(الجزء الثاني)

صدمة الفشل جذبت تريرفيلر.. وهولاند انتهى بالقطيعة

  • الصورة :
  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

بعد شهرين فقط من الانفصال النهائي في شهر يناير الماضي بين الثنائي الرئاسي الذي قطن قصر الإليزيه خلال عام ونصف العام، أي فرانسوا هولاند وفاليري تريرفيلر، توجّهت هذه الأخيرة للإدلاء بصوتها في الانتخابات البلدية الفرنسية في شهر مارس 2014. وكان ذلك الطريق يمرّ أمام المدرسة الابتدائية التي كان أطفالها يرتادونها في الصباح كل يوم دراسي.

لقد أثار ذلك موجة من الحنين في أعماقها، أعادتها إلى تلك الفترة التي كانت فيها طالبة تدرس الإعلام السياسي والاجتماعي في جامعة السوربون. كانت تنتقل آنذاك من ندوة إلى أخرى ومن تجمّع إلى آخر دعماً لمرشح اليسار فرانسوا ميتران لولاية رئاسية ثانية عام 1988. وتروي أن ميتران لحظها ذات مرّة في القاعة فوجّه لها الحديث قائلاً: لقد تعارفنا من قبل، أليس كذلك؟.

تقول فاليري: «بالتأكيد لم أكن أعرف الرئيس». لتشير إلى أنها كانت تلك الفتاة ابنة الثالثة والعشرين من العمر، ووصلت إلى باريس قبل خمس سنوات لمتابعة دراستها، ولم تتعرف على أي شخص هام فكيف الأمر بـالرئيس. وما كانت تفكّر فيه آنذاك هو الحصول على فرصة عمل، عند تخرّجها من الجامعة بعد أشهر.

لقد لاحت تلك الفرصة سريعاً، بعد أن اجتازت عدّة امتحانات حين تمّ قبولها كمحررة في مجلّة «بروفيسيون بوليتيك» التي يفيد عنوانها ما يعني مهنة السياسة. ثم كان دخولها إلى فريق محرري مجلّة باري ماتش الشهيرة في عام 1989.

على طريق الإليزيه

كانت مهمة فاليري تريرفيلر الأولى في مجلّة «باري ماتش» هي العمل في الميدان، ذلك عبر الاهتمام بنشاطات الحزب الاشتراكي من جهة، وبقصر الإليزيه من جهة أخرى. ولا تتردد في القول إن وصول صحافية شابّة مثلها إلى أسرة تحرير المجلّة أثار غيرة بعض القدامى في المهنة.

وتروي لقاءها ذات مرّة ببدايات عملها في باري ماتش مع رجل الأعمال الفرنسي الشهير، ورئيس نادي أولمبيك مرسيليا لكرة القدم، برنار تابي. كان ذلك مع مجموعة من خريجي المدرسة العليا للإدارة المعروفة اختصاراً باسم إينا ويُطلق على خرّيجها توصيف إينارك الذين يضمون نسبة كبيرة من رجال السياسة الفرنسيين ووزراء الحكومات الفرنسية.

تحدّث برنار تابي عن الرئيس الفرنسي آنذاك فرانسوا ميتران وعن مسؤوليته في «صعود حزب الجبهة الوطنية اليميني المتطرّف». كما أظهر ازدراءه لأولئك الوزراء الذين لا «يحسدهم على شيء فهو يمتلك قصراً خاصاً أكبر من مقرّات وزاراتهم».

عندما تمّ نشر المقال اتصل تابي برئيس تحرير المجلّة، وأكّد له أن الصحافية قد اخترعت كل ما كتبته. وكانت ساعة المحاسبة الصعبة التي أنقذها منها واقع أن ما قاله رجل الأعمال كان مسجّلاً من قبل منظمي اللقاء. وفهم الجميع أن رجل الأعمال أراد أن تلجأ الإدارة إلى فصل الصحافية الشابة، بدلاً أن يتحمّل مسؤولية ما تفوّه به أمام الحضور.

إن فاليري تريرفيلر تروي تلك الحادثة لتقدم بعدها بعض صفات الرئيس الفرنسي الحالي فرانسوا هولاند، الذي روت له ما جرى وتعرف مدى حذره من رجال الأعمال عموماً. كانت تلتقي به أثناء ذلك من موقع الصحافية في أروقة الجمعية الوطنية الفرنسية، حيث كان من بين النوّاب الذين يجذبون الصحافيين. وتشير إلى أنه بارع في فهم جوهر الحياة السياسية الفرنسية أكثر من أي شخص آخر.

