الراعي ـ قصة حياة سفاح ـ الأخيرة

القيادة الاسرائيلية تعتمد خطة شارون لمهاجمة القوات المصرية عبر القناة

ت + ت - الحجم الطبيعي

بادرت مصر بشن هجوم على اسرائيل عشية عيد الغفران بصورة فاجات المستوى الاستخباري الاسرائيلي وفي يوم السادس من اكتوبر تمكن الجيش المصري من اجتياز القناة في اكبر صفعة عسكرية لاسرائيل، هذه المفاجاة دفعت الجيش الاسرائيلي لجدل عنيف حول اسلوب التعامل الامثل.

وبدا شارون يروج في الاوساط العسكرية ان هيئة الاركان وقائد المنطقة الجنوبية اللواء شموئيل غونين اخطاوا حينما لم يتبعوا خطته المسماة (عش الحمام) والتي تهدف الى حماية الخطوط الامامية لقناة السويس عبر قوات نظامية، والقيام بضربة وقائية يقودها سلاح الجو الاسرائيلي ضد المضادات الجوية المصرية.

وبصفته قائدا للمدرعات اقترح شارون على اللواء يسرائيل طال مسؤول شعبة الاستخبارات شن هجوم في القنطرة واجتياز قناة السويس من الجانب الاخر. الا ان هيئة الاركان اعتمدت خطة مخالفة تقوم على هجوم مضاد وحذر، يقضي على القوات المصرية التي اجتازت القناة دون ان تحاول تشكيلة شارون عبور القناة.

وفي العاشر من اكتوبر تولى بارليف القيادة الفعلية للجبهة الجنوبية، حيث كان الجيش قد اكمل في الجبهة الشمالية عمليته ضد الجيش السوري الى ما بعد الحدود الدولية كما تم تدمير نظام الدفاعات الجوية مما افسح المجال لمواجهة الجبهة المصرية.

وهنا عاد شارون للتاكيد على وجوب توسيع الثغرة بين الفرقتين المصريتين الثانية والثالثة وعبور القناة للضفة الغربية، الا ان هيئة الاركان ووزارة الدفاع فضلا العمل على الجبهة السورية وشن هجوم واسع النطاق في عمق الاراضي السورية وتهديد العاصمة دمشق واكتفاء تشكيلة شارون في الجهة الجنوبية بصد الهجمات المصرية.

ظل هذا الوضع على حاله حتى يوم الرابع عشر من اكتوبر، لكن ايام الانتظار هذه افقدت شارون صوابه خاصة مع اعتقاده ان اي تاجيل في شن هجوم مضاد سوف يمكن مصر من تنظيم صفوفها وترسيخ تمسكها على ضفة القناة الشرقية الى حين التوصل لوقف لاطلاق النار بضغوط من المجتمع الدولي.

وفي ظل ذلك تناهى الى مسامعه الانباء التي تتحدث عن امكانية اقالته من قبل قيادة الجيش بسبب خلافاته مع هيئة الاركان، مما جعل شارون ينظر لتلك الشائعات باعتبارها محاولة للتاثير عليه خلال الانتخابات المؤجلة لما بعد الحرب.

امام كل ذلك ازدادت قناعة شارون بان عبور القناة وابادة بطاريات الصواريخ المصرية والوصول الى عمق الفرقتين الثانية والثالثة لا يمكن ان يتم الا عبر جسر، وبالفعل تم اعتماد هذه الفكرة حيث طرح بارليف على رئيسة الحكومة غولدا مائير خطة العبور ليلة الخامس عشر من اكتوبر والتي تقوم على تعزيز تشكيلة شارون بلواء مظليين للسيطرة على راس الجسر في الضفة الغربية للقناة في منطقة الدفرسوار، ونقل فرقة مظليين وفرقة مدرعة الى الضفة الغربية اثناء الليل لتعمل على حماية راس الجسر.

وبعد ان تقوم تشكيلة شارون بانشاء راس الجسر على طرفي القناة وتعبر طريقها، يتاح لتشكيلة القائد ادان اقتحام العمق المصري، على ان تكون مهمة شارون اللاحقة توسيع خط التماس بين الفرقتين الثانية والثالثة.

