روايات خالدة

عائلة باسكوال دوارتي

  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

كاميلو خوسيه ثيلا المولود في إسبانيا سنة 1916 كاتب مثير للجدل بقوة، ومستمرٌ الجدل حوله حتى بعد وفاته سنة 2002، فهو وعلى الرغم من إصداره لمئة أثر أدبي إلا أنه متهم بسرقة إحدى الروايات التي أوصلته إلى المحكمة، فقد ادّعت كارمن فورموسو أنه سرق روايتها «كارمن، كارميلا، كارمينا» ونشرها تحت عنوان «صليب سان أنريس»، مات ولا تزال القضية مفتوحة.

حاز على جائزتي نوبل سنة 1989 وثربانتس 1995، وهي أشهر وأهم جائزة إسبانية، ولكنه وقبل الفوز بها وصفها قائلا: «إذا لم يمنحوني جائزة ثربانتس فهذا يدخل ضمن التقاليد الإسبانية، مثلما يُقتل آل كنيدي في أميركا.. إنها جائزة مغطاة بالفضلات». وحين فاز بجائزة نوبل ذهب لاستلام جائزته ترافقه صديقته مارينا كاستانيو التي تصغره بأربعين سنة قبل أن يتزوجها فيما بعد، تاركا زوجته في البيت. كما لم يترك في وصيته أموالا لابنه.طُرد من أربع مدارس، وله آراء صادمة حول الشذوذ الجنسي، وقد أصدر كتابين عن التعبيرات الجنسية والسوقية هما: «القاموس السري ـ 1968، ودائرة معارف الشهوة ـ 1976». وله 14 رواية ومن أشهرها «خلية النحل» التي نشرها سنة 1951.

وكتب في القصة والشعر والمقال الأدبي والدراسات وأدب الرحلات، وفي مقدمة ذلك «رحلة إلى القرية» ويعني بها القرية التي استقر بها في أيامه الأخيرة وتقع على تخوم العاصمة مدريد وتستمد اسمها من اللغة العربية، هكذا . حارب إلى جانب فرانكو في الحرب الأهلية الإسبانية 1936 ـ 1939 ولكنه كان من أبرز منتقديه فيما بعد.

ولأن روايته «عائلة باسكوال دوراتي» كانت من أهم أسباب منحه جائزة نوبل حتى أن الأكاديمية السويدية أشادت بها وأشارت لها بقولها: «إنها رواية خشنة فظيعة«. وهي اليوم من أكثر الروايات قراءة في الأدب الإسباني بعد رواية دون كيخوت لسربانتس، خاصة وأنها تدخل في المناهج التعليمية في إسبانيا إلا أن الرواية نفسها تقدم بها لنيل الجائزة القومية للأدب في إسبانيا ورفضت. صدرت الرواية سنة 1942 وكانت باكورة أعماله.

يتحدث باسكوال عن حياته في الرواية بضمير الحاضر واصفا مسكنه وقريته حيث كان يعيش فيما مضى وصفا دقيقا. ويتحدث عن أول حالة غير طبيعية ومثيرة مرَّ بها. فهو كان يُفّضل الصيد البري على صيد الأسماك الذي يراه مضيعة للوقت.

وفي كل مرة وهو عائد من الصيد البري الذي اشتهر به بالمهارة بين القرويين، يجلس يستريح عند التقاطع المؤدي إلى القرية، حيث غالبا ما تسبقه كلبته إلى هناك قبل أن يجلس على الصخرة المدورة، وهناك يدخن سيجارة بينما الكلبة تجلس قبالته على رجليها الخلفيتين وأذناها البنيتان في حالة تيقظ، وكثيرا ما يحادثها، وهي وكأنها تريد أن تفهمه بشكل أفضل ترفع أذنيها قليلا.

وحين يتحدث عن أبيه استيبان دوارتي، البرتغالي الذي ناهز الأربعين، الطويل والبدين مثل جبل، ذي الشارب الأسود الكبير، الذي سُجن وهده السجن بعد اتهامه بالتهريب. يصفه بالفظ الغليظ، ولكنه يشعر تجاهه بكثير من الاحترام وغير قليل من الخوف، هو نفسه ذلك الرجل الذي كان كثيرا ما يتملكه الغضب فيضرب أمه ويضربه، ولأتفه الأسباب، رغم أن أمه كانت ترد بالمثل أحيانا حيث كان الصغير باسكوال لا يملك سوى الاستسلام وهو في سن غضّة.

