التسامح في عام الخير

ت + ت - الحجم الطبيعي

اليوم الأحد هو بداية العام الجديد 2017، وأول أيام عام الخير، الذي أطلقه صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، حفظه الله، وفي كلمته اللطيفة، بمناسبة إطلاق عام الخير، قدّم صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، تعريفاً نبيلاً للخير، مستمداً من تجربتنا الإماراتية.

فقال سموه: «الخير الحقيقي هو في إحداث فرق، فرق في حياة إنسان أو حياة مجتمع أو مسيرة وطن، هذا هو الخير، الذي تعلمته من زايد، الخير الحقيقي، الذي تركه هو الفرق الذي أحدثه في حياتنا، وحياة أبنائنا، ومسيرة بلادنا للأبد».

وحين ننظر لواقعنا الإماراتي، وواقع العالم من حولنا نجد أن أحد أهم الأوجه التطبيقية لهذا الخير الحقيقي هو التسامح، وهو جزء أصيل من تراثنا الإماراتي، وسلوكنا اليومي الذي تربينا عليه منذ قرون، وإلا فكيف عاشت كل هذه الأمم على أرض الإمارات حتى قبل نشوء الدولة الاتحادية، وحتى قبل مظاهر الدولة في زمن الإمارات المتصالحة.

ومن يقرأ التاريخ جيداً يعلم أن هنالك شركات أجنبية أسست في دولة الإمارات في القرن التاسع عشر، ولا تزال تعمل حتى اليوم، وفي هذا من الدلالات الكثير، لأنه لو لم تكن طبيعة الشعب الإماراتي قائمة على التسامح لما استطاعت شركات أجنبية مختلفة الثقافة والتفكير وحتى الدين واللغة أن تعيش، وتنجح في الدولة كل هذه المدة الزمنية الطويلة.

ويخطئ من يظن أن مفهوم التسامح هو مفهوم مستورد، بل هو على العكس مفهوم أصيل في ثقافنا وتراثنا وحضارتنا الإسلامية، وقد رأينا كيف أن وثيقة المدينة، التي أقرها رسول الله، صلى الله عليه وسلم، بعد الهجرة تضمنت حقوقاً مدنية لليهود المقيمين في المدينة، ما جعلها أول دستور مدني في العالم، كما أن وثيقتي العهدة المحمدية لمسيحيي إيلاء (العقبة بالأردن)، والعهدة العمرية لمسيحيي القدس عند فتحها تمثلان نقطة ارتكاز رئيسة في تسامح الإسلام مع غير المسلمين، ولطالما مثلتا مرشداً أميناً لنا- نحن الإماراتيين- في تعاملنا مع غير المسلمين المقيمين بيننا، لكن التسامح ليس دينياً.

فحسب، بل هو سلوك متكامل، ولطالما اعتبر العالم دولة الإمارات العربية نموذجاً فريداً من نوعه للتسامح المعاش يومياً، من خلال احترام المقيمين وخصوصياتهم الدينية والثقافية واللغوية والقومية دون تدخل إلا في ما يتجاوز القوانين السارية والأعراف المرعية، وضمن إطار سيادة القانون، واحترام الإنسان.

والتسامح كونه قيمة اجتماعية ومفهوماً وطنياً هو أحد أهم عوامل التحصين ضد التطرف والإرهاب، لأنه يشجع الأفراد على التعامل الإيجابي مع الآخر، وفهمه واستيعابه والتواصل معه بالحسنى امتثالاً لقول المولى عز وجل {ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ۖ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ}، النحل 125.

ولعله من هذا المنطلق جاء تأسيس وزارة الدولة للتسامح، التي كلفت بها معالي الشيخة لبنى القاسمي، وهي شخصية قيادية تحمل الكثير من الرؤى الإيجابية، التي تخدم منظومتنا الوطنية، وتزيد من تفاعلنا مع الأحداث بشكل إيجابي ومنتج.

واسمحوا لي هنا أن أقترح أن تتضمن فعاليات عام الخير مساراً خاصاً لتعزيز التسامح، ونشر مفاهيمه بالتنسيق مع الوزارة، لما في ذلك من جدوى وطنية عظيمة.

Email