وبالفعل اتبعت القيادة الجنوبية هذه الخطة التي مكنت القوات الاسرائيلية من الوصول لحافة القناة، الامر الذي جعل المصريين يعتقدون ان اسرائيل تحاول الاستيلاء على منطقة المزرعة الصينية ولم يعتقدوا ان الخطة تقضي بعبور القناة في العمق المصري، وفي الساعة الواحدة من ليلة السادس عشر من اكتوبر امر شارون اللواء «داني مات» بعبور القناة.

وبعد نصف ساعة ابحرت الزوارق المطاطية بمعداتها من الضفة الشرقية الى الضفة الغربية من القناة، وفور رسوها على الجانب الاخر فجّر المظليون عبوة انبوبية مزقت الاسلاك الشائكة ورسخت القوات الاسرائيلية وجودها على الضفة الغربية لقناة السويس.

وعند الساعة الخامسة من فجر يوم السادس عشر من اكتوبر توجه شارون وبرفقته قوة طلائعية من عشر دبابات الى احدى التلال القريبة من القناة ونزل من احدى المدرعات.

واشار الى سائق الجرافة باتجاه نقطة محددة في التلة الترابية ليعمل على ازالتها، وحين فشل في ذلك، قصد شارون الجرافة بنفسه وحل مكان سائقها ليريه كيف يفعلون ذلك، مسقطا التلة في مياه القناة، وهكذا فشلت القوات المصرية في سد الثغرة.

وتحول وجه الحرب في سيناء، ولاول مرة منذ بدء الحرب في السادس من اكتوبر يتمكن الجيش الاسرائيلي من شن هجوم مضاد في العمق المصري قالبا موازين القوى، وهنا اراد شارون اكمال العبور الا ان هيئة الاركان وقيادة المنطقة الجنوبية رفضوا ذلك، بحجة ان الجسر الذي اقامته تشكيلة شارون ضيق وضعيف .

ولن يكون بالامكان نقل القوات الى الضفة الاخرى ومواصلة القتال، اذ قد ينصب المصريون كمينا قاتلا لهم، لكن شارون يدرك ان الامر لا يتعلق بالنواحي العسكرية كما تدعي هيئة الاركان، بل هناك اعتبارات سياسية محضة، اذ انهم لا يرغبون ان يجتاز القناة مبتعدا عن سيناء.

وفي السابع عشر من اكتوبر وبينما كانت الجبهة مشتعلة تماما صرخ احد الضباط باتجاه شارون محذرا اياه، وبحركة سريعة خفض شارون راسه وانبطح داخل ناقلة جنود مما ادى الى انقاذ حياته، اذ سقطت قذيفة مصرية خلف مجنزرته.

وما هي الا ثوان معدودة حتى سمع دوي انفجار هائل على مقربة من المجنزرة، فارتطم راس شارون بالرشاش الثقيل المثبت في المدرعة وغطت وجهه الدماء فاقدا الوعي لبضع ثواني.

استمرت الحرب بين كر وفر دون ان يتم حسمها لاي من الطرفين الى حين اعلن مجلس الامن في الثاني والعشرين من اكتوبر قراره رقم 338 والذي يتضمن وقف اطلاق النار، ولان شارون كان لا يزال على ارض المعركة يواصل مسيره باتجاه مدينة الاسماعيلية بهدف اكمال محاصرة الجيش الثاني، عمل كل جهده لمنع اسرائيل من الموافقة على قرار 338.

ولاجل ذلك اجرى اتصالا مع عضو الكنيست مناحيم بيغن طالبا منه الضغط على غولدا مائير لرفض قرار 338، ولكن دون جدوى حيث تم الالتزام بقرار وقف اطلاق النار.

*ملك اسرائيل

في اعقاب ذلك تصاعدت شعبية شارون لدرجة كبيرة، وبدات مركبات تشكيلته تجوب مناطق سيناء تحمل لافتات كتب عليها (اريك ملك اسرائيل). حتى ان هذه العبارة انتشرت في كل الطرق والمحاور حتى في اوساط جنود الاحتياط كان اريك ملك اسرائيل.

لقد اصبح شارون المنتصر الاول في هذه الحرب، على الاقل في اوساط الجمهور الاسرائيلي، فهو الرجل الذي عبر قناة السويس وحسم المعركة في وجه الجيش المصري على خلفية التقصير الاستخباراتي وعدم جاهزية الجيش للحرب.

