الإخوان والسلطة

الإخوان والسلطة

ت + ت - الحجم الطبيعي

يعد الكاتب الصحافي المصري حمادة إمام من الأقلام الشابة التي تتسم بالديناميكية والتخصص، وهو من أبرز كتاب جيله فيما يتعلق بجماعات الإسلام السياسي وخاصة جماعة الإخوان المسلمين وعلاقتهم بالدولة والغرب.

حيث صدر له من قبل كتاب يحمل عنوان «الإخوان والأميركان»، وقد أثار وقتها اهتماما واسعا، أما في أحدث مؤلفاته «إمام» فإنه يحاول رصد سعي جماعة الإخوان للسلطة، بما تملكه من موهبة وقدرة على حشد الجماهير.

وكذلك رصد الحلم الذي راود جماعات العنف الديني للاستفادة من سيف وذهب السلطة في تحركها وتبرير سلوكياتها للوصول إلى كرسي الحكم، أهمية الكتاب تكمن في توقيته فقد صدر في مرحلة مفصلية وشديدة الخصوصية بين الإخوان والسلطة.

ووسط تقارير تتحدث عن تحالف سري خلال الانتخابات الرئاسية القادمة. يرى المؤلف أن التوقعات المستقبلية تعد حقا مسألة غيبية إلا أنه يمكن قراءتها من خلال قراءة الملف من البداية، وقد حرص على أن يورد في مقدمة الكتاب قصة ذات مغزى حيث ذكر انه في ديسمبر 1981 جرت أغرب مفاوضات واتصالات سرية في تاريخ مصر بين نظام حاكم وتنظيم محظور .

.مضمونها ضمان عدم قيام التنظيم المحظور بمظاهرات عدائية أثناء قيام الرئيس بزيارة خارجية لإحدى العواصم الأوروبية. حيث أرسلت وزارة الداخلية وكيل مباحث أمن الدولة في ذلك الوقت اللواء «فؤاد علام» لإجراء مفاوضات مع المرشد الخفي لجماعة الإخوان المسلمين المستشار «علي جريشة» والذي كان يقيم في ألمانيا.

ويترأس المركز الإسلامي هناك وكأن أمام المفاوض المصري مهمة واحدة وأساسية نجحت بالفعل، لكن حصلت الجماعة في المقابل على شيء لا يزال سرا، إلا أن مذكرات الإخوان وبعض المسؤولين السابقين تكشف أن الإخوان حصلوا على مقابل، وهو ما يؤكد منهج السلطة في التعامل معهم.

وإذا كان المؤلف يصف العلاقة بين الإخوان ومبارك بأنها شديدة الخصوصية والتميز، فإنه يشير إلى بداية علاقة الإخوان بالسلطة وبالتحديد في عهد الملك فاروق، والذي ظهرت عليه أعراض حلم خلافة المسلمين، وكان بحاجة لقوى منظمة تؤيده في مشروعه لضرب القوى الوطنية التي كانت موجودة في ذلك الوقت.

وكان الإخوان المسلمون هم النموذج الأمثل لتحقيق هدفه. لكن الصفقة سرعان ما شهدت خروجا على شرطها واستشعر فاروق خطورتهم فأخذ زمام المبادرة وتخلص من مؤسس الجماعة «حسن البنا».

استعرض «حمادة إمام» في الفصل الأول من كتابه العلاقة بين الإخوان والملك فاروق والتي وصفها بنفسه في عبارة: البنا خليفة المسلمين «في ظل فاروق». حيث أكد المؤلف من خلال أكثر من مصدر تاريخي أن البنا تحالف مع الحركة الوهابية وحصل على تمويل مالي منها. ثم رصد المؤلف وقوع خلافات وصدامات بين الإخوان والأحزاب السياسية القائمة.

وبناء على تقارير أمنية تؤكد لجوء الجماعة للعنف أصدر النقراشي باشا رئيس الوزراء آنذاك قرارا بحل جماعة الإخوان المسلمين وتحويل مقرها لنقطة شرطة. ولم يمض على قرار الحل سوى شهر واحد إلا وتم اغتيال النقراشي باشا أثناء دخوله مبنى وزارة الداخلية.

وأثار سكوت الملك على تصرفات الإخوان، علامات استفهام عديدة حيث ظهرت عليه نفس الأعراض السياسية التي ظهرت على أبيه الملك فؤاد في أن يكون خليفة للمسلمين.

