ثلاث مشكلات أثقلت كاهل الرئيس الأميركي

أوباما .. غريب في البيت الأبيض

ت + ت - الحجم الطبيعي

من واقع كلمة «الغريب» وهي عنوان هذا الكتاب، يحاول المؤلف شاك تود أن يرسم صورة للرئيس الأميركي باراك أوباما مستوحاة من دلالات هذا العنوان، وخاصة ما يتعلق بسنوات أوباما الست في البيت الأبيض وبصفة عامة في العاصمة واشنطن الحافلة بالأسرار والمشكلات والتعقيدات والمؤامرات. ويتابع المؤلف مسيرة أوباما وأنماط سلوكه خلال حقبته الرئاسية الراهنة وكيف جاء إلى المنصب الأول وفي جعبته الكثير من الرؤى والأفكار والآمال..

وكان في مقدمتها محاولة تضييق الهوة الشاسعة الفاصلة بين الأغنياء والفقراء– المهمّشين في أميركا، وخاصة ما يتعلق بالتأمين الذي يكفل الرعاية الصحية وسبل العلاج، فضلاً عن ضرورات مواجهة الأزمة المالية – الاقتصادية ثم ضرورات التعامل مع التركة الثقيلة، بل الفادحة التي ورثها أوباما عن حقبة سلفه جورج بوش – الابن..

وفي مقدمتها توّرط أميركا من حيث الإمكانات والأفراد في حربين: الأولى في أفغانستان والثانية في العراق بكل ما ينجم عن هذه الأوضاع من مغارم وتكاليف. ثم كان على أوباما- الغريب كما يصفه الكتاب – أن يواجه باستمرار معارضة من جانب الحزب الجمهوري لا تعرف اسلوب التفاهم أو التوافق مع الرئيس الديمقراطي .

مازال الرئيس الأميركي باراك أوباما يتعافى سياسياً بعد ملابسات الهزيمة الانتخابية التي مُني بها حزبه الديمقراطي في انتخابات التجديد النصفي التي شهدها يوم الرابع من نوفمبر، وأفضت، كما صار معروفاً، إلى سيطرة الحزب الجمهوري المنافس والمُعارض على مجلس الشيوخ، فضلاً عن سابق سيطرة الأغلبية الجمهورية على مجلس النواب..

وهو ما يعادل بداهة سيطرة المعارضة على الكونغرس، ومن ثمَّ قدرتها على فرض إرادتها من ناحية، وأيضاً على إعاقة مسيرة أوباما وحزبه من ناحية أخرى على إدارة دفة البلاد خلال السنتين الباقيتين من ولاية الرئيس الأميركي الثانية والأخيرة.

يلفت النظر في هذا السياق أن أوباما وافق على دعوة الظهور في التلفزيون قبل الانتخابات المذكورة بوقت قصير نسبيا. كان ذلك بالتحديد في شهر سبتمبر الماضي، وكانت الدعوة موجهة من الصحافي – الإعلامي شاك تود فيما كانت المناسبة هي باكورة افتتاح برنامج واجه الصحافة الذي تولى تقديمه شاك تود أخيرا.

وبقدر ما كان الرئيس أوباما ودوداً، وبقدر ما أراد أن يجامل شاك تود بوصفه مراسلاً على مدار سنوات في البيت الرئاسي الأبيض، وبقدر ما حقق البرنامج المتلفز بالتالي معدلات عالية من المشاهدة، ومن ثم عائدات الإعلانات، بقدر ما كانت مفاجأة المراقبين السياسيين عندما أصدر الكاتب الصحافي المذكور كتابه المنشور أخيرا تحت العنوان التالي: «الغريب».

صحيح أن الإعلامي الأميركي لم يتورع عن استعارة أو استلاب عنوان الرواية الشهيرة، التي أبدعها الكاتب الفرنسي ألبير كامو (1913- 1960) تحت العنوان نفسه، لكن الأصح أن جاء الكتاب الأميركي الذي نعايشه في هذه السطور مفاجأة صعبة، لأنه يتناول سيرة وأعمال باراك أوباما خلال السنوات الست التي أمضاها في سدة الرئاسة الأولى في بلاده.

عملية تشريح سياسي

ويكاد المحللون السياسيون في أميركا يجمعون على وصف هذا الكتاب بأنه أقرب إلى عملية تشريح لباراك أوباما، وأنه ينطلق – كما تقول ناقدة «النيويورك تايمز» متشكو كاكوتاني- من واقع معادلة اكتملت أركانها في ذهنية المؤلف شاك تود ويقول طرفا هذه المعادلة بما يلي: علينا أن نقيس الوعد على أساس الواقع.