وفي ظل تلك الاجواء تصاعدت حرب الاتهامات بين الجنرالات حتى ان اللواء افراهام ادان شن هجوما على شارون قائلا: لقد حاول شارون اجتياز القناة باي ثمن من اجل الحصول على المجد، واحاط نفسه بزمرة من الصحافيين الذين زرعوا انطباعا عنه بانه قادر على قتال الارواح الشريرة والشياطين والاشباح وانه هو من حقق النصر في نهاية الحرب.

وبعد مرور ثلاثة اشهر على الحرب وتحديدا في شهر ديسمبر 1974 اصدر شارون بيانا خاصا لجنوده اعلن فيه عن تسريحه من الخدمة العسكرية وخلافا للاجراءات المتبعة في صفوف الجيش لم يعمل على اخذ مصادقة رئيس هيئة الاركان.

الامر الذي تم تفسيره باعتباره اجراء سياسيا يهدف لكسب ود الجماهير، خاصة انه عقد بعد ذلك مؤتمرا صحافيا في تل ابيب استهزا خلاله بحزب العمل الذي قاد مفاوضات مع مصر لوقف اطلاق النار وفصل القوات.

وتوجه بعدها الى ميدان ملوك اسرائيل للمشاركة في اجتماع احتجاجي تحت عنوان «الانسحاب مقابل لا شيء من قناة السويس» حيث القى كلمة اثناء الاحتجاج جاء فيها «انسحاب جيش منتصر تقوده حكومة مهزومة» في حين هتف المشاركون «اريك ملك اسرائيل».

بعد انتهاء حرب 1973 استقالت غولدا مائير من منصبها وانتخب اسحق رابين رئيسا لحزب العمل ورئيسا للحكومة لحين اجراء الانتخابات المؤجلة بسبب الحرب.

وفي صيف 1974 اصبح شارون مستشارا لرئيس الوزراء اسحق رابين، حيث استمر في منصبه مدة تسعة اشهر كانت بمثابة فترة تدريب مكثفة تعلم خلالها كيفية صنع القرار في اسرائيل استعدادا لتوليه سلسلة من المناصب الوزارية.

وقبل استقالته من منصبه كمستشار لرئيس الحكومة طرح مشروعا سياسيا خاصا به تحت عنوان «النقاط الخمس» والذي فصله على النحو التالي:

1 - ينبغي على حكومة اسرائيل الاعلان عن حالة طوارئ في الدولة.

2 - تشكيل حكومة وحدة وطنية تضم عشرة وزراء فقط.

3 - تنفصل اسرائيل عن وزير خارجية الولايات المتحدة «هنري كيسنجر».

4 تقوم الحكومة باعداد الدولة لحرب متوقعة.

5 - تقوم الحكومة باستيطان مناطق يهودا والسامرة وقطاع غزة عبر بناء سلسلة من المستوطنات على نطاق واسع.

الا ان رئيس الحكومة رفض هذه الخطة عندها استقال شارون من منصبه في مارس 1975 وبدا من جديد الاستعداد للانتخابات المقبلة والتي نظر اليها باعتبارها فرصة لاحداث انقلاب.

وتحول سلطوي جذري وذلك في اعقاب سام الجمهور من هيمنة حزب العمل منذ عام 1948، ولان علاقته الدافئة مع رابين ساهمت في توتير علاقته مع بيغن وسمحا ايرليخ رئيس ادارة الليكود، لم يتمكن من العودة الى صفوف الحزب.

حيث عارض «ايرليخ» ذلك بشدة قائلا «شارون ليس قادرا على العمل ضمن طاقم، انه غير مناسب للسياسة في اي حال من الاحوال»، عندها ادرك شارون صعوبة ضمان مكان له في قائمة الليكود، وخلال الاشهر الاولى من عام 1976 بادر الى التحدث مع عدد من الشخصيات بهدف تجنيدهم لاقامة حزب جديد بزعامته.

ومن ابرز هؤلاء «عيزرا وايزمان، مئير عميت، اهارون يريف، حاييم لاسكوف، يوفال نئمان، ستيف فاريتهايمر». الا انه لم ينجح لكنه احاط نفسه بمجموعة اخرى منها رفائيل ايتان وعزرا زوهار فانشا في بداية عام 1977 حزبا جديدا اسماه «شلوم تسيون».