تؤكّد فاليري في هذا السياق أن علاقتها المهنية مع فرانسوا هولاند توطّدت تدريجياً. ثم تفتح قوسين لتشير أنها غابت عن عالم الصحافة والسياسة ثلاثة اشهر في مطلع عام 1993، حيث كانت في إجازة أمومة بعد ولادة طفلها الأوّل من دونيز تريرفيلر الذي أصبح زوجها والذي كان يعمل منقّحاً للنصوص في نفس المجلّة التي تعمل بها، بالإضافة إلى أنه مترجم واختصاصي بالفلسفة الألمانية.

وفي عام 1993 عرف النوّاب الاشتراكيون هزيمة كبرى في الانتخابات التشريعية أمام المدّ اليميني الجارف. وكان فرانسوا هولاند، مثل الكثير من زملائه، في عداد الذين خسروا مقاعدهم في البرلمان. وجرى لقاء بينه وبين فاليري، كما تشير، في أحد المطاعم حول مائدة غداء. ومما تقوله: لقد أبدى انفتاحاً كبيراً نحوي، وأسرّ لي أنه يطرح تساؤلات كثيرة حول مستقبله. إن السياسة تسكن في أعماقه، لكن ذلك الفشل هزّه.

وتضيف: في ذلك اليوم صعقني إخلاصه. وعلى عكس عادته لم يُظهر فرحاً أو ميلًا للدعابة. ولا أنسى تلك اللحظة النادرة في حياة صحافية مجالها السياسة، وذلك التبادل الحقيقي للآراء دون أي زيف. لكن لم يكن هناك أي غموض في علاقاتنا. إذ لم يكن قد صدر عن فرانسوا هولاند أي كلام أو سلوك خارج عن قواعد التعامل المهني حيالي. ذلك على عكس الكثير من رجال السياسة الآخرين.

سيغولين روايال

في مثل ذلك السياق من التقارب الشخصي والتفاهم على الصعيد المهني، دعا فرانسوا هولاند فاليري تريرفيلر للجلوس في مطعم حديقة بيت أميركا اللاتينية في باريس، بموقع ليس بعيداً عن مقرّ الحزب الاشتراكي الفرنسي. كانا يتحدثان، كما تشير فاليري، في أمور السياسة الداخلية الفرنسية .

فجأة وبدون موعد وصلت سيغولين روايال فقامت فاليري بتنبيه فرانسوا هولاند بقدومها، حيث كان يدير ظهره للباب الذي دخلت منه. وروايال كانت زوجته آنذاك وأم أطفالهما الأربعة والعضو القيادي في الحزب الاشتراكي والتي ستصبح في عام 2007 أوّل سيدة فرنسية تصل إلى الدورة الانتخابية الرئاسية الثانية في البلاد. اعتقد أن الأمر دعابة إلى أن جلست معهما حول الطاولة نفسها بكثير من البرود. وبادرت بالقول:

ــ لقد فاجأتكم. آمل أنني لا أزعجكما.

لم يستطع فرانسوا هولاند التفوّه بكلمة واحدة، كما تشير فاليري التي أجابتها بالقول:

ــ إننا نتحدث عن فرنسا.

ــ كفى استهزاءكما بي.

ــ إننا لا نهزأ بك فما أقوله صحيح. ثمّ إننا لا نقوم بأي تصرّف سيئ. وعلى حدّ علمي لسنا في فندق.

ازدادت حدّة الحديث من طرف سيغولين روايال، كما تشير فاليري في كتابها، بينما حافظ فرانسوا هولاند على صمته. كان شديد الانزعاج من المشهد. وقبل أن تنفجر فضيحة حقيقية وقفت سيغولين وغادرت المكان بنفس السرعة التي وصلت بها. عندها دمدم فرانسوا هولاند بضع كلمات تنقلها فاليري، ومفادها:

ــ تعرفين أن الأمر ليس سهلاً دائماً بالنسبة لي.

ــ ربما عليك أن تخفّ وتلحق بها.

وقد فعل هولاند ذلك على وجه الدقة.

وبتاريخ 21 ابريل من عام 2002 عاشت فرنسا زوبعة انتخابية حقيقية. ففي ذلك اليوم من الدورة الأولى من الانتخابات الرئاسية الفرنسية التي تجري على دورتين يفصل بينهما أسبوعان تمّ إقصاء ليونيل جوسبان، مرشح معسكر اليسار في فرنسا، من قبل مرشح اليمين المتطرّف جان ماري لوبن الذي خاض الدورة الثانية، وخسرها بمواجهة المرشح جاك شيراك.

