وحشة بالغة

وحشة بالغة

ت + ت - الحجم الطبيعي

ربما كان الإيجاز الأكثر توفيقاً في التعبير عن روح مجموعة «وحشة بالغة» الصادرة مؤخراً للكاتبة الأميركية جويس كارول أوتيس هو ذلك الذي نشرته صحيفة «شيكاغو تربيون» عقب صدور المجموعة، حيث قالت:

«يجد القارئ في هذه المجموعة القصصية نفسه من جديد على موعد مع الأصالة الضارية لصوت أوتيس ورؤيتها، ولكن كذلك مع الكيفية التي غرست بها في تربة القصة القصيرة، الأميركية حيوية حادة وأسطحاً اجتماعية خشنة».

والواقع أن القارئ على امتداد المجلد الذي يضم هذه المجموعة والذي يقع في ستمئة وثماني وثمانين صفحة يجد بين يديه ثروة حقيقية تتألف من خمس وثلاثين قصة، من بينها إحدى عشرة قصة جديدة، والقصص الأخرى مختارة من العطاء الكبير الذي قدمته المؤلفة لعالم القصة القصيرة على امتداد أربعة عقود من الزمن.

وبهذا فإن هذا المجلد يعد بمثابة تتويج للإضافة الحقيقية التي قدمتها أوتيس للثقافة الأميركية.

تظهر في هذا المجلد بصورة متكررة، من المحقق أنها لا يمكن إلا أن تلفت نظر القارئ، موضوعة الفتيات والنساء اللواتي يطاردهن رجال لا يفتقرون إلى العنف ولا الضراوة، على نحو ما نجد في القصة التي تعود إلى عام 1970 والتي أدرجت في مختارات كثيرة من أعمال أوتيس، وتحمل عنوان «إلى أين تذهبين؟ أين كنت»؟.

لكنها لن تكون وحدها أبرز ما سيتوقف عنده القارئ، وإنما هناك قصة أخرى مميزة، علي الرغم من أنها أقل من سابقتها شهرة، وهي بعنوان «تيهورات صغيرة»، وتعود إلى عام 1974.

حيث نلتقي مع فتاة في الثالثة عشرة من عمرها، لا تكف عن الغمغمة والضحك وتتجنب رجلاً في منتصف العمر يحاول الالتصاق بها كالعلقة التي لا سبيل إلى الخلاص منها على طريق مهجور.

وهناك عدة قصص تبرز فيها شخصيات يؤدي افتقارها إلى التوازن العقلي إلى اندلاع العنف، على نحو ما نجد في قصة «الأيام الأخيرة» التي تعود إلى عام 1984، والتي يقوم فيها طالب جامعي ذكي لديه عقدة تخليص العالم باغتيال رجل دين يهودي، قبل أن يبادر بالانتحار باستخدام المسدس نفسه الذي أطلق منه النار لتوه.

وعلى الرغم من أن العالم الذي تصوره لنا أوتيس يبدو لنا في غالب الأحوال عالماً دموياً، بشعاً، حافلاً بالدمار والعنف والموت المجاني، إلا أنها تقدم كذلك نبضة أكثر لطفاً، وإن ظلت مخيفة مع ذلك.

على صفحات القصة الحديثة التي تحمل عنوان «الرجل البدين.. حبيبي» حيث نلتقي بالممثلة بيبي، التي تردد أصداء شخصية النجمة السينمائية تيبي هيردرين والتي تتأمل حائزة شخصية مخرج، تحيل إلى شخصية الفريد هتشكوك، ولكن من دون ذكر اسم هذا الأخير صراحة، والذي أوجد حياتها الفنية من العدم وقضى عليها أيضاً.

وبينما تحمل بعض القصص بصمة المادة التي انتزعت انتزاعاً من عناوين الصحف، فإن أوتيس لا تكتفي بالإثارة وحدها أبداً، حيث تترصد الدوافع والانفعالات الخفية بعين يقظة قادرة على التقاط كل التفاصيل النفسية وحشدها عبر نثر رقيق، دال الإيقاعات.

وعلى الرغم من الحديث الذي يتداوله النقاد عن ضخامة انتاج أوتيس، إلا أن النوعية المتوازنة لأعمالها هي التي رفعتها إلى المصاف الأدبي الراقي الذي تشغله اليوم.

