آخر من يعلم

ت + ت - الحجم الطبيعي

لا جدال (عقليا) في أن العالم يتغير وموازين القوى تتبدل، تلك حقائق التاريخ وحتمياته «سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا». ولم يعد من باب التخمين (ولا التخبيص) أن العالم يسير حثيثاً نحو نظام دولي جديد، يختلف عمّا بعد الحرب العالمية الثانية، وعن المرحلة الانتقالية التي تلت "نهاية الحرب الباردة".

ما هو شكل النظام القادم؟ وما هي محدداته؟ تلك جدليات لا تزال محل بحث و"في حالة انتظار". لكن المؤكد أن المصالح، كما كانت دائما، ستظل هي القاعدة الثابتة، وأن القوة المتكاملة؛ اقتصاديا وعسكريا وتكنولوجيا وإرادة، هي التي ستحدد مواقع الدول ومكانتها في النظام المُطل.

أما المعايير الأخلاقية والشعارات الخادعة، فلن تكون إلا كما كانت على الدوام، خارج موازين القوى واعتبارات المصالح، منذ أن كانت السياسة، وخاصة منذ أيام ماكيافيللي (1469-1527)، صاحب المقولة الشهيرة ذات الجذور التلمودية: "الغاية تبرر الوسيلة".

لكن أين موقع العرب والمسلمين في عالم المستقبل الداهم؟ صحيح أن كل فرد فينا يحسب نفسه "أمة وحدَه"، لكن الآخرين يعاملوننا على أننا جميعا أمة واحدة، رغم إرادتنا (الغائبة أصلا)، ورغم واقعنا المهزوم والمأزوم.

هنالك بالتأكيد براعم أمل، لكن موسم نضجها وتفتّحها لا يزال غير منظور في المدى القريب، إن كنا متفائلين، رغم استثناءاتٍ قليلة لا تنفي القاعدة وإنما تؤكدها.

لكن الأدهى من ذلك أننا ما زلنا نرى العالم بمنظار ماضٍ آفل، ونحسب الجهل منّة والضلال هُدى.. أو ربما سبقْنا العالم إلى كوكب آخر، وغاب عنا ما يجري على هذا الكوكب البشري!

فإلى متى سنظل نَعْمهُ في الظلام؟ وإلى متى نبقى آخر من يعلم؟!

Email