وبدأ فاروق يتقرب من حسن البنا ويستقبله وتوثقت في الوقت ذاته العلاقة بين ممثل القصر علي ماهر وحسن البنا. ولأن فاروق كان حديث العهد بالسياسة فقد اعتقد أن ما تقوم به جماعة الإخوان هو لخدمته هو وإن كافة الأنشطة التي تدور والعمليات والاغتيالات ليست موجهة ضده، بل ضد خصومه السياسيين فظل يغض البصر عنها.

في المقابل كانت تقارير الأمن السياسي ممثلة في الحرس الحديدي للملك فاروق تضع تقاريرها حول نشاط حسن البنا والتي انتهت إلى أن له علاقات مع دول أجنبية، وأحس فاروق وقتها أن عليه التخلص نهائيا من حسن البنا وجماعته، وبمقتله دخلت جماعة الإخوان مرحلة جديدة تميزت بالهدوء والتوقف عن أي أنشطة جديدة.

أما عن مرحلة ما بعد الثورة فقد استهلها المؤلف بنقل نص حوار أول لقاء بين مرشد الإخوان حسن الهضيبي وجمال عبد الناصر، حين طلب المرشد إصدار قانون بإغلاق دور السينما والمسرح، وكان رد عبد الناصر: معنى تنفيذ ما تطلبه أن أدخل معركة مع 25 مليون أو نصفهم على الأقل، أنت تطلب منى ما لا طاقة لي به.

ولنتكلم بصراحة أنت لك بنت في كلية الطب وبتروح سينما، ولم يعجب كلام عبد الناصر المرشد والذي عاد وكرر طلبه بغلق دور السينما والمسارح ومنع الناس من ارتيادها، فرد عليه عبد الناصر قائلا: إنكم لم تتكلموا أيام فاروق وكانت الإباحية مطلقة، لقد كنتم تقولون إن الأمر لولي الأمر.

وانتهى اللقاء الأول بين عبد الناصر ومرشد الإخوان وداخل كل منهما انطباع عن الآخر، ونذير بهبوب صدام، ورغم تودد الثورة للإخوان لفترة، فقد طالب قادة الإخوان خلال لقاء جمع بين الصاغ صلاح شادي ومنير الدلة من جانب وعبد الناصر من جانب آخر بالمشاركة في الوزارة وتكوين لجنة من الإخوان تعرض عليها القوانين قبل صدورها. ورد عبد الناصر بأن الثورة ليست في محنة، وأنه سبق وأن قال للمرشد إننا نرفض الوصاية، وأنه يكرر هذا الموقف اليوم مجددا.

وخلال لقاء بين عبد الناصر والمرشد طالب فيه الأخير بعدم إنشاء هيئة التحرير طالما أن الإخوان موجودون، قال عبد الناصر: إن في البلاد من لا يرغب في الانضمام للإخوان وأن مجال الإصلاح متسع أمام الهيئة الجديدة وهيئة الإخوان. فرد المرشد قائلا : لن أؤيد هذه الهيئة.

وعند هذه الواقعة ينتقل بنا المؤلف حمادة إمام لمرحلة جديدة في العلاقة بين الإخوان والثورة ويوضح ذلك بقوله: وهنا بدأ الصدام الفعلي ومضى الإخوان في خطين متوازين الأول داخلي والثاني خارجي، ففي الداخل بدأ الإخوان يتغلغلون في القطاعات الحيوية في المجتمع واختاروا القوات المسلحة مسرحا لبدء مخططهم في الانقضاض على الثورة . فبدأوا في الاتصال ببعض الضباط غير المعروفين بانتمائهم للضباط الأحرار، محاولة منهم لإقناعهم بأنهم الأولى بقيادة البلاد وأن الضباط استولوا على حقهم.

كما جرت اتصالات واجتماعات بين المرشد العام للإخوان المسلمين وممثلي بريطانيا في القاهرة. كما جرت لقاءات مشابهة بين الإخوان والأميركان. وإثر صدام بين الإخوان ووفد منظمات الشباب من المدارس والجامعات، اعتقلت الثورة المرشد العام مع 450 من الإخوان.

ويوضح المؤلف أن الملك سعود تدخل للإفراج عن معتقلي الإخوان، وكانت الوساطة مشروطة بعدم العمل في السياسة وهو الشرط الذي لم يلتزم به الإخوان، وبعد سلسلة من المنشورات التي تتهم عبد الناصر بالعمالة للاستعمار(!!) جرت محاولة اغتيال عبد الناصر أثناء خطاب المنشية. فحسبما يرى المؤلف فقد أعتقد الإخوان أن هذا الوقت توافرت فيه كل عوامل النجاح للوصول للسلطة، على مستوى التأييد الخارجي.

وفي الداخل أيضا، بالإضافة أن اغتيال عبد الناصر سوف يحدث حالة فوضى وعدم اتزان يمكن للإخوان وقتها الخروج إلى الشارع والسيطرة على الحكم. وهي الخطة التي فشلت كما فشلت بعد ذلك بسنوات خطة نسف مطار القاهرة واغتيال عبد الناصر أثناء عودته من موسكو عن طريق رام ماهر من شرطة رئاسة الجمهورية الذي نجح الإخوان في تجنيده.

أما بالنسبة لعهد ما بعد عبد الناصر فقد استهله السادات بقراره إعادة الإخوان من الخارج ـ بوساطة سعودية ـ فقد كان السادات بعد تحالفه التدريجي مع أميركا يبحث عن تيار يستطيع أن يواجه إمكانية تحرك المؤيدين لأفكار عبد الناصر.

وهي السمات التي انطبقت على الإخوان الذين يكنون مشاعر عدائية تجاه عبد الناصر، وبدأ الاتصال بعناصر الإخوان من خلال الملك فيصل في الخارج وعثمان أحمد عثمان والدكتور محمود جامع حيث سافر الاثنان للسعودية، وكانت شروط الصلح هي:

الإفراج عن جميع المساجين والمعتقلين من الإخوان والسماح للهاربين بالعودة،و إسقاط الأحكام الصادرة ضدهم وإعادة الجنسية لمن سحبت منه. وبعد التخلص من رجال عبد الناصر ومع الغزو الروسي لأفغانستان عاد هاجس الخوف المشترك بين السادات والإخوان والأميركان والسعودية يجمع بين الأربعة مرة أخرى.

أما أفضل ما يعبر عن علاقة عهد مبارك بالإخوان وثائق تم اكتشافها في التسعينات عرفت باسم قضية التمكين وهي تلك التي تحمل رقم 136 لسنة 1995 .

حيث لخصت منهج الإخوان في عصر مبارك، وتفاصيل تحركهم للوصول للحكم، وجاءت التفاصيل في ثلاث عشرة ورقة فلوسكاب من القطع الكبير معنونة تحت اسم «التمكين» وتؤكد على أن المرحلة الجديدة من عمر التنظيم تتطلب المواجهة.

وهي ما يستدعي السيطرة التدريجية على الجيش والشرطة والإعلام والقضاء، ومجلس الشعب، والأزهر الشريف، مع السعي لتحييد تلك المؤسسات في حالة عدم التمكن من استقطاب الأغلبية فيها. الوثيقة نفسها أشارت إلى أميركا والغرب بأنه يجب التعامل معها بمرحلة التعايش، باقناعهم أنه من مصلحتهم التعامل مع القوى الحقيقية لأبناء المنطقة وان الإخوان كقوة تتميز بالاستقرار والانضباط.

ويختتم المؤلف كتابه بما يعتبر أنه دليل جديد على استمرار الصراع بين السلطة والإخوان، حيث يرصد مواقف الإخوان المستقبلية خاصة من قضية الإصلاح : حيث ينقل عن المرشد الحالي للإخوان محمد مهدي عاكف قوله: يرى الإخوان أنه يجب أن يلتف كافة المهتمين بالشأن العام حول إطار عريض ينطلق من المقومات الأساسية للمجتمع.

وأن يتعاونوا في المتفق عليه ـ وهو قليل من أجل الصالح العام. مع التأكيد على أننا ـ والكلام منسوب للمرشد ـ ندعو لإطلاق حرية الدعوة، وتنقية أجهزة الإعلام من كل ما يتعارض مع أحكام الإسلام. حرية إقامة الشعائر الدينية لجميع الأديان المعترف بها، وتأكيد حرية تشكيل الأحزاب، وحق التظاهر السلمي، تحديد سلطات رئيس الجمهورية، بما يجعله رمزا لكل المصريين، فلا يترأس أي حزب سياسي.

الكتاب: الإخوان والسلطة

صراعات دامية وتحالفات سرية

الناشر: مركز الحضارة العربية

القاهرة 2005

الصفحات: 158 من القطع المتوسط.

Email