والواقع أنه كما تقوم فرقة روك ناجحة بتقديم اسطوانة تجمع بين جديدها وأفضل المختارات من أعمالها، فإن أوتيس في مجموعتها هذه تقوم بذلك أيضاً.

ولكن لابد لنا من التوقف عندما تشير إليه المؤلفة في كلمتها الختامية للكتاب من أن القصص الجديدة الإحدى عشرة المدرجة في الكتاب ليست مما تعتبره أفضل ما لديها. وعلى الرغم من ذلك فإن هذه القصص تقدم مثالاً لما تبدعه أوتيس.

ويلفت نظرنا أن سبعاً من هذه القصص الجديدة التي تتصدر المجموعة تدور حول عائلات تعاني من المشكلات.

وعلى سبيل المثال فإن القصة التي منحت المجموعة عنوانها تدور حول جريمة قتل لم يتم حلها، راح ضحيتها عديل الراوية.

وقصة «مصنع السمك» تلقى الضوء على الأساليب المتطرفة التي تلجأ إليها فتاة مراهقة للهرب من أمها التي تبالغ في حمايتها.

ولدى الانتهاء من هذه القصص التي تشكل اطلالة جديدة، فإن المجموعة تعود بنا إلى الستينات لتقدم أعمالاً للقاصة تمثل هذا العقد، ثم تتقدم المجموعة زمنياً بمعدل عقد في كل مرة.

وتعكس أعمال العقد الأول ابداعاً يتمثل بصورة دالة في قصص «أربعة فصول صيف»، وفيها تتابع تجربة فتاة على امتداد هذه الفصول الأربعة والتي تجعلها، في نهاية المطاف، راضية عن القرارات التي اتخذتها فيما يتعلق بحياتها.

أما القصص التي تمثل السبعينات فإن أبرزها قصة بعنوان: «السيدة ذات الكلب المدلل» وقصة أخرى بعنوان «الموعد» تكشفان عن قصتين من قصص الخيانة الزوجية تنتهيان على نحو سييء، والقصة الغامضة «الجانب الليلي».

أما في قصص الثمانينات فتبرز قصة «وارسو 1980»، والتي تدور حول تجربة كاتب في مؤتمر يعقد في بولندا في ظل الشيوعية، وتعكس بجلاء قدرة أوتيس على إبداع عناصر المفارقة والأحداث المخيفة.

وربما كانت قصص التسعينات هي أفضل ما تضمه المجموعة بكاملها، حيث نجد، بصفة خاصة، قصة بعنوان «الشَعْر» تعالج التراتبية الاجتماعية مع سيطرة روح الصداقة على عائلتين تتألف كل منهما من زوج وزوجه. على حين تدور قصص مثل «الحياة بعد المدرسة الثانوية» حول طالب منبوذ.

وعلى الرغم من أن بعض النقاد لابد أن يجدوا ما يتصيدونه من هنات في هذا المجلد الرائع إلا أنه يظل عملاً شيقاً يجسد قدرة أويتس على تقديم صور انسانية عبر الزمن تعلق بذاكرة القارئ طويلاً.

أوتيس .. حياة من إبداع

يكاد يكون مستحيلا تقديم ثبت كامل بمجمل الإبداع الهائل الذي قدمته جويس كارول أوتيس على امتداد حياتها الإبداعية. ويكفي أن نتذكر أنها قدمت إنتاجها في ثمانية قوالب إبداعية، هي على التوالي: الروايات، الروايات القصيرة، القصص القصيرة، الأعمال الدرامية، المقالات والنقد، الشعر، كتب للفتية، كتب للصغار.

ومن أبرز هذه الأعمال ما يلي

* رواية هم (1969)

* رواية الموتى الأحياء (1995)

* رواية الشلالات (2004)

* الرواية القصيرة الحيوانات (2002)

* الرواية القصيرة اغتصاب (2003)

* مجموعة الجانب الليلي (1977)

* مجموعة الإناث (2006)

* مسرحية المعجزة (1974)

*مسرحية دكتور ماجيك (2004)

* كتاب عن الملاكمة (1987)

* كتاب بلا رقابة (2005)

* ديوان رقة (1996)

* الكتاب: وحشة بالغة

* تأليف: جويس كارول أوتيس

* الناشر: إيكو برس ـ نيويورك 2006

* الصفحات: 688 صفحة من القطع الكبير

High Lonsome

Joyce Carol Oates

Ecco Press - N.Y. 2006

P. 688

Email