الحوثيون.. دراسة منهجية شاملة

الحوثيون.. دراسة منهجية شاملة

  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

يقرّ محمد أحمد الدغشي مؤلف الكتاب بصعوبة الكتابة عن قضية الحوثيين، بوصفها قضية معقدة، يختلط فيها الفكر بالسياسة، والتاريخ بالحاضر، والإيديولوجيا بالمنفعة، الأمر الذي يدعو إلى التريث ومجاهدة الذات، لذلك يسعى إلى تقريب «الظاهرة الحوثية» إلى ذهن المتلقي، وخاصة خارج اليمن.

معتبراً أن أساس حركة الحوثي هو ظاهرة مدرسية، تربوية وفكرية وسياسية حديثة، في شكلها وهيكلها الخارجي، لكنها ذات جذور اختلط فيها القديم بالحديث، فيما يتعلق بجوهر المضامين ومنطلقات التفكير، مع تفاعل مشهود مع الواقع المعاصر وإشكالاته وتحدّياته. ثم يعرف ظاهرة الحوثي إجرائياً بتلك الحركة، أو ذلك المنتدى، أو التنظيم الفكري التربوي (المدرسي)، الذي أعلن عن نفسه في العام 1990م، باسم (الشباب المؤمن)، بوصفه إطاراً تربوياً وثقافياً في البداية؛ اقتصر نشاطه في ذلك الحين على تربية الشباب وتأهيلهم بدراسة بعض علوم الشريعة، مع الأنشطة المصاحبة، وفق رؤية مذهبية زيدية غالبة، ثم انتقل، بسبب جملة من العوامل، إلى تنظيم مسلح عسكري، بدءاً من منتصف العام 2004م، وصار يُطلق على أتباعه (الحوثيون).

والمعروف أن هناك مكونين مذهبيين رئيسين، سائدين في اليمن عبر تاريخه الإسلامي، هما الشافعية، نسبة إلى الإمام محمد إدريس الشافعي، والزيدية، نسبة إلى الإمام زيد بن علي بن الحسين بن أبي طالب. وعاش في ظلهما اليمنيون منذ نشأتهما على نحو من التآخي العام، دون أن يعني ذلك خلو الأجواء من حدوث قدر من المناكفات والمشاحنات بين حين وآخر، وعادة ما يسهم في تأجيجها تسييس أيّ من المذهبين حين تدول الغلبة لأيّ منهما في الحكم والإمارة، وخاصة الزيدي منهما؛ ذلك أنه قد تمكن بعض الأئمة الزيدية من السيطرة على بعض المناطق في اليمن، وجعل المذهب الرسمي للحكم فيها هو المذهب الزيدي الهادوي، نسبة إلى الإمام الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين بن القاسم الرسيّ، لفترة تزيد على ألف عام.

ويعتبر المؤلف أنه إذا كان الإمام زيد هو صاحب المذهب، ومن تنتسب إليه الزيدية في اليمن؛ فإن تراثه خلو من الزعم باشتراط نسبي أو عائلي أو حتى أفضلية لحصر الخلافة في البيت العلوي، بل يراعي في ذلك مصلحة المسلمين وعدالة الوالي، وإن سمى واقعاً كهذا إمامة المفضول، مراعاة لشرطي الكفاية والعدالة بعيداً عن الافتراضات المثالية.

وترجع بداية إعلان تنظيم «الشباب المؤمن» عن نفسه إلى العام 1990م، في بعض مناطق محافظة صعدة، التي تبعد عن صنعاء 240 كم شمالاً، أي بعيد إعلان الوحدة اليمنية وسماح الدستور للتعددية السياسية إطاراً ثقافياً وتربوياً. وانتشرت مراكزه، لتكون قبلة كثير من الطلاب القادمين إليها من مختلف المحافظات المعروفة تاريخياً بانتمائها إلى المذهب الزيدي الهادوي، ثم تجاوز الأمر محافظة صعدة إلى العديد من المحافظات والمدن. وبلغت أعداد الطلاب وفقاً لبعض التقديرات حوالي 18000 طالب، وسبع وستين حلقة ومركزاً، انتشرت في تسع محافظات يمنية بما فيها بعض المحافظات ذات الطابع الشافعي السني أو المختلط. ويبدو أن أحد العوامل الأساسية لقيام تلك المراكز، وفق تلك الأهداف، هو الرد العملي على التحدي الذي شكله قيام مركز (دماج) السلفي التقليدي في مديرية وادعة القريبة من مدينة صعدة، بإدارة الشيخ الراحل مقبل بن هادي الوادعي، رأس الدعوة السلفية في اليمن، مع ما يُعلم تاريخياً من كون منطقة صعدة تمثل كرسي الزيدي الهادوية في اليمن.