وفي ضوء هذه المعادلة يخلص كتابنا أيضاً إلى أن مشكلة باراك أوباما تتلخص في أنه رئيس لم توضع كل إمكاناته موضع التنفيذ أو موضع الاستفادة كما قد نقول.

وعلى سبيل الإيضاح، يذهب المؤلف في الفصول الاستهلالية من هذا الكتاب إلى أن أوباما جاء إلى منصبه في عام 2008 – بأغلبية مريحة ضد منافسه السناتور المخضرم جون ماكين وفي ظل وعود وآمال كان ملخصها في الداخل هو تضييق الهوّة الفاصلة في الدخل بين أغنياء أميركا ومعوزيها..

وكانت غايتها على صعيد السياسة الخارجية والعلاقات الدولية تحقيق الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط، حيث تكمن المصالح القومية الحيوية للولايات المتحدة، وكانت تطمح أيضاً، وعلى حد ما وعد به الرئيس أوباما – إلى الارتقاء بالتسامي السياسي فوق آفة الحزبية.

هنا يحاول مؤلفنا الإجابة، وكأنه ينطلق من العبارة العربية الشهيرة: فانظر ماذا ترى، أو تأمل ماذا تحقق.

يذهب المؤلف أولاً – مستنداً إلى مصفوفة من الحقائق والأرقام إلى أن ثغرة الدخل والإيراد اتسعت- إلى حد التفاقم في بعض الأحيان بين الذين يملكون في أميركا والذين لا يملكون، ويذهب ثانياً إلى أن منطقة الشرق الأوسط، وبرغم وعود أوباما في خطابه البليغ الشهير في جامعة القاهرة – مكتوب عليها أن تكون أكثر عرضة لزعزعة الاستقرار عندما يغادر أوباما منصبه الرئاسي في عام 2016.

ويذهب ثالثاً إلى أن أوباما سيدخل في سجل الذاكرة الجمعية في تاريخ أميركا باعتبار أن حقبته الرئاسية شهدت أوج العلاقات المتوترة بين الديمقراطيين والجمهوريين وقد شابتها روح التوتر الحزبي إلى حد ليس بالقليل.

هذا الفتى الإفريقي

يكاد قارئ هذا الكتاب يعايش الفتى باراك الذي نشأ – كما هو معروف- من أصول افريقية، وبالتحديد من أب يحمل الجنسية الكينية ثم واصل الابن مسيرته مكافحاً عبر أقطار شتى، إلى أن أهّلته مواهبه وقدراته العلمية إلى الالتحاق بهارفارد، كبرى الجامعات الأميركية، ليدرس القانون ويتخرج بتقديرات مرموقة أهّلته كذلك إلى تولي مواقع التدريس الجامعي.

على مدار هذه المسيرة كان الفتى الأسمر يشق طريقه في إهاب «الغريب» كما يصفه هذا الكتاب إلى أن طالعت جماهير الناخبين سحنته، عندما ظهر على مسرح السياسة القومية الأميركية ولأول مرة خلال انتخابات التجديد للرئيس الأسبق جورج بوش – الابن، وكان منافسه أيامها هو السناتور جون كيري وزير خارجية أوباما..

فكان أن شد اهتمام الجماهير وخاصة بين صفوف الحزب الديمقراطي حين خاطبهم بوصفه – وعلى نحو ما قال وقتها- مجرد شاب له اسم غريب الإيقاع- وسحنة داكنة اللون وأذنان كبيرتان، إلخ، وكان في مثل هذه العبارات ما جعله أقرب ما يكون إلى وجدان الجماهير البسيطة والعريضة..

وكان ذلك إضافة لها قيمتها إلى مسيرة الفتى باراك الذي بدأ نشاطه السياسي في شوارع شيكاغو وبين صفوف جماهيرها، التي ما لبثت أن دفعت به إلى مقاعد الكونغرس ليحمل لقب السناتور عضواً في مجلس الشيوخ ومن ثم إلى موقع رئاسة الدولة، فيما يصفه مؤلف هذا الكتاب بأنه نقلة من التحول في تاريخ أميركا بكل مقياس.