أما أمه التي تخاصم المياه فكانت بسحنة صفراء ضاربة إلى الخضرة بخديها الغائرين، ومظهرها كله يدل على أنها إما مسلولة وإما أنها ليست بعيدة عن ذلك. كانت جافة وعنيفة ولها مزاج يمضي في طريق كل الشياطين بلغة تنطلق من فمها لا يحاسبها عليها إلا الله!.. كانت العلاقة بين أبويه سيئة، فبالإضافة إلى قلة حظهما من التعليم كان حظهما من الفضائل قليلا أيضا، وذلك ما ورثه عنهما باسكوال!

وحين وُلدت أخته روساريو، كانت ولادتها صعبة، فأمه كانت نصف عاقر وجافة والألم أكبر من طاقتها، وكانت تحل كل شيء بالصياح، وقد ساعدت أمه امرأة من القرية متخصصة في الندب والولادة وهي انجراثيا التي استخدمت خلطة خاصة وضعتها على بطن الأم لتخفيف الألم، ولكن استمرار الصياح دفع انجراثيا إلى اتهام الأم بأنها زنديقة ومسيحية سيئة. والأب كان مهتاجا من الصياح أيضا حتى أنه وصف الأم بعد الولادة بالخبث والاحتيال وغادر البيت ولم يعد إلا بعد يومين سكرانا ليقبل الأم وينام في الإسطبل.

وحين كبرت روساريو كانت ضعيفة ونحيلة فثدي أمها فارغ حتى أوشكت أن تمضي، تجاوزت كل ذلك وكبرت وصارت مليحة وملكة البيت، ولكنها لم تكن استثناء في الخير، فسرعان ما تعودت على السرقة بخفة ورشاقة مثل غجرية عجوز، كما اعتادت على السكر ومضت من سيئ إلى أسوأ واشتغلت قوادة! ولما بلغت سن الرابعة عشرة سرقت كل ما في البيت ورحلت!.

وحين عادت روساريو كانت مصابة بالحمى، ورقدت في الفراش نصف ميتة حوالي السنة. بات العجوزان في حالة ضيق وتوقفا عن الاقتتال. قدمت لها انجراثيا علاجا سرعان ما شفيت بعده أو كما يقولون: »العشب السيئ لا يموت أبدا«. ورحلت من جديد وتعرفت على الرجل الذي رتب لها الانهيار.. باكو لوبيث الملقب أبو شداد!

وولد مولود جديد في العائلة وهو ماريو، ولكنه ولد مرعوبا، بينما عض كلب الأب وأصيب بداء الكَلَب، وحين حبسوه بمساعدة الجيران بعد أن بات ينهش ويعض الآخرين، لم يعش طويلا، مات بعد أيام مفتوح العينين، وبدلا من أن تحزن أمه كانت تضحك من منظر الأب الميت.

وحين بلغ ماريو العاشرة مات هو الآخر. بكت عليه روساريو كما بكى باسكوال، غير أن الأم لم تذرف عليه دمعة حتى بلغت كراهية باسكوال لأمه مبلغا، وبات يفكر بالوقت الذي شعر فيه أن أمه ما عادت بالنسبة لقلبه أما.. قبل أن تتحول إلى عدو! أرجع ذلك إلى عهد سابق حين لم يجد فيها فضيلة واحدة يمكن أن يُقلدها.

وهكذا أصبح باسكوال نفورا وفظا، مفرط الخوف متجهما، وكان هذا الاضطراب يمزق العائلة. وحين اختلف مع زكريا في الحانة طعنه بالسكين ثلاث طعنات، وحين عاد يوما ووجد الفرس وقد رفست زوجته لولا وأسقطت جنينها، ذهب إلى الفرس بالإسطبل وطعنها عشرين طعنة.

لولا التي تزوجها بعد أن اغتصبها وقبل أن تخونه مع أبي شداد. حدث كل هذا وغيره قبل أن يقتل أبا شداد ويسجن، وحين خرج من السجن بعد فترة وكسب حريته مجددا، وجد أن حريته لا تعني شيئا لأحد، كان يشعر أنه إنسان ملعون، وبات يكره نفسه. حدّث نفسه مشيرا إلى أمه: لا أستطيع أن أسامحها.. فبعد أن ألقتني إلى العالم لم تقدم لي أي معروف.. أي معروف.. ثم قتلها!.

كريم السماوي

الكتاب: عائلة باسكوال دوارتي

تأليف: كاميلو خوسيه ثيلا 1916 ـ 2002

الناشر: دار الهلال

ترجمة: حامد أبو أحمد

الصفحات: 168 صفحة

القطع: المتوسط

Email