الثلاثي النسائي الذي غزا قطاع الأخبار

أسرار في حياة أشهر نجمات الإعلام الأميركي

صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

تتناول مؤلفة هذا الكتاب السيرة الذاتية ومن ثم تطورات المسار المهني لثلاث من أهم النساء اللاتي حققن مزيداً من الشهرة والذيوع في مضمار الإعلام التلفزيوني الأميركي، بشكل عام، وفي مجال التخصص في التلفزة الخبرية من حيث التقارير والتغطية والتحليل والتفسير بشكل خاص. ويعد هذا الثلاثي من أشهر مذيعات المواد الخبرية المتلفزة في أميركا، وربما في العالم..

ويتألف من كل من المذيعة ديانا سوير والمذيعة كاتي كوريك ثم المذيعة كريستيان أمانبور. ويحرص الكتاب عبر الفصل الخاص بكل من عناصر هذا الثلاثي على استعراض المسار الحياتي لكل منهن، ابتداء من مراحل النشأة، ثم مراحل التعليم وبعدها ملابسات الالتحاق بمهنة الإعلام التلفزيوني فضلاً عن التخصص في المادة الإخبارية التي مازالت تحتل مكانة محورية من اهتمامات جماهير المشاهدين.

 وعلى مدار صفحات الكتاب يطالع القارئ كيف أثّرت العوامل الموضوعية، ومنها مثلاً تزامن بدايات كل منهن مع نشوء القنوات الإخبارية المتخصصة، فضلاً عن تطور البرامج الصباحية والمسائية التي تركز على العنصر الخبري ، إضافة إلى ما اتصفت به كل منهن من مزايا نوعية أو نسبية: الجمال والدأب "في حالة ديانا سوير" والدينامية والصلابة "في حالة كيتي كوريك" ثم الطلاقة والموهبة الجسورة في مواجهة الخطر "في حالة كريستيان أمانبور".
 

تحفل معاجم اللغة الإنجليزية بمصطلح (sorority) الذي ينصرف إلى معنى إنشاء روابط أو جمعيات الإخاء بين النساء من مختلف الأعمار والمشارب والاهتمامات والثقافات. وكم شهد التاريخ الإنساني، عبر عصوره المختلفة، هذا النمط من الشقيقات سواء في التوجه السياسي أو في الأفكار العقائدية..

ـ أو في الممارسة المهنية. وقد عملت كاتبة أميركية ذائعة الصيت على تركيز اهتمامها على النمط الأخير من هذه "المؤسسة الاجتماعية" التي ألمحنا إليها ـ ونشرت أحدث كتبها الصادر في الأشهر القليلة الماضية تحت عنوان لافت يمكن ترجمته كما يلي: شقيقات الأخبار.

وبوسعنا من منطلق قراءة وتحليل هذا الكتاب أن نفهم العنوان السابق على أنه يعرض لرابطة تضم صانعات ومذيعات لمادة الخبر الصحافي ـ الإعلامي بطبيعة الحال. وهذا هو الهدف الأساسي الذي رسمته مؤلفة كتابنا وهي الصحافية ـ الكاتبة الأميركية شيلا ويللر حين نسجت مادة كتابها حول سيرة ثلاث من أهم وأشهر المشتغلات بحرفة الإعلام، أو بصناعة وتقديم المادة الخبرية على وجه الخصوص.

ثلاثي كواكب الإعلام

الكتاب يتعامل مع المسيرة المهنية - الإعلامية لكل من:

(1) ديان سوير.

(2) كاتي كوريك.

(3) كريستيان أمانبور.

ونستطيع، من هذا الاستهلال في استعراض الكتاب، وبفضل معايشة مباشرة لرسائل التلفزة الإخبارية في الولايات المتحدة نفسها، أن نصنف بطلات هذا الكتاب حسب الميزة النوعية التي تحظي بها كل واحدة من هذا الثلاثي، على النحو التالي: ديان سوير تتميز بالطلّة البرامجية الرصينة وعلى نحو ينشئ جسراً من التفاهم ومن ثم إمكانية التصديق بين المذيعة وجماهير المشاهدين.

