شخصيات غريبة

ت + ت - الحجم الطبيعي

تُعد الآنسة هافيشام من أغرب الشخصيات التي صاغها قلم ديكنز. حيث وصفها في روايتة «آمال عظيمة»، بالمُسنة الحانقة التي تشبه شبحاً كئيباً. بعد أن هجرها عريسها الذي كان طامعاً في ثروتها قبل عرسهما بعشرين دقيقة، أمرت بأن تتوقف جميع الساعات لحظة علمت بخيانته، وعاشت بقية حياتها مرتدية فستان الزفاف وبفردة حذاء واحدة. رغم أنها شخصية ثانوية، فلا يمكن للقارئ إلا أن يتذكرها، ولا يمكن لها إلا أن تؤثر فيه.

كذلك الحال مع دانيال كويلب، القزم أحدب الظهر، الذي يأكل البيض كاملاً بقشره، ويسيء معاملة زوجته، ويملك ابتسامة مروعة، ويهدد بالضرب بقضيب من حديد، والخدش بأظافر صدئة، وبقرص عينك، إن أنت تحدثت إليه! دانيال من رواية متجر الفضول القديم، هو أكثر ما كتب ديكنز من الشخصيات شراً، وهي شخصية تعلم كم من السوء والقسوة تحمل للآخرين، بل وتصرح بذلك.

ابحث عن ويلكنس ميكاوبر من رواية دايفيد كوبرفيلد، وعن فاجن من رواية أوليفر تويست، وعن فينسنت كراميلز من رواية نيكولاس نيكلبي، وغيرهم، فيمن حولك، فعلى الرغم من براعة ديكنز في التصوير، وفي طرح القضايا التي يُثقل بها كاهل الواقع، إلا أن أهم ما يميزه، هو قدرته على بناء الشخصيات، حتى قاربت كثير منها الواقع، وأصبحت أكثر حقيقة وخلوداً من غيرها من الذين عاشوا خارج مساحة الورقة والحبر.

يعد تشارلز ديكنز أعظم الروائيين الإنجليز على الإطلاق. حمل قلمه صوت المحرومين والأيتام والمظلومين في إحدى أصعب وأقسى العصور التي مرت بها إنجلترا، العصر الفكتوري. عاش ديكنز طفولة صعبة، بين غياب الأب الذي أدخلته الديون والفقر والسجن وبين اضطراره للعمل وترك الدراسة لإعالة إخوته الستة الصغار، فلم يكن بذلك بعيداً عن صورة العالم المؤلم، الذي تقدمه أغلب رواياته وقصصه القصيرة. كان مُصلحاً اجتماعياً، طالب بتحسين أوضاع المجتمع المزرية.

وُلِد ديكنز في السابع من فبراير، فلا أقل من تخصيص هذه الحروف لمن لا تزال تُعاد طباعة أعماله الخالدة بمعظم اللغات، ويُدرس أدبه في المدارس والجامعات حول العالم. إن لم تكن قرأت له «أوليفر تويست» أو «قصة مدينتين» أو «دايفيد كوبرفيلد» أو «أوقات عصيبة» أو «آمال عظيمة»، فلن تعرف معنى أن تُشير إلى شخص تعرفه، وتُذكرك به إحدى شخصيات ديكنز المعروفة، بقرب صورتها من الواقع وعمقها، وحتى عاطفيتها المفرطة، وإغراقها في المبالغة.

Email