الخيار لنا

ت + ت - الحجم الطبيعي

هناك انبهار غير طبيعي بصور القتل والموت والتعذيب، وهذا على ما يبدو ليس حديث العهد عند بني الإنسان، فقد استغلت شركات هوليوود السينمائية افتنان الإنسان بهذه المشاهد في أفلامها، ويبدو أن مجال المشاهدة قد توسع الآن في ظل انتشار وسائل التواصل الاجتماعي، بل ويشعر المرء في ظل الثقافة الاخلاقية المعاصرة، أن جهدا كبيرا يبذل لايجاد أشكال جديدة لاشباع هذه الرغبة لهذا النوع من الصور، حيث اصبحت منافذ مثل فيسبوك وتويتر وغيرها اسواقا للتلصص على الموت والالم.

يقول علماء النفس إن الإنسان عند النظر الى هذه الصور، فإنه ينظر إلى الجانب المنفر المخيف غير المنتظم في الحياة الإنسانية، وهذه المشاهد تثير فيه نوعين من المشاعر المتناقضة، إحساس بالذنب ممزوج بالمتعة. كما انه بموازاة ذلك لديه رغبة أكيدة في إشراك الآخرين في التحول الى شهود معه على عمليات القتل، كما لو أن ضم المزيد إلى الحشد الهائج المنبهر بمشاهد الموت يشعر الإنسان بالأمان. ويحدث أحيانا أن يقوم الناس بمشاركة مثل تلك المشاهد والصور، رغم نفورهم منها، قبل ان تنتابهم مشاعر الذنب، لاجبار آخرين على مشاهدتها.

والقلق بشأن ما إذا كان من الجائز النظر الى لحظة وفاة أحدهم شغل بال أجدادنا، وكان سببا لجدل أخلاقي واسع وسط إدارة الصحف والتلفزيونات، وادى الى كتابة قواعد عامة اخلاقية بشأن نشر مثل هذه الصور.

غير أنه في ثقافتنا المعاصرة، نجد كماً هائلاً من تلك الصور على صفحات الإنترنت، وهذه الشبكة عممت التساهل مع هذه المشاعر الخاصة الكامنة وجعلتها مقبولة على المستوى الجماعي.

وهناك بالتأكيد نوع من انفصام في حياتنا الاخلاقية يجري توسيعه الآن. منذ مدة قصيرة طلبت عائلة أحد الصحافيين ممن قطعت رؤوسهم في سوريا، إحلال صورة فوتوغرافية لملامح وجه ولدهم وهو يبتسم معافى أمام الكاميرا، بدلا من الصور المخيفة التي تصور مصيره. وإذا كانت هناك هوة فعلا بين ذاتنا الطيبة والشريرة، فأي جانب سنختار، يا ترى؟

Email