لقي الحزب في البداية استجابة كبيرة جدا، حيث امّ مكتب الحزب في تل ابيب عدد كبير من المعجبين بشارون، وخلال مؤتمر صحافي عقده للاعلان عن تشكيل حزبه الجديد قال:» الليكود ليس افضل من العمل»، متعهدا بعدم العودة الى صفوف الليكود حتى لو فشل في الانتخابات، ومما شجعه على ذلك استطلاعات الراي الاولى التي اظهرت فوز حزبه بثمانية مقاعد في انتخابات 1977.

ولكن لسوء حظه بعد اقل من شهر على تشكيل حزبه نشات حركة جديدة تدعى حركة «داش» بزعامة البروفيسور يغال يدين تنوع قادتها بين عسكريين واكاديميين واقتصاديين، وهكذا كلما تعاظمت مكانة داش كلما هبطت مكانة حزب شارون الذي واجهته صعوبة في ايجاد التمويل المناسب لحزبه الجديد.

وبدات خيبة الامل تتسرب الى نفس شارون في اعقاب ظهور نتائج استطلاع خاص للراي طلبه شارون، حيث ظهرت الحقيقة المؤلمة بان حزبه سوف يحصل على مقعدين بصعوبة بالغة، وحتى يبعد الياس عن نشطاء حزبه اخفى عنهم نتيجة هذا الاستطلاع، الذي تبعه استطلاع اخر وصلت نتائجه للاعضاء مما اصابهم بالياس خاصة مع تراجع المتبرعين عن تقديم الاموال.

وبالفعل بدات تظهر علامات الانهيار على شارون الذي اخبر زوجته ليلي بانه يعتزم ترك الحياة السياسية، لكنها شجعته وطلبت منه مواصلة العمل وبادرت هي لبث روح الحماسة حينما توجهت برفقة الاولاد عمري وجلعاد الى مكتب حزب شلوم تسيون في تل ابيب وبدات بتنظيف المكان.

وفي غضون ساعات انبعثت روح الحماسة من جديد في نفوس الجميع باستثناء شارون الذي استمر يتجول حزينا كئيبا لانه يعلم مصير حزبه الجديد، لذلك قرر الخلاص من هذه الازمة عبر محاولة دمج حزبه ضمن قائمة الليكود، فوافق بيغن على ذلك لكنه اكد وجوب مشاورة يتسحاق تمير مسؤول هيئة التنظيم في الليكود .

وعيزرا وايزمان مسؤول قسم الاعلام في الحزب وسيمحا ايرليخ، الا ان الذي وقف بشدة امام شارون كان ايرليخ الذي رفض انضمام شارون وقائمته الى الليكود قائلا «شارون كارثة للدولة».

وفي يوم الانتخابات حصل الانقلاب الفعلي حيث حصل الليكود بزعامة بيغن على 43 مقعدا، اما حزب شلوم تسيون بقيادة شارون فبالكاد استطاع الحصول على 947 ,33 صوتا، مما يعني انه اجتاز نسبة الحسم بصعوبة بالغة وحصل على مقعدين فقط، لكن الامر الاكثر اهمية من كل ذلك، هو تعيين مناحيم بيغن له وزيرا للزراعة ورئيسا للجنة الوزارية لشؤون الاستيطان.

*حصار بيروت

حصار بيروت مطلع الثمانينات اثار موجة من الجدل الصاخب وكان نقطة تحول بالنسبة لتعامل وسائل الاعلام الاسرائيلية مع شارون حيث انخفضت نسبة مؤيديه خاصة بعدما قيل ان رئيس الوزراء مناحيم بيغن نفى وجود الجيش الاسرائيلي في بيروت.

وبعد وقت قصير وتحديدا في الثالث عشر من يونيو اتضح كذب ذلك، اذ وصف احد التقارير الصحافية اكتظاظ مركبات الجيش الاسرائيلي في ضواحي بيروت، متحدثا عن الخسائر الهائلة التي صدمت الجمهور الاسرائيلي.

وبعد مرور تسعة ايام على بدء الحرب ازدادت الصدمة مع اعلان رئيس الاركان «رفائيل ايتان» عن مقتل 170جنديا وجرح 700 اخرين، ولم تلبث الامور حتى تصاعدت حينما اعلن مسؤول شعبة الموارد البشرية موشي نتيف عن قتل 214 جنديا وجرح 1114 اخرين.