من هنا علقوا الآمال العراض على أوباما رئيساً للدولة، وبرغم أن كثيراً من هذه الآمال لم تجد طريقها إلى التجسيد أو التحقيق، إلا أن مؤلف هذا الكتاب يلتزم جانب الموضوعية حين يعترف بأن الرئيس أوباما سرعان ما تَعيّن عليه أن يواجه العديد من التحديات التي ورثها من حقبة بوش السابقة. وتلخصت بالذات فيما يلي:

• اقتصاد مترنح (من جراء أزمة 2008 التي عصفت بالأوضاع المالية- الاقتصادية في وول ستريت الأميركية وما لبثت أن انتقلت فيما يشبه حركة الدومينو لتصيب اقتصادات عديدة في أوروبا الغربية على وجه الخصوص).

• حربان في ساحتي أفغانستان والعراق، بكل ما يعنيه المجهود الحربي من تبعات وأزمات ومسؤوليات ومغارم وتكاليف.

• معارضة آلت على نفسها – كما يضيف مؤلفنا- أن تعوق مسيرة أوباما وأن تحبط كل ما يدعو إليه من إصلاحات – وخاصة في مجال الإنصاف الاجتماعي والرعاية الطبية ما استطاعت إلى ذلك سبيلا.

عن مشكلات الرئيس

يعود المؤلف من هذه النظرة الموضوعية إلى حيث يعاود انتقاداته الموجهة إلى أوباما، الذي يتهمه كاتبنا شاك تود بأنه لم يكن متحمساً في كل مرة للإصغاء إلى مشورة المعاونين، بل إن سلوكه كان يتسم في أحيان كثيرة بصفات التباعد عن المسارات العامة للمشكلات والأحداث والارتباكات والتحولات، فضلاً عن ميل يراه المؤلف في شخصية الرئيس الأميركي إلى المبالغة في سلوك الحيطة والحذر، ولكن بصورة كانت تحول دون اتخاذ ما استلزمته الأمور من قرارات الحسم والقطع في بعض الأحيان.

في هذا المضمار، يحرص مؤلف كتابنا على ألا يطلق أحكامه أو يعّبر عن تصوراته بشكل قد يعكس التحيزات الشخصية. من هنا يحفل هذا الكتاب بالعديد من المقابلات والأحاديث الشخصية التي أجراها المؤلف، وهو صحافي محترف بالدرجة الأولى، مع العديد من أهم الشخصيات التي تستند بدورها إلى تجربة العمل مع الرئيس أوباما.

وكان في مقدمة هذه الشخصيات التي حاورها المؤلف روبرت غيتس وزير الدفاع السابق، وليون بانيتا مدير المخابرات المركزية السابق، ولكل منهما كتاب صادر في الآونة الأخيرة وحافل أيضاً بآراء وانتقادات للرئيس أوباما ولأسلوبه في إدارة دفة الحكم في واشنطن..

وفي السياق نفسه يحيل الكتاب إلى آراء سبق وأن صدرت عن وزيرة الخارجية السابقة هيلاري كلينتون حين أعربت يوماً عن شعورها- أو فلنقل تبّرمها- بأن البيت الأبيض (تقصد أوباما والدائرة الضيقة المتنفّذة من مساعديه) كانوا يميلون دوماً إلى التدخل في كل صغيرة وكبيرة من العمل والنشاط الدبلوماسي وكان تعبيرها في هذا الانتقاد يقول بما يلي:

لقد دأبوا على اتباع اسلوب المايكرو إدارة في التعامل مع العمل الدبلوماسي (بمعنى الإغراق والتدخل في أدق التفاصيل، وهو ما قد يتجاهل أو يستبعد مجاميع المسؤولين مباشرة عن إدارة العمل الدبلوماسي، وقد يؤدي بهم إلى مواقع التهميش).

في كل حال أيضاً، فلا تزال هناك فسحة معقولة قبل أن يتحول أوباما – كما يقول المصطلح السياسي الأميركي- إلى بطّة عرجاء في آخر سنوات الولاية – عام 2016..

ولا شك في أن قراءة مثل هذه الكتب يمكن أن تنّبه الرئيس الأميركي إلى إمكانية تحويل عام 2015 إلى مرحلة لتلافي الأخطاء، وإلى العمل بشكل موضوعي على حلّ جوانب من المشكلات المطروحة وتحقيق قدر من الإنجازات على طريق يفضي إلى قدر من السلام والاستقرار، وخاصة في منطقة الشرق الأوسط.