لقد خصّ فرانسوا هولاند مقابلته الأولى لشرح النتائج المترتبة على إقصاء ليونيل جوسبان الصحافية فاليري تريرفيلر. وهي تقول: «عندما كنّا وحدنا في مكتبه اقترب كثيراً منّي. فتصرّفت بطريقة هادئة غيّرت فيها مكان جلوسي. وقد ذكّرني كثيراً فيما بعد بذلك الموقف وبالضيق الذي سببه لي».

تشير فاليري إلى أنه في تلك الفترة بدأت الشائعات الأولى عن وجود علاقة بيننا بالانتشار حولنا.

وذات يوم، عندما كانت فاليري تريرفيلر في الجمعية الوطنية الفرنسية، جاءتها سيغولين روايال، وبادرتها بالقول إنها تريد مقابلتها. رحّبت بالفكرة واتفقتا على موعد. في اليوم المحدد سألتها عما إذا كانت على علم بالشائعات، وكانت الإجابة بنعم وأنه هناك دائماً شائعات وعلى الجميع وسيبقى هناك شائعات دائماً خاصّة بين رجال الصحافة والصحافيات وهذا لا يمثل سبباً للقبول بمصداقيتها.

وتؤكّد فاليري أنها اقترحت تنظيم وجبة عشاء في مكان مكشوف جدا، يحضرها أربعة أشخاص، هم فرانسوا هولاند وسيغولين وفاليري وزوجها. وتؤكّد أيضاً أن زوجها كان على اطّلاع على كل شيء وأنه «لم يكن لديها ما تخفيه عنه».

في اليوم التالي لتلك المقابلة، توجهت فاليري إلى الهند لتغطية الزيارة الرسمية التي يقوم بها جان بيير رافاران، الذي كان رئيساً للوزراء في فرنسا آنذاك. وعند عودتها اعترف لها زوجها أنه تلقّى اتصالاً هاتفياً من سيغولين روايال طلبت فيه اللقاء به.

اعتبرت فاليري، كما تروي، أن سيغولين تجاوزت الحدود.

ما تؤكّده فاليري تريرفيلر هو أنه لم تكن هناك حتى تلك اللحظة اية قصّة عاطفية بينها وبين فرانسوا هولاند وأن «كل شيء كان مشوشاً في ذهنها».

لكن الأمور ذهبت في مسار آخر، وغدت الشائعة واقعاً حياً في إطار مسيرة حياة مشتركة، جمعت بين فرانسوا هولاند، الرئيس الفرنسي الحالي، وفاليري تريرفيلر الصحافية في مجلّة «باري ماتش» مسيرة استمرّت قرابة التسع سنوات، وكان قصر الإليزيه هو محطتها الأخيرة.

 

 

 

عدد الصفحات: 320 صفحة

عرض ومناقشة: د. محمد مخلوف

الناشر: ليزارين، باريس، 2014

بعد انفصالها عن الرئيس الفرنسي الحالي فرانسوا هولاند تعود الصحافية الفرنسية فاليري تريرفيلر إلى الحديث عن ذكرياتها وعن مسارها المهني في الصحافة. وتتعرّض عبر ذلك إلى العديد من المحطات الهامّة في الحياة السياسية الفرنسية خلال السنوات المنصرمة.

وتستعرض السيدة الفرنسية الأولى السابقة بأشكال مختلفة الميزات الإيجابية العديدة التي خبرتها لدى الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند، وفهمه العميق للحياة السياسية الفرنسية، وبراعته في التعامل مع الصحافة وحيويته.

كما تستعرض المؤلفة اللحظات الصعبة التي عاشها الرئيس الفرنسي، وليس أقلّها عمقاً الهزيمة التي مني بها معسكر اليسار في فرنسا في الانتخابات التشريعية لعام 1993، وكان هولاند هو أحد النوّاب الاشتراكيين المهزومين. وأيضاً تلك اللحظة الصعبة التي عاشها عام 2002 عندما تمّ إقصاء ليونيل جوسبان، مرشّح اليسار للانتخابات الرئاسية، من قبل جان ماري لوبن، زعيم حزب الجبهة الوطنية، اليميني المتطرّف.

وتحظى علاقتها المرتبكة مع سيغولين روايال، الزوجة السابقة لفرانسوا هولاند وأم أطفالهما الأربعة، ووزيرة البيئة في الحكومة الفرنسية الحالية، باهتمام مؤلفة الكتاب.