وتصاعدت الامور مع وقف المعارك في مناطق البقاع امام الجيش السوري وتوجه اسرائيل نحو بيروت التي يتواجد بها حوالي خمسة عشر الف فدائي مسلح، لقد اراد الجيش عزلهم عن العالم الخارجي وقطع طريق بيروت دمشق امامهم.

وظن شارون الذي كان يشغل منصب وزير الدفاع انذاك ان تحقيق ذلك الامر ممكن عبر التعاون مع الكتائب المسيحية فتوجه نحو بشير الجميّل وعقد لقاءا سريا معه، طالبا منه التدخل بشكل فاعل ضد الفدائيين، الا انه رفض ذلك وفضل الوقوف جانبا الى ان تقوم اسرائيل بالعمل الاسود لصالحه ويجني هو الثمار.

لذلك اقترح شارون على الحكومة حلا وسط يقوم على حصار المناطق التي يتواجد بها الفدائيون وفصل تلك المناطق عن الجزء المدني من بيروت حيث يعيش السكان العاديون، مع احتلال منطقة حرش بيروت صادقت الحكومة على هذا الاقتراح في الثامن عشر من يوليو 1982 الا انها طلبت من لجنة وزارية مصغرة تحديد موعد التنفيذ وبسبب معارضة الاحزاب الدينية المشاركة في الائتلاف الحكومي تلاشت هذه الخطة.

لكن شارون لم يقتنع بذلك لانه امن بان حصار بيروت واقتحامها سيمكن الجيش من طرد الفدائيين نهائيا من لبنان واعادة السوريين الى دمشق وتنصيب نظام حكم مسيحي معتدل في لبنان يقبل توقيع معاهدة سلام مع اسرائيل.

من هنا اتخذ شارون قرار اشكاليا بالاستمرار في حصار بيروت مما قلب الصورة تماما، فزعيم حركة التحرير الوطني الفلسطيني ياسر عرفات المحاصر مع مقاتليه في بيروت اصبح في نظر العالم مقاتلا شجاعا من اجل الحرية ويناضل باسم ابناء شعبه ضد جيش محتل لارضه.

وبهذا بدات صورة عرفات كارهابي تتلاشى،الى درجة ان العالم اخذ يعتبره زعيما بطلا للشعب الفلسطيني، واخذ عرفات يحتفل على حساب شارون الذي سبب المزيد من التمزق في مجتمع تسوده مظاهرات احتجاجية صاخبة في القدس وتل ابيب ضد سياسة شارون في بيروت.

*مجزرة صبرا وشاتيلا

لكن المشهد لم يعد مستقرا بعد اغتيال بشير الجميّل وفي صبيحة الخامس عشر من سبتمبر 1982 دخل الجيش الاسرائيلي غرب بيروت بقرار مشترك من وزير الدفاع شارون ورئيس الحكومة بيغن، وفي ليلة 16-17 سبتمبر سمح الجيش لحزب الكتائب باقتحام مخيمي صبرا وشاتيلا مرتكبين مجزرة كبيرة ادت لقتل مئات النساء والاطفال والشيوخ متجاوزين طلب الجيش الاسرائيلي بمحاربة الفدائيين فقط.

مذبحة صبرا وشاتيلا التي اثارت العالم حتمت على الحكومة الاسرائيلية تشكيل لجنة تحقيق رسمية برئاسة رئيس المحكمة العليا القاضي يتحساق كاهان والمستشار القانوني السابق للحكومة اهرون باراك واللواء احتياط يونا افرات، بغرض بحث كيف وقعت المجزرة على مراى من الجيش وتحديد مسؤولية تسعة اشخاص كان من بينهم وزير الدفاع ارييل شارون، ورئيس الحكومة مناحيم بيغن، ورئيس الاركان رفائيل ايتان.

في بداية التحقيقات عينت وزارة الدفاع المحامي «دوف فايسغلاس» والذي كان يخدم في القسم القانوني للوزارة كاحتياط، للدفاع عن شارون، ولكن لجنة كاهان اعترضت قائلةً لا يمكن ان يتم تمثيل شارون من قبل محام تابع للدولة، فتوجه شارون للمحامي شموئيل تمير طالبا تمثيله في لجنة التحقيق الا انه رفض، فعاد فايسغلاس والذي كان قد انهى خدمة الاحتياط في وزارة الدفاع لتمثيل شارون بالتعاون مع المحامي تسفي تيرلور، ومن ذاك اليوم جمعت بين شارون وفايسغلاس علاقة وثيقة انتهت بتعيين فايسغلاس مستشارا لرئيس الوزراء شارون لاحقا.