كاتي كوريك تجمع في ممارستها بين عنصر الجرأة المهنية وبين عمق ما يمكن أن تصوغه وتطرحه في برامجها الإخبارية من شروح أو إضافات أو تعليقات.

كريستيان أمانبور تتميز بروح أقرب إلى شجاعة الارتياد- الاستكشاف، ومن ثم فقد تفّردت عن أقرانها بوصفها مراسلة لأهم الخدمات الإخبارية في العالم، وخاصة فيما يتعلق بالتغطية الساخنة، كما نصفها، للأحداث التي تقع في أركان المعمورة الأربعة، وبأسلوب المتابعة المباشرة التي تتم على صعيد مسرح الأحداث ذاتها.

على مهاد هذه الخلفية تربط مؤلفة الكتاب بين الرسالة الاعلامية لكل منهن وبين المصادفات الزمنية التي صاحبت انطلاقة كل واحدة إلى دنيا الإعلام التلفزيوني.

في هذا الموضع من كتابنا، تعزو المؤلفة جزءاً من نجاح كل منهن إلى أنها بدأت الالتحاق بالسلك الإعلامي في أميركا مع عقدي السبعينات والثمانينات من القرن العشرين:

وقتها كانت شبكات التلفزيون واقعة تحت ضغوط تنادي بتشغيل المرأة واستخدامها بوصفها قارئة نشرة أخبار، أو مراسلة إعلامية، أو مقدمة برامج سياسية وما في حكمها، باختصار كانت المهنة وقتها بحاجة إلى نجمات بعد أن أغرقها نجوم إعلام المشاهير، وكان على رأسهم أيامها أسماء من قبيل والتر كرونكايت أو دان رازر ومن في حكمهما.

مع ذلك تحرص المؤلفة على تسجيل لمحات بشأن رائدات سبقن إلى العمل في هذا المجال، وعلى رأسهن أيضاً تلمع أسماء كوني شونغ ذات الأصل الصيني وبربارا وولترز التي أعلنت تقاعدها في مطلع العام الجاري.

ديان سوير

يتابع الفصل الذي خصصته مؤلفتنا للمذيعة ـ المخضرمة حالياً- ديان سوير مراحل المسار المهني لتلك الإعلامية التي سلطت عليه الأضواء، لا بوصفها إعلامية واعدة في محطات التلفزة الإقليمية مع مطلع سبعينات القرن، ولكن لأنها طرقت أبواب التلفزة من باب فوزها بلقب ملكة الجمال في ولاية كنتاكي. وعندما طالعت المشاهدين بملامحها الرقيقة الشقراء رشحوها للعمل مراسلة في البيت الأبيض خلال رئاسة ريتشارد نيكسون (1913- 1994).

صحيح ـ تلاحظ مؤلفة الكتاب- أن كان وقع طلّتها المتلفزة مشوباً بالبرود في المراحل الأولى من عملها الإعلامي، والأصح أن كان هذا البرود الذي بعَثَتْه أميرة الثلج الحسناء كما وصفوها، قد ساد بالذات في صفوف الجمهور من النساء الأميركيات..

إلا أن الصحيح أيضاً أن عناصر الإصرار ومحاولة التجويد والخروج من دائرة جمال الصورة ودقة التقاطيع إلى مجال الاحترافية بفضل مواصلة التعلّم وجهود التطوّر والتجويد إلى أن أثبتت نفسها صورة واحترافاً من خلال البرنامج الشهير الذي حمل منذ بدايته عنوان "صباح الخير: أميركا".

