إيلوار: ثلاث نساء.. وحب واحد

إيلوار: ثلاث نساء.. وحب واحد

ت + ت - الحجم الطبيعي

يشكل بول إيلوار إلى جانب لوي أراغون وأندريه برايتون أهم الشعراء الغنائيين في القرن العشرين. عُرف عن بول ايلوار شأن جميع السرياليين أن الحب لازمة للكينونة، لأنه يستفز ويثير شهوة كتابة الشعر.

لذلك كان بول ايلوار يضاعف من ربة الفن كما في الأساطير الإغريقية لأنها الباعث الأول والأخير للحب، قصيدته الشهيرة «أحبّك» مستلة من ديوانه «طائر الفينيق» 1950: هل كتبها لآخر امرأة أحبها أم لكل النساء؟ لنقرأها أولاً:

أحبّك

لأجل كل النساء اللواتي لم أعرفهن أحبك

لأجل كل الأزمنة التي لم أعشها أحبك

لأجل رائحة البحر الواسع ومذاق الخبز الساخن

لأجل الثلج الذي يذوب لأجل الزهور الأولى

لأجل الحيوانات الطاهرة التي لا يفزعها الإنسان

أحبك لأجل الحب

لأجل كل النساء اللواتي لم أحبهن قط أحبك

من يجسدني..إن لم تكوني أنت لا أرى نفسي إلا قليلا

بدونك لا أرى شيئا في امتداد الصحراء المقفرة

مابين الأمس واليوم

حيث كل الموتى الذين تخطيتهم يرقدون فوق التبن

لم أقو على ثقب جدار مرآتي

يتحتم عليّ حفظ مفردات الحياة كلمة إثر كلمة

مثلما يلفنا النسيان

لأجل حكمتك التي لا أتحلى بها أحبك

لأجل الصحة

ضد كل ما هو وهم أحبك

لأجل هذا القلب الخالد الذي لا أملكه

تخالين أنك الشك وأنت لست سوى اليقين

أنت الشمس الكبيرة التي تشرق في الرأس

حين أكون واثقاً من نفسي.

ليست دومنيك من كتب الشاعر بول إيلوار هذه القصيدة هي وراء كتابته لأجمل قصائد الحب وإنما امرأة اسمها غالا، وحبها الذي انتهى جسدياً، استمر في الخيال والذاكرة والوجدان وكما كان عمر بن أبي ربيعة يلاحق هند وهي تصّد عنه مثلما كان جميل بثينة يلاحق بثينة وهي تفعل كما تفعل هند، كان شغف الحب يزداد ولهيب القصائد تشتعل. وهكذا بالنسبة لإيلوار.وفي لحظات الفراق والغياب، يكتب الشاعر:

« إن الحب يشبه الجوع والظمأ

لكنه لا يعرف الشبع أبداً».

ما الذي تبقى من ذاك الحب الكبير لغالا؟

قصائد خالدة غناها كبار المطربين في العالم وبصمات هنا وهناك على جميع دواوينه مثل ديوانه «عاصمة الألم» في عام 1923:

«إنها منتصبة في أجفاني،

وشعرها في شعري

لها شكل يدي، لها لون عيني،

إنها تغرق في ظلي كحجر من السماء

إنها دوما مفتوحة العينين ولا تدعني أنام

أحلامها في سطع النهار،

تجعل الشموس تتبخر

تجعلني أضحك، أبكي وأضحك،

أتكلم وما عندي ما أقول».

كان قدره أن يدخل في منافسة مع سلفادور دالي على حبيبة واحدة -شهيرة- هي (غالا)... فقد نشرت دار غاليمار الفرنسية مؤخراً رسائل متبادلة بين كل من بول إيلوار وغالا زوجته السابقة وحبيبته الأزلية وزوجة صديقه سلفادور دالي...

تلك المرأة التي سيطرت على أهم كتاب وفناني الحركة السريالية منهم: أندريه بروتون، ماكس أرنست، وطلقت من إيلوار لتقترن بدالي حتى نهاية عمرها، تم اكتشاف تفاصيل الحب بينه وبين وغالا باكتشاف رسائل إيلوار إليها بعد وفاتها 1982 وكانت خبأتها ثلاثين عاماً منذ وفاته عام 1952 ابنتهما سيسيل.

غالا تركته ووقعت في حب الرسام دالي، ونوش تموت بصورة مبكرة.

هل كانت غالا امرأة لعوباً؟

وقد تعرف على امرأة اسمها دومنيك 19 عاماً بعد مرور ثلاثة أعوام على رحيل نوش وتزوجها. كتب عن دومنيك التي عاش معها طيلة 17 عاماً ديوانه «طائر الفينيق» التي تتضمن قصيدته «أحبّك».

واستخدم فيها كلمات بسيطة مثل «أحبّك».. هكذا تبدأ القصيدة. ويريد أن يبرهن من خلال ذلك أنه لا يزال يحب كلاً من غالا ونوش، إن مغادرة غالا ورحيل نوش من أكبر لحظات العزلة في حياة الشاعر حيث لم يجد بعدهما أي سبب لمواصلة الحياة.

وهنا تتحول الكلمات بالنسبة للشاعر إلى سبب لوجوده. ومن خلال العيش مع الآخر يجد طعم الحياة ويتذوقها: الروائح والرحلات والبحر والزهور والخبز الساخن والثلوج. لقد تصور عبثاً أن حب دومنيك سيمحي حبه الكبير لكل من غالا ونوش ولكن جذوة هذا الحب لم تطفئها السنون خاصة وأن دومنيك كانت تشكك بحبها لأنه كان في عمر والدها بينما هو وجد القوة والإغراء فيها والبحث عن الصدى السّري لحبه الأول. ولم يتبق من غالا سوى قصائده وابنة فريدة اسمها سيسيل، هي التي حافظت على رسائل والدها مع أمها التي لولاها لكان مصيرها الضياع. لقد عاشا حياة فريدة في حبهما وفراقهما.

قصيدة «أحبّك» تشبه سيرة ذاتية للشاعر من خلال سرد تجاربه المتعددة في حب النسا، لذا نراها مليئة بالعاطفة والإخلاص على عكس قصائده الأولى التي يظهر فيها كبرياءه وعظمته ونرجسيته. وإذا كان إيلوار عاش ثنائية الحب والسياسية، فما تبقى منه هو أجمل قصائد الحب التي كتبها في كل العصور.

شاكر نوري

رسائل متبادلة

تم اختيار بعض قصائد إيلوار إلى غالا ورسائلهما المتبادلة في الكتاب الصادر عن دار الفارابي-بيروت (بول إيلوار-قصائد حب) من اختيار وتقديم عصام محفوظ... رسائل تصور شغف الحب بين زوجين عاشقين رغم انفصالهما وزواج كل منهما بآخر.

Email