تحقيقات لجنة كاهان القت المسؤولية المباشرة على شارون قائلةً (ان من واجب وزير الدفاع بصفته سياسيا مسؤولا عن الشؤون الامنية لاسرائيل وكونه وزير شارك بشكل فاعل في الاجراءات السياسية والعسكرية خلال حرب لبنان، ان ياخذ في الحساب جميع الاعتبارات والاحتمالات لادخال الكتائب الى مخيمات اللاجئين.

وعدم تجاهل احتمالية قيام الكتائب بتنفيذ مجازر ضد المدنيين، من هنا يتبين لنا ان وزير الدفاع وقع في خطا كبير لتجاهله امكانية وقوع حوادث انتقامية من الكتائب ضد المدنيين في المخيمات).

واوصت اللجنة بتحديد المسؤولية الشخصية لكل من رئيس الحكومة ووزير الخارجية ومسؤول الموساد دونما الحاجة الى اتخاذ اجراءات اخرى، اما رئيس الاركان والذي يتحمل جزءا كبيرا من التقصير وفق ما اوردته اللجنة فلم يتم اصدار توصية خاصة ضده لانه على وشك انهاء منصبه، اما مسؤول شعبة الاستخبارات فاوصت اللجنة بعدم مواصلة عمله.

وتم ايقاف العميد عاموس يرون عن الخدمة القيادية في الجيش لمدة ثلاثة اعوام، في حين اوصت اللجنة ان يستخدم رئيس الحكومة جميع صلاحياته في نقل وزير الدفاع ارييل شارون من منصبه، وبالفعل اتخذت الحكومة قرارها في العاشر من فبراير 1982 حيث تم اقالة شارون من منصبه كوزير دفاع وبقي في الحكومة وزيرا بلا حقيبة.

وعلى الرغم من الاتهامات التي لاحقت شارون وعمليات المضايقة التي تعرض لها هو واولاده والعبارات المكتوبة على طول طريق تل ابيب الى مزرعته والتي تقول «شارون قاتل» الا انه عاد للحياة السياسية، وقدّم العديد من المشروعات، فخلال توليه منصب وزير الاسكان والبنى التحتية في عهد حكومة اسحق شامير تبنى خطة طموحة لاستيعاب نصف مليون مهاجر بين عامي 1990-1992 ليساهم في زيادة سكان اسرائيل بحوالي 20% .

كما اقترح بناء 400 الف وحدة سكنية خلال خمس سنوات لاستيعاب المهاجرين الجدد، كما خطط ايضا لوضع 50 الف كرفان من البيوت الجاهزة في انحاء مختلفة من الضفة الغربية لاستيعاب موجة الهجرة الجديدة.

وفي منتصف اكتوبر 1990 قرر شارون بصفته مسؤولا عن جهاز استيعاب الهجرة انشاء 17 الف شقة جديدة، خمسة عشرة الفا منها في محيط القدس خارج الخط الاخضر، متجاهلا تعارض ذلك مع الالتزامات التي قطعها وزير الخارجية دافيد ليفي للادارة الاميركية، قائلا «في القدس لا يوجد خط اخضر».

هذا ويحسب لشارون حينما تولى حقيبة البنية التحتية في عهد حكومة بنيامين نتنياهو اجراء اتصالات مع العديد من الدول لشراء الغاز الطبيعي حتى لا تكون اسرائيل مرتبطة بمصدر وحيد للطاقة، وخلال تلك الفترة اعد الكثير من المشاريع لحل مشكلة المياه في اسرائيل، والامر الاكثر اهمية هو البناء في جبل ابو غنيم.

حيث سعى شارون لاقناع نتنياهو بفكرة بناء ضاحية سكنية في جبل ابو غنيم الا ان نتنياهو عارضه في بداية الامر مما دفع شارون للقول : «انا اوصيك خلال لحظات الهدوء، ينبغي التصرف بهدوء»، وهكذا نشات مستوطنة هارحوما.

شارون الذي لم يفلح في تحقيق حلمه الاول في ان يصبح رئيسا للاركان وتعرض للاقالة من منصبه الثاني الذي حلم به كوزير للدفاع، لم يتعرض يوما للياس وهو يواصل المسير ويتجه نحو رئاسة الحكومة مرة تلو اخرى.

Email