كاتي كوريك

في حالة المذيعة كاتي كوريك تتابع المؤلفة سيرتها، إذ وفدت على ساحة التلفزيون القومي الأميركي من مسقط رأسها في أرياف ولاية فرجينيا قرب العاصمة واشنطن، لتصبح أول مذيعة ـ بل وأول مذيع ـ تظهر بمفردها في برامج الأخبار المسائية المهمة، التي يطلقون عليها وصف برامج فترة البث الرئيسية لأنها أول وأهم ما يطالعه المشاهد بعد وصوله إلى بيته اثر نهار حافل بالكد والارهاق من العمل ومواصلات الضواحي. ولأن شخصية كاتي كوريك ـ كما يوضّح كتابنا ـ كانت تتسم بقدر لا يخفي من الصلابة والاعتداد بالنفس، فلم يتورع المتعاملون معها سواء على الهواء أو في الكواليس عن وصفها بالغرور.

في عام 1991 طالعت المذيعة كاتي كوريك المشاهدين حين شاركت في تقديم برنامج صباحي شهير بعنوان هذا اليوم، وهنا تسجل لها مؤلفة الكتاب مدى ارتياح الجماهير وتقديرهم إزاء مواهب المذيعة وقدراتها على التواصل مع تلك الجماهير.

بل تضيف مؤلفتنا قولها إن كاتي كوريك ما لبثت أن أصبحت "قرّة عين أميركا"، وخاصة عندما فقدت زوجها نتيجة مرض السرطان، وبفضل هذا التعاطف فضلاً عن تجليات الموهبة الإعلامية فقد بادرت مؤسسة ـ قناة "سي. بي. إس" في عام 2006 إلى استخدامها كمذيعة في النشرات والبرامج الإخبارية والسياسية المسائية، وكان ذلك لقاء مرتب سنوي بلغ 15 مليون دولار، بل كان ذلك ضعف مرتب المذيع الرائد المخضرم والأشهر دان رازر.

ولقد صعدت كاتي كوريك إلى آفاق أعلى من النجومية، حين حاورت مرشحة الحزب الجمهوري سارة بالين في انتخابات عام 2008. وكانت السيدة بالين تتطلع للفوز بمنصب نائب رئيس الجمهورية مع مرشح الرئاسة وقتها السناتور جون ماكين.

والحاصل أن أدت المقابلة المتلفزة والمذاعة بالطبع على الشبكات القومية في طول الولايات المتحدة وعرضها إلى اضمحلال بل إلى تدمير، صورة سارة بالين بسبب، أو بفضل، مواهب المذيعة كاتي كوريك التي نجحت في كشف سلبيات الجهل المعرفي والسذاجة السياسية في شخصية المرشحة لمنصب نائب رئيس الدولة..

وأدى ذلك ـ كما تقول الناقدة روكسانا روبرتس في جريدة "واشنطن بوست" (عدد 26/9/2014) إلى تغيير مسار (ونتائج السباق الرئاسي في عام 2008 ولصالح فوز المرشح باراك أوباما، بطبيعة الحال، فيما تصف ناقدة الصحيفة المذكورة المقابلة التلفزيونية بأنها كانت خشنة إلى حد التوحش فيما جاءت كاشفة عن المكنون أو المستور من معلومات.

الأب إيراني والأم إنجليزية

بعدها تتحول فصول هذا الكتاب إلى العضو الأخير في ثالوث أخوات - شقيقات المهنة الإعلامية، كريستيان أمانبور. تتابع المؤلفة جذور وأصول المذيعة المذكورة منذ ولادتها من أب إيراني وأم بريطانية ونشأتها الأولى في طهران على مدار سنوات قبل ثورة 1979 والتحاقها بجامعة رود أيلاند في أميركا، فيما تلاحظ المؤلفة أن الفتاة كريستيان كانت تلازم زملاء الدراسة من جامعة أخرى هي جامعة براون التي مازالت تعد من المؤسسات العلمية المرموقة في الولايات المتحدة، وهناك كانت كريستيان عضواً في دائرة الخلصاء المقربين إلى جون كيندي ـ الشاب ابن الرئيس الأميركي الراحل (1917- 1963).