وزاد من حدة الأزمة مع الحوثية تزامن الإعلان عن تنظيمها مع انتصار الثورة الإسلامية في إيران، في فبراير 1979م، وما أعلنته من سعي حثيث لتصدير الثورة، الأمر الذي أدى إلى إعادة الصراع جذعاً، وجرّ إلى مناصبة كثير من المتمذهبة الزيدية في محافظة صعدة بوجه خاص العداء للفكر السنّي عامة. وعليه تحول تنظيم الشباب المؤمن إلى مرحلة التنظيم المسلح العلني، أو ما بات يُعرف بجماعة الحوثي، وتبدأ منذ الشهر السادس من عام 2004م، حيث تحوّل التنظيم، أو قسم منه، إلى تلك الميلشيات العسكرية ذات البعد الأيديولوجي في بداياتها «العقدي» بوجه خاص.

ويرجع المؤلف عوامل ظهور الحوثية وبلوغها درجة كبيرة من التأثير والانعكاس على الوضع العام في اليمن إلى عاملين، ذاتي داخلي، وخارجي طارئ، مع ملاحظته بتعذر الفصل بين العاملين، وأنه لا يمكن لأي فكرة قادمة من الخارج أن تجد لها قبولاً أو ترحيباً ما لم يكن ثمة استعداد ذاتي داخلي عند أهلها، وقابلية لاحتضانها ورعايتها.

ويدرس انقسام تنظيم الشباب المؤمن إلى قسمين، الأول معتدل، ومثّله الأمين العام السابق محمد يحيى عزان، الذي كان له نشاط فكري تنويري ملحوظ، والثاني ظهر مع عودة حسين الحوثي من دراسته في السودان عام 1999، حيث دعا أتباعه إلى التعاضد تحت شعار مشابه لشعار الثورة الإسلامية في إيران، وهو «الله أكبر، الموت لأميركا، الموت لإسرائيل، اللعنة على اليهود، النصر للإسلام».

وأفضى الاهتمام بهذا الشعار وترديده في المساجد وفي مختلف الأماكن العامة إلى اندلاع المواجهة العسكرية مع سلطات النظام في اليمن في العام 2004، وقتل خلالها قائد الحركة حسين الحوثي.

ويعتبر المؤلف تبني الشعار، إضافة إلى الاحتفال بيوم الغدير، من المؤثرات الخارجية على حركة الحوثيين، بالرغم من إرجاعه الاحتفال بيوم الغدير إلى تقليد يمني قديم بسمة وهدف مختلفين.

أما الخطاب الفكري لحسين الحوثي، قائد الحركة، فيصفه المؤلف بأنه ذو «روح انتقائية ثورية متمرّدة، تبدأ من نقد الآخر المذهبي كأهل السنة عامة» و«نقد المذهب الزيدي»، الأمر الذي أثار بعض أتباع المذهبين. لكن «تكوين حسين الحوثي الفكري والتربوي والسياسي نابع في الأساس من الفكر التربوي السياسي الزيدي، الذي يعدّ الأصل الخامس عنده هو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ومن مستلزمات الإيمان به الرفض والتمرد والعصيان، بل المحاربة والثأر على كل حاكم يُعتقد فسقه وفساده».

أمّا شخصيته فقد تميّزت بحضور لافت بالنظر إلى أسباب مختلفة، لعلّ في مقدمتها تلك النزعة الثورية المتمردة، في واقع اجتماعي بائس، وامتلاكه «خطاباً جذّاباً في أسلوبه، غير معهود، عادة، في الأوساط التقليدية، وفي مثل بيئته بوجه خاص؛ مما قدّمه شخصية (كارزمية) خارقة للعادة».

ويرى المؤلف، خلافاً لما هو سائد، أن مؤسس الحوثية حسين الحوثي ليس تابعاً للاثني عشرية القادمة من إيران أو لبنان، لأنه على خلاف كلي مع الفكر الإثني عشري الإمامي، وأبرز شاهد على ذلك هو موقفه الرافض بشدة لفكرة الإمام الغائب الثاني عشر، وتحذيره من إحلال المذهب الإمامي في اليمن. ويطالب السلطة السياسية بالتعامل مع الظاهرة الحوثية بوصفها ظاهرة مذهبية، قديمة، حتى وإن تجلت اليوم بصورة مختلفة نسبيا، لكن ذلك لا يحيلها إلى كيان غاز، فاقد الشرعية من الأساس، كونها في حقيقة الأمر امتدادا للمدرسة الزيدية (الجارودية)، التي كانت قائمة باليمن منذ قرون متطاولة.

عمر كوش

المؤلف في سطور

الدكتور أحمد محمد الدغشي، كاتب وأكاديمي يمني، يعمل أستاذاً لأصول التربية وفلسفتها المشارك في كلية التربية بجامعة صنعاء، وأصدر العديد من المؤلفات، منها: «نظرية المعرفة في القرآن وتضميناتها التربوية»، و«مقدمات أربع أولية في فقه المرأة المعاصرة»، و«التقريب بين السنّة والشيعة والخلاف السلفي ـ السلفي في اليمن»، و«صورة الآخر في فلسفة التربية الإسلامية»، و«من يمثل الإسلام؟ قراءة حضارية في إشكالات فكرية معاصرة».

الكتاب: الحوثيون

دراسة منهجية

شاملة

تأليف: أحمد محمد

الدغشي

الناشر: الدار العربية

للعلوم والمورد

للإعلام

بيروت 2010

الصفحات: 181 صفحة

القطع: المتوسط

Email