ثنائية المطبوع والرقمي

ت + ت - الحجم الطبيعي

ليس بوسع الصحف الوطنية المطبوعة، أن تطمئن للحال الراهنة، بعد خروجها من عنق الزجاجة، نتيجة تقوّض أخطار تلاشيها بتأثير مشروعات «الصحافة الكونية» التي منيت بفشل ذريع.

ولن يكفيها في سباق المواكبة والتحديث، أن تركز على تجويد قوالب اشتغالها وتحسين تقنياتها وأدواتها، إذ لا مفر لها من التعاطي مع تحدٍ ملح، جوهره تحولها مساقاً تفاعلياً اجتماعياً، يكون موجِّهاً ومرغوباً في خضم الفوضى الإعلامية المعاصرة.

لتغدو، وعبر نافذتيها: المطبوعة والرقمية، منبراً متكاملاً، يقدم جرعات معرفية وإخبارية وترفيهية، قيّمة بناءة، تؤهلها لتعزيز إحساس أفراد المجتمع بالمكان، وصد رياح الانخلاع الثقافي المفككِ لارتباطهم بمحيطهم.

معادلة عمل دقيقة وحساسة، تفرض نفسها على صحف اليوم، تندرج بياناتها في كفتين متعادلتين: النجاح في التجربة الرقمية، وعمق المعالجة الصحافية.

ويبدو أن المزاوجة بين هاتين الدعامتين، كفيلة في تموضعها محور جذب واستقطاب، يهيئ نطاقات تواصل وتفاعل تزخر بخدمات الأنباء الآنية، بموازاة توفيرها قدرة الأشخاص على التعبير عن آرائهم، وإسهامهم كفاعلين، لا متلقين فقط.

وطبعاً، شرط أن تقرن الصحف هذا الأساس، بالاعتناء بعمق التناول (ضمن فضاءيها: الرقمي والمطبوع)، والذي بات حصان الرهان الرابح صحافياً. فمواقع رقمية عالمية شهيرة، لا تزال تخصص مبالغ مالية طائلة لاستقطاب كتاب مبرزين ومقالات معمقة. كذلك، لم تتوقف «النيويوركر»، مثلاً، عن رصد مقابل مادي مغرٍ للتقارير الشائقة.

مؤكد أن ضعف التمويل وشح الموارد، سيعترضان طريق الصحف في توجه كهذا، خاصة مع خيارها الانتصار للمسؤولية المجتمعية والتضحية بالربحية. لكن الصواب، هو أن الحكومات ملزمة بالمبادرة إلى دعمها واستثمار إمكاناتها في برامجها التنموية، الفكرية والعامة، على نحو خلاق يطرد شبح تشتت الهوية وتضعضع الانتماء.

Email