رقصة «التنورة» فن..وتصوف.. وفلسفة

رقصة «التنورة» فن..وتصوف.. وفلسفة

ت + ت - الحجم الطبيعي

التنورة.. فن شعبي تراثي له صبغة صوفية وتعبيرات فلسفية تنفرد به مصر عن الدول العربية والإسلامية ويتمتع بسمات مميزة، ورغم أنه رقص شعبي ديني صرف إلا أنه أغلب مشاهديه من الأجانب الذين يتفاعلون معه ومع الموسيقى والرقصات والتعبيرات حتى وإن لم يتفهموا أو يدركوا معنى وفحوى الإنشاد الديني المصاحب له كما أنها تكثر في الأفراح.

تتميز رقصة التنورة الصوفية بطابع خاص وفريد من نوعه إذ تعتمد على الحركات الدائرية وتنبع من الحس الإسلامي الصوفي الذي له أساس فلسفي ودلالي يرجع في جوهره إلى المفهوم القائل بأن الحركة في الكون تبدأ من نقطة وتنتهي عند ذات النقطة لذلك تكون حركتها دائرية.

وعندما يدور راقص التنورة «اللفيف» حول نفسه ويلتف حوله الراقصون «الحناتيه» كأنه الشمس يدور حول نفسه والكواكب تدور من حوله، ومن خلال الدورات المتعاقبة يرمزون إلى تعاقب الليل والنهار وتعاقب الفصول الأربعة فهم يلفون حوله عكس عقارب الساعة.

وحين يقوم راقص التنورة «اللفيف» برفع يده اليمنى إلى أعلى ويده اليسرى إلى أسفل حيث يعقد الصلة ما بين السماء والأرض وهو بدورانه حول نفسه كأنما يتخفف من كل شيء بقصد الصعود إلى السماء،.

وعندما يقوم بفك الرباط الموجود حول جذعه أثناء دورانه فهو يرمز لرباط الحياة بالإضافة للعديد من الرموز الفلسفية التي يهدف معظمها لمحاولة إيجاد معادل موضوعي يتمثل في حركات تمثل الفهم الفلسفي للحياة إلا أن الطابع العام للرقصة ومع استيعابها بصفة عامة لكل المعاني الدينية السابقة وغيرها والتي قد تجعلها تلتقي مع بعض النظائر والموروثات في مجتمعاتنا الإسلامية مكتسبة روح الشعبية المصرية من بهجة وفرح وشجن وحزن في تنوع للإيقاع مابين البطيء والمتوسط والسريع.

وتتسم ثيابه بالرقع والخرق وهي على كل حال تحوي ثراء مع الألوان والقيم التشكيلية المصرية التي تنبض بها البيئة المحلية ناهيك عن النصوص المؤداة والتي تعكس تصورات المصري عن الحياة والموت والكون الأمر الذي جعلها لا تتحدد بحدود الطقس الديني المباشر وإنما تدخل برشاقة في قالب الفن الشعبي الجماهيري القائم أصلا على المهارة الحركية ويصاحب رقص التنورة أناشيد دعاء لله عز وجل ومديح للنبي صلى الله عليه وسلم وبعض المواويل الشعبية تعبر عن الكرم والمحبة والسلام والحكمة بين الناس.

ويقول جمال عبد الرحمن المسؤول بفرقة التنورة إن جميع أعضاء الفرقة من الفنانين التلقائيين الذين تعلموا هذا الفن سواء الرقص والغناء والعزف عن أبائهم وأجدادهم وكانوا يقومون بإحياء احتفالات الطرق الصوفية بالمناسبات الدينية والموالد وقد تم تأسيس فرقة التنورة عام 1988 كتابعة لهيئة قصور الثقافة وبدأت عروضها على مسرح قبة الغوري ثم انتقلت إلى وكالة الغوري وحتى اليوم تقدم عروضها يومي السبت والأربعاء من كل أسبوع بدون توقف منذ إنشائها وتضم الفرقة 55عضوا مابين عازف وراقص ومنشد.

ويضيف أن الفرقة شاركت بعروضها في أكثر من 30 دولة حول العالم من بينها اليابان والولايات المتحدة الأميركية والنمسا والمجر وإيطاليا والسويد والنرويج والدانمارك وفنلندا وفرنسا والصين وكوريا الشمالية وكوريا الجنوبية وهونغ كونغ والمغرب وتونس وسوريا ولبنان والأردن واليمن ورومانيا والتشيك والهند وبريطانيا وكندا وتركيا وهولندا واستراليا وكينيا واليونان وسنغافورة وأيرلندا.

ويشير جمال عبد الرحمن إلى أن راقص التنورة يجب أن يتمتع بقدر عال من الحس الفني والأداء التعبيري لأنه يصاحبه إنشاد ديني وعليه أن ينقل هذا الإنشاد وهذا الإحساس إلى جمهور المشاهدين والذي يغلب عليه الطابع الأجنبي، كما يجب على راقص التنورة أن يتمتع بلياقة عالية جدا ولذا فتدريبه يستغرق يوميا ثلاث ساعات متواصلة.

وحول ما إذا كان هناك تطوير أو تحديث تم إدخاله على فن التنورة.. يقول جمال عبد الرحمن: لا نستطيع أن نقول إن هناك تطويرا ملموسا أو جذريا قد تم إدخاله على التنورة فهو حالة تلقائية تراثية والتطور يتمثل فقط في عناصر المسرح والشو المصاحب من خلال عروض الآلات المعروف ب«التحميلة» ثم العرض الاستعراضي بالإضافة لعناصر الإبهار مثل الصوت والإضاءة.

المماليك أدخلوها إلى مصر

« رقصة التنورة » أدخلها الفاطميون ضمن الكثير من الطقوس التي أدخلوها معهم إلى مصر مثل فانوس رمضان، والمسحراتي، والكثير من الحلوى، والاحتفال بالمولد النبوي الشريف.. وقيل أيضا إن صاحب الفضل في ظهور رقصة التنورة يرجع إلى جلال الدين الرومي الشاعر والفارس والمتصوف.

Email