تتعلق بالممارسات الثقافية وعلاقتها بالسلطة، وتهدف من ذلك إلى اختبار مدى تأثير تلك العلاقات على شكل الممارسات الثقافية.

كما أنها ليست مجرد دراسة للثقافة، إذ إن الهدف الرئيسي لها هو فهم الثقافة بجميع أشكالها المركبة والمعقدة، وتحليل السياق الاجتماعي والسياسي، في إطار ما هو جلي في حد ذاته.

ذلك أن الدراسات الثقافية ليست نظاماً، وإنما هي مصطلح تجميعي لمحاولات عقلية مستمرة ومختلفة، تنصب على مسائل عديدة، وتتألف من أوضاع سياسية وأطر نظرية مختلفة ومتعددة.

ويعتبر المؤلف أنه في الفعل النقدي الذي يتخذ النقد الثقافي هماً أساسياً له، يصبح الشرط النقدي من جهة، والشرط الثقافي من جهة أخرى، عنصرين مكونين للمادة وللأداة.

وبواسطة المجاز الكلي والتورية الثقافية، والوظيفة النسقية مع الجملة الثقافية، كلها مفهومات ستفتح لنا مجالات لرؤية ما، كانت ستتيسر لولا هذه المنطلقات المنهجية. وبواسطة هذا الانضباط سنرى أن في كل ما نقرأ وما ننتج وما نستهلك نجد أن هناك مؤلفين اثنين، أحدهما المؤلف المعهود، والآخر هو الثقافة ذاتها، أو ما يمكن تسميته هنا بالمؤلف المضمر، وهو نوع من المؤلف النسقي.

هذا المؤلف المضمر هو الثقافة، بمعنى أن المؤلف المعهود هو ناتج ثقافي مصبوغ بصبغة الثقافة، أولاً، ثم إن خطابه يقول من داخله أشياء ليست في وعي المؤلف.

وقد تبنت الدراسات الثقافية دور مساءلة العلوم المنتمية إلى الحقل الاجتماعي وعلوم الإنسان، واستجوبت ممارسات النقد الأدبي التقليدية وممارسات النظرية الجمالية، ولعبت فيها دوراً حاسماً، وهذا ما يجعلها إفرازاً للنظرية البنيوية وما بعدها، وتجسيداً لما يمكن أن تفضي إليه ما بعد البنيوية من دور في الحياة العامة، وهو دور أحجمت عنه ما بعد البنيوية في صورتها التقويضية لأسباب منهجية تتعارض جذرياً مع طرحها، لكن الدراسات الثقافية تبنته واعتبرته وازع قوتها ودافع نشاطها. لقد كشف النقد الثقافي زيف الكثير من الفرضيات المسبقة وهشاشة أسسها، ومسلماتها غير المنقودة، فأصبحنا أشد وعياً بدور الثقافة.

ويؤكد المؤلف بأن الدراسات الثقافية كسرت مركزية النص، ولم تعد تنظر إليه بما أنه نص، ولا إلى الأثر الاجتماعي الذي قد يظن أنه من إنتاج النص. لقد صارت تأخذ النص من حيث ما يتحقق فيه وما يتكشف عنه من أنظمة ثقافية؛ فالنص هنا وسيلة وأداة، وحسب مفهوم الدراسات الثقافية ليس النص سوى مادة خام يستخدم لاستكشاف أنماط معينة من مثل الأنظمة السردية، والإشكاليات الإيديولوجية وأنساق التمثيل، وكل ما يمكن تجريده من النص. لكن النص ليس هو الغاية القصوى للدراسات الثقافية، وإنما غايتها المبدئية هي الأنظمة الذاتية في فعلها الاجتماعي في أي تموضع كان، بما في ذلك تموضعها النصوصي.

وباتت الدراسات الثقافية تركز على أهمية الثقافة، تأتي من حقيقة أن الثقافة تعين على تشكيل وتنميط التاريخ. وأفضل ما تفعله الدراسات الثقافية، هو في وقوفها على عمليات إنتاج الثقافة وتوزيعها واستهلاكها، وهذه بما أنها تمثل الإنتاج في حال حدوثه الفعلي، فإنها تقرر أسئلة الدلالة والإمتاع والتأثيرات الإيديولوجية، وهكذا فالدراسات الثقافية توسع المجال ليشمل العرق والجنس والجنوسة والدلالة والإمتاع. هذا التداخل في الفعل الثقافي من حيث كون الثقافة تعبيراً عن الناس، وفي الوقت ذاته هي أداة للهيمنة، هو تداخل أساسي له قيمة مركزة في الدراسات الثقافية.

الكتاب: مدخل في نظرية النقد الثقافي المقارن

تأليف: د. حفناوي بعلي

الناشر: الدار العربية للعلوم ومنشورات الاختلاف بيروت ، الجزائر 2008

الصفحات: 384 صفحة

القطع: الكبير

عمر كوش

Email