الإبداع الشفاهي

ت + ت - الحجم الطبيعي

إن تتبعنا الأمثال العربية القديمة، وهي لون من ألوان الحكمة وجزء لا يتجزأ من أدب الشعوب، فإنها بلا شك تحتاج إلى دراسات نقدية وتفسيرات جديدة لتلك الأقوال المختصرة، وسوف نضيف حتما لمشهدنا الحالي والمقبل إن قمنا بذلك، نضاعف ما لدينا من مواد بحثية جديدة ومغايرة عن الثقافة العربية السالفة لهذه الأمثال البعيدة التي كانت تراعي قولها البليغ في التأثير والتذكير والوعظ والزجر.

قرأت قبل أيام جزءاً من هذه الأمثال العربية القديمة، والتي تعود بعضها إلى أكثر من ألف وخمسمئة عام، أبت أن تموت ومستخدمة إلى الآن، لأمضي في بحثي عن المزيد منها.. ومن المفرح أن أجد باحثين عرباً وقدماء، قد احتفوا بأمثالهم تدويناً، كونها تستحق الدرس والشرح، كما هو في كتاب «الجوهرة في الأمثال» الذي تم جمع معظم الأمثال العربية فيه، وكذلك كتاب «العقد الفريد» الذي يحوي على باب خاص للأمثال العربية المؤثرة..

ولأن الأمثال جزء من فصاحة العرب، فإنها قد دخلت في المنظومة التربوية بين الأسر العربية السابقة كبقية شعوب الأرض، استطاعت أن تهضم كل أحوالهم من مواساة وشجاعة وقُدرة ونصح، وقلما تحمل في معناها الوصف غير المستحب، تكتفي التلميح أو الإيحاء تبقى أمثالنا مثلها مثل المجتمعات الأخرى، توضح كينونتها وآدابها ومشاعرها مظاهر وحياتها.

بعد المزيد من الولوج في الأمثال، بدت تتضح لي معالم طبيعة ذلك الزمن وطريقة تفكيرهم، من أمثال ضعيفة الرؤية إلى أمثال ترتقي بنبل من أطلقها، كالمثل القائل: «الناس أتباع من غلب»، يقال غالباً في المجتمعات غير المستقرة تلك التي تحيا في ميادين الحرب والغزوات.

وفي الوقت الحاضر، ثمة مَثَل مستفز يقول: «القرد في عين أمه غزال»، ومثل لم يعد مقنعاً إطلاقًا مثل: «أكبر منك بيوم يعرف عنك بسنة»، إلى مثل يرتقي ليحث على العلم والمعرفة: «العلم يجدي ويبقى للفتى».. وبين هذه الأمثال المتباينة، فإن كلها برأيي تعبر عن المستوى الأدبي والسلوكي والنفسي للمجتمعات..

تبقى مهمة وإلا لما انتقى بعض شعراء العرب أمثالاً جزيلة المعنى، ليؤلفوا منها أبياتاً وقصائد، بل إن هناك أمثالاً بلغت من العناية أنها أصبحت تماماً كالقول المأثور.

 

Email