المؤلف في سطور

شارلز دﻳفيد (شاك تود) صحافي وإعلامي أميركي بات شهيراً ، بعد أن أوكل إليه تقديم واحد من أشهر البرامج السياسية ، وهو برنامج واجه الصحافة المذاع على شبكة «إن. بي. سي». والصحافي تود هو المذيع رقم 12 ممن تولوا تقديم هذا البرنامج على مر تاريخ القناة المذكورة، حيث يستضيف نجوم السياسة وأهل الحكم في المجتمع الأميركي.

ويبلغ المؤلف من العمر 42 سنة، وهو يشغل أيضاً موقع المدير السياسي لخدمة شبكة إن. بي. سي الإخبارية. وقد استند في وضعه لمادة هذا الكتاب، إلى سلسلة المقابلات المتعمقة التي أجراها مع كبار الشخصيات ممن سبقت لهم الخدمة في إدارة الرئيس أوباما .

«نيويورك تايمز» تناقش الكتاب

ألقت صحيفة «نيويورك تايمز» أضواء مكثفة على كتاب «الغريب»، ووصفته بأنه وثيقة اتهام لاذعة لرئاسة باراك أوباما، وقالت إن الصورة الكلية التي يقدمها هي صورة بيت أبيض يتسم بالمركزية الشديدة، ويتردد في الإصغاء للخبراء، ويميل إلى إبعاد أعضاء الإدارة عن الدائرة الداخلية لصنع القرار، ويعجز عن التعلم من أخطائه، وقد بنى المؤلف أحكامه على المئات من المقابلات التي أجراها مع مصادر واشنطن.

باراك جاء إلى واشنطن ليغيرها لكن أمواجها ابتلعته

 لكن على المستوى المحلي- القومي، يرصد المؤلف ما تزامن مع حقبة أوباما من مشكلات سياسية، بخلاف الأزمات الاقتصادية، وفيما جاءت أزمة فيرغسون التي اندلعت في أغسطس الماضي بمثابة حلقة في مسلسل أزمات الدواخل في الولايات المتحدة، وإن اتسع نطاقها بل اشتد آوارها، إذ اكتسبت كما هو معروف أبعاداً عنصرية بين البيض والأفرو- أميركان الملونين..

وقد سبقتها في فترات مضت أزمات استخدام أسلحة القتل الفتاكة لاغتيال تلاميذ المدارس ومعلّميها وهو ما دفع أوباما إلى المطالبة بتغيير اللوائح والقوانين المتعلقة بحمل الأسلحة في أميركا، ورغم قسوة الأحداث فلم تفلح إدارة أوباما في مسعاها في هذا الخصوص، ولاسيما بعد أن ظلت المعارضة الجمهورية ترفع لواء التعديل الثاني للدستور الأميركي، الذي لايزال يجيز حمل السلاح..

فضلاً عما بذلته من جهود للمعارضة أيضاً رابطة – جمعية البندقية الأميركية، وهي المعروفة بأنها أخطر واقوي لوبي مؤثر على السياسات العامة بالولايات المتحدة، حيث تمثل هذه المؤسسة حشداً من المصالح العاتية التي طالما كان لها تأثيرها على سلسلة رؤساء أميركا، وهو ما أدى أيضاً إلى إحباط جهود باراك حسين أوباما، رئيس أميركا رقم 44 في هذا المضمار.

إن هذا الكتاب يركز– على نحو ما يلاحظ المحللون- على سلوك وانجازات وسلبيات رئيس اختاره الناخبون لكي يضفي تغييرات على أساليب الحكم وتحيّزات الحاكمين في واشنطن، بل كان مجرد اختياره يشير في حد ذاته إلى رغبة الجماهير الأميركية في التغيير، حين ابتعدوا عما درجت عليه أعراف السياسة الأميركية من انتخاب رئيس له جذوره الأوروبية، بل الغرب – أوروبية على وجه الخصوص.

وحين منحوا الفرصة لفتى افريقي- الجذور كانوا يعقدون عليه أمنيات التغيير، ورغم أنه حاول، على نحو ما تعرض صفحات هذا الكتاب، إلا أن الظروف كانت هي الأقوى، وكانت في جوهرها ظروفاً فادحة السلبية فكان أن أغرقته موجاتها وهو ما يعبر عنه مؤلف الكتاب في سطور يقول فيها: جاء إلى واشنطن كي يغّيرها فكان أن ابتلعته واشنطن في دواماتها: لم يجد منطق أوباما مجالاً للتطبيق في عصر سادته موجات عاتية من اللا منطق إلى حد بعيد.

Email