عشت مرتين.. سيرة ذاتية

البيان تنشر مذكرات الإعلامي الكبير حمدي قنديل 2 - 10

  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

مع الإطلالة الأولى على هذا الكتاب، تبين لنا أنه يستمد أهميته من أنه يقدم للقارئ العربي سيرة حياة إعلامي عربي كبير، حقق عبرها، شأن الكثيرين من أبناء جيله، معادلة تجمع في أطرافها بين الأسى والانكسار والفشل من ناحية، والصمود والحلم والإنجاز من ناحية أخرى، بحيث نجد أنفسنا أمام سلسلة من المفاجآت والمفارقات الجديرة بالتوقف عندها طويلًا.

وفي مستهل الكتاب، تابعنا الملامح الأولى من مسيرته في التعليم والتنافس بينه وبين زملاء له، كان في مقدمتهم عمرو موسى، السياسي اللامع الذي خاض السابق الرئاسي المصري، ورأينا كيف تعثر في دراسته في كلية العلوم في الإسكندرية، وعاد إلى طنطا، مقرراً العودة لدراسة مواد التوجيهية، بهدف الحصول على مجموع يؤهله لدخول كلية الطب، وهو الهدف الذي حققه بالفعل.

وهنا نتابع، مع صاحب هذه المذكرات، لمحات أخرى من حياته خلال دراسته في كلية الطب، ونتوقف عند حكاياته الممتدة عن أهل الفن والسياسة والإعلام في مصر والعالم، لنتوقف عند العناصر بالغة الثراء التي اتسم بها ذلك العهد، الذي يحكي عنه المؤلف.

أضعت في اكتشاف القاهرة كل ما كان يسمح به المصروف الذي كان يعطيه لي والدي، وكان عشرة جنيهات في الشهر، وهو مبلغ معتبر يمكن أن يكفي كل صنوف التسلية البريئة.

وفي أحد الأيام، التقيت إبراهيم مصطفى، رائدنا السابق في جمعية الشبان المسلمين، فأخذني معه إلى بيت المهندس مصطفى مؤمن في شارع قصر العيني، وكان زعيم طلبة الإخوان المسلمين في جامعة القاهرة في الأربعينيات، وهناك حضرنا ندوة لمناقشة كتاب أحمد بهاء الدين الذي كان صدر حديثاً بعنوان "النقطة الرابعة تعني الحرب" (النقطة الرابعة هي برنامج مساعدات أميركية أطلقه ترومان عند توليه الرئاسة في 1949)، واستكملنا مناقشة الكتاب بعدئذ في ندوة أخرى، وقد ألهبت هذه المناقشات عدائي لأميركا.

مع محمد نجيب

استغرقت جولاتي هذه أشهراً قليلة، لم أخرج منها بنتائج جلية حتى جاء مارس 1954 عندما حدثت الأزمة المعروفة بين الرئيس المصري الأسبق محمد نجيب ومجلس قيادة الثورة، وكنت من بين أولئك الذين يناصرون محمد نجيب لأنه - على ما فهمت- كان هو من ينادي بعودة الجيش إلى ثكناته، وتشكيل حكومة برلمانية، في حين كان الآخرون يصرون على البقاء في السلطة، وكان نجيب رمز الثورة لدى الكثيرين، وعندما صدر القرار بإقالته، خرجت من الجامعة مظاهرات استمرت عدة أيام.

في أحد هذه الأيام وصلنا إلى كوبري قصر النيل، فطاردتنا الشرطة واعتقلت الكثيرين، ولكنني استطعت النجاة مع البعض عندما سارعنا بالعَدْو تجاه فندق شبرد، واختبأنا في جراج عمارة الشمس المجاورة له؛ حيث استتر بعضنا داخل السيارات والآخرون تحتها أو خلفها، وظللنا في هذا المخبأ ساعات حتى تأكدنا أن الشرطة غادرت المكان عندما صاح ضابط في الخارج: «حارجع لكم تاني يا ولاد الكلب!».

وزاد حنقي على الحكم بعد اعتقال الصحافي والأديب إحسان عبدالقدوس، ولم أفهم كيف تعتقل الثورة ذلك الرجل الذي كشف فضيحة الأسلحة الفاسدة، ولكنني كنت أحاول على الدوام الاهتمام بالدراسة، وغالباً ما كنت أفشل، وكان مصيري المحتوم الرسوب في كل المواد.

لم تصدمني النتيجة كثيراً، وقررت العودة إلى طنطا، وحلقت شعري «على الزيرو» وحبست نفسي في المنزل لا أغادره لمدة شهرين، فاستطعت بذلك اجتياز امتحانات الدور الثاني، ونقلت إلى سنة أولى طب، أي إلى دراسة الطب الحقيقية في قصر العيني.

في براغ

ناداني زميلي صبري أيوب إلى الملاعب ليحدثني في أمر قال إنه مهم : «أنا على صلة باتحاد الطلبة العالمي في براغ، ويدعى اختصاراً باسم "آي يو إس" كما تعرف، وسيعقد الاتحاد مؤتمره السنوي هذا العام في المدينة نفسها، وهم يواجهون أزمة مع السلطات المصرية التي ترفض مشاركة طلبة من مصر في مؤتمر تعقده منظمة يسارية» على الرغم من أن عبدالناصر كان قد عقد صفقة الأسلحة التشيكية الشهيرة في العام السابق، أي في عام 1955.

وعلى الرغم من وقوفه ضد سياسة الأحلاف العسكرية الغربية، فقد كان حذراً من تسلل الخطر الشيوعي إلى مصر في ذلك الحين، وهكذا رفضت سلطات الأمن مشاركة مصر في المؤتمر.

اتصل بي صبري ذات يوم وسألني عما إذا ما كنت أستطيع المرور عليه في المساء، وعندما ذهبت إليه كان لديه ضيف أجنبي هو رئيس اتحاد الطلبة العالمي (يوري بليكان)، وهو تشيكي أصبح فيما بعد رئيساً للتلفزيون، تكلم بليكان طويلