ضحايا وطغاة

ت + ت - الحجم الطبيعي

أفردت الصحف الغربية صفحات كاملة لدراسة الأسباب التي تدعو مجموعة من النساء والفتيات إلى مغادرة أوروبا للالتحاق بتنظيم «داعش» في سوريا، على الرغم من أن الأسباب نفسها قد تكون وراء قيام شباب ذكور بالرحلة نفسها، وحتى بأعداد أكبر. أما مراد الاستغراب بالنسبة لتلك الصحف فهو أساساً معرفة أن تلك الفتيات لا يمكن أن تكن جاهلات بالمصير الذي ينتظرهن، وأنهن تخلين عن فرصة تمتعهن بالحرية وفضلن الهروب إلى سوريا، ليعشن حياة كاملة من الخضوع والتمييز ضدهن، فمن المؤكد أن تلك الفتيات درسن قرارهن بعناية قبل أن يخترن السفر إلى سوريا، وبالتالي كان تصرفهن عقلانياً، وإن كانت لكل منهن دوافعها الخاصة.

كن على علم بتزويجهن إلى مقاتل قد يستشهد في أي لحظة، وسينعزلن في وظيفة العمل المنزلي وإنجاب الأطفال لمجتمع الخلافة، ولا بد من أنهن سمعن عما حصل بأخريات تم بيعهن في سوق النخاسة. ومع ذلك قررن المجيء.

تفيد بعض التحليلات بأن بعضهن كن يعيشن في الغرب ظروفاً مشابهة كما في ظل «داعش»، مهمشات منعزلات ومحرومات من اتخاذ أي قرارات بشأن حياتهن، وقد شكل هروبهن ولجوؤهن إلى النصوص الدينية وسيلة لرفع مكانتهن في العائلة.

وتحليلات أخرى تحدثت عن أن بعضهن كانت لديهن فكرة رومانسية عن الحرب والمحاربين، أو اعتقدن أنهن يشاركن في مهمة إنسانية، لكن ما يشير إليه اتخاذ قرار شخصي هام على هذا المستوى، هو أن معظمهن كن منجذبات للعب هذا الدور، وكن منخرطات سياسياً بقدر الرجال في هذا المشروع.

ترعرعن في الغرب حيث كانت تزداد مشاعر التحامل والكراهية تجاه المسلمين، والإحساس بفقدان الهوية، ومع الوقت كبرت المظالم والإهانات، و«داعش» لعب على وتر الرومانسية المثالية لدى الشباب ووهم بناء مجتمع جديد بالكامل. فاعتقدن أنهن ينطلقن نحو فجر جديد، فيما كن قد عدن إلى عصور الظلامية، وانتهى بهن المطاف أن بررن الإرهاب والقتل على أنه بطولة، فتحولن إلى طغاة دمويات وهن ضحايا.

قد تكون هناك أسباب كثيرة لالتحاق الشباب والشابات في هذا المشروع الدموي الشنيع، لكن ما لا يمكن إغفاله هو ما اقترفته السياسة الخارجية الغربية بغزوها هذه المنطقة والتأثيرات العالمية للتحامل ضد المسلمين.

Email