بدأت كريستيان عملها الإعلامي في شبكة سي. إن. إن الإخبارية الشهيرة التي كانت قد بدأت مراحل خدماتها مع منتصف عقد الثمانينات، وفي ضوء تنّوع نشأتها أوفدوها للعمل على التغطية الإخبارية من ألمانيا ثم في البوسنة وغيرها من مناطق اشتعال الحروب والصراعات الأهلية.

في هذا السياق بالذات لا تملك مؤلفة هذا الكتاب ـ رغم المنظور الانتقادي الذي تعتمده إزاء تحليل سيرة شقيقات الإعلام الثلاث- سوى أن توجّه ثناءها، وفي مواقع شتى من كتابها، إلى ما بذلته كريستيان أمانبور من جهود، كان في مقدمتها ـ كما ترى المؤلفة- شجاعتها الفعلية في اقتحام مناطق النزاعات الملتهبة..

وهنا تتابع المؤلفة مسار المذيعة الشهيرة بين ما تصفه بأنه جهود المراسل الخارجي الموضوعي إلى دورها الراهن بوصفها المدافع المتحمس عمن تراهم المذيعة أمابنور من الضحايا أو المستضعفين: مشكلتها، كما تتصور المؤلفة، أنها يمكن أن تحقق التفوق وهي تجري مقابلاتها الإعلامية في ساحات المعارك ذاتها، ولكنها لم تحقق هذا التفوق حين أصبحت مسؤولة عن برنامج تحليلي يذاع من الاستديو بعيداً بالطبع عن مسارح العمليات.

التفرقة ضد المذيعات المتألقات جاءت من قلب المؤسسات

تؤكد مؤلفة كتابنا شيلا ويلر أن هذه الكوكبة الثلاثية من المذيعات المتألقات طالما كابدن من وطأة التمييز ضد المرأة، مهما كانت ناجحة ومثابرة وقادرة على إحراز النجاح في مهنة الإعلام.

ومن عجب ما تسجله المؤلفة أن هذه المعاناة التي كابدتها المرأة ـ مذيعة وناجحة أو مقدمة برامج متعمقة أو مراسلة صحافية لا تتورع عن مواجهة شتى المخاطر ـ هذه التفرقة الظالمة كانت تأتي من داخل المؤسسة الإعلامية ذاتها، بينما تسجل المؤلفة أن جماهير المشاهدين لم تكن تصدر عنها هذه الآفة من التمييز بين المرأة والرجل، لأن ما ظل يهّم المشاهدين هو نوعية ما يقدَّم من برامج وعمق ما يشاهدونه ويستوعبونه من صور وأفكار ورسائل إعلامية وتحليلات.

على الجانب الآخر من الصورة لا يفوت مؤلفة هذا الكتاب أن تتصرف كامرأة أيضاً، حين تعرض بالأرقام لشهادة ميلاد كل من بطلاتها الثلاث، حيث تعدّت كل منهن في عام 2014 الحالي سن الخمسين، وأكثر، بل أن ديان سوير أصبحت على أبواب السبعين (68 سنة) وهو ما دعاها إلى التخلي في صيف العام الحالي عن موقع المذيع الدائم للأخبار إلى حيث أصبحت تقدم تقارير إخبارية بصورة غير منتظمة، فيما بلغت كوريك سن السابعة والخمسين، واكتفت بتقديم مادة إعلامية دولية على مسار ياهو.

أما أمانبور فتبلغ سن السادسة والخمسين، وهي تقدم ملخصاً يومياً للأخبار على الشبكة الإخبارية الدولية، والمشكلة هي أن جاء بديلاً عن كل منهن مذيعون من الرجال، الذين حققوا بدورهم نسباً مرموقة من الإقبال والمشاهدة، وهو ما يؤكد ما ذهبت إليه مؤلفة هذا الكتاب بأن المسألة ليست رجلاً أو امرأة بقدر ما أنها ترتبط بالحرص الدائم على عناصر التعمق والإحاطة والتجويد.
 

 

 

Email