المؤلفة في سطور

فاليري تريرفيلر، صحافية فرنسية، اختصاصية بالسياسة الفرنسية الداخلية. تعمل منذ سنوات طويلة في مجلة «باري ماتش» الشهيرة، وهي لا تزال أحد أعضاء فريق التحرير في هذه المجلّة. كما قدّمت خلال السنوات 2005 ــ 2011 برامج سياسية على القناة التلفزيونية الفرنسية «ديريكت ـ 8 ».

شاركت الرئيس الفرنسي الحالي فرانسوا هولاند حياته منذ حوالي عشر سنوات حتى انفصالهما بتاريخ 24 يناير من هذا العام 2014. وبرغم أنها لم تكن زوجته رسمياً، فإنها نالت مع ذلك لقب السيدة الفرنسية الأولى خلال الأشهر التي أمضتها إلى جانبه في قصر الإليزيه.

قصة حب عبر منعطفات سياسية على امتداد عشرين عاماً

هولاند يملك عبقرية الإجابة عن الأسئلة الشائكة بصراحة

 

تروي المؤلفة، على مدى الكثير من صفحات هذا الكتاب، تطوّر علاقتها المهنية مع فرانسوا هولاند، ولكن أيضاً تقاربهما أكثر فأكثر على المستوى الشخصي. وتتوقف من خلال ذلك عند العديد من المنعطفات السياسية التي عرفتها فرنسا خلال العقدين الأخيرين من الزمن.

في عام 1997 عدما أصبح ليونيل جوسبان رئيساً للوزراء في فرنسا، حلّ مكانه فرانسوا هولاند في منصب الأمين الأول للحزب الاشتراكي الفرنسي، الذي بقي فيه لسنوات طويلة انتهت بوصوله إلى المنصب الرئاسي الفرنسي، في شهر مايو من عام 2012.

ما تؤكّده فاليري تريرفيلر هو أن إعجابها بفرانسوا هولاند كان يتعاظم أكثر فأكثر ليصبحا أكثر فأكثر قرباً. تقول:«لقد جذبني ذكاؤه وحيويته وسرعته في التفكير بالأمور. وعلى أبسط سؤال يقدّم إجابة واضحة وبطريقة تنمّ دائماً عن اتقاد الذهن».

وبمرور الزمن تأكّد لهما أنهما على درجة كبيرة من التفاهم حول مختلف الأمور، ودائما عل خلفية من السلوك المرح. هكذا وجدت نفسها مكلّفة ذات يوم من المجلّة التي تعمل معها بـتغطية حملته الانتخابية في منطقة الكوريز الفرنسية، التي كان يرشّح نفسه فيها للانتخابات التشريعية. اصطحبت معها المصوّر الذي ينبغي أن يرافقها على مدى يومي نهاية الأسبوع المكرّسين للتحقيق.

وبعد تناول فرانسوا هولاند وجبة العشاء معهما قرر أن يرافقهما، تبعاً لبرنامجه الانتخابي، في سيارتها، وليس برفقة سائقه، للحفلة الراقصة التي كان يحييها كبار في السن. جلس هولاند، كما كانت تناديه، إلى جانبها، فالمصور كان يريد التفرّغ لالتقاط الصور في أيّة لحظة.

وأثناء الحفل الراقص وجد نفسه تحت أنظار فاليري التي كانت تلاحقه، ويسلّيها المشهد، مع شريكة في الثمانين من العمر. نقرأ مما كتبته عن ذلك المشهد: « لقد شعرت جيّداً أنها لم تكن المرأة التي كان يرغب الرقص معها في تلك اللحظة».

حشد من التناقضات

توقف الكثيرون من متابعي الساحة السياسية الفرنسية ومقدمي عروض الكتب عند ما وصفوه بالتناقضات الصارخة في الصورة التي رسمتها فاليري تريرفيلر للصلة التي امتدت طويلاً بينها وبين الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند، وأشاروا بصفة خاصة إلى الحديث الذي امتد طويلاً عن زواجهما وفي الوقت نفسه عدم تحقق ذلك.

كما أشاروا إلى تغير علاقاتهما كثيراً منذ فوز هولاند في الانتخابات الرئاسية الأخيرة في مايو 2012. وهم يعتقدون أن الكثير من هذه التناقضات لن يقدر لها أن تجد تفسيراً إلا في المستقبل ربما بعد أن تهدأ الانفعالات المتعلقة بالتطورات الراهنة وردود الأفعال المتوترة التي أثارها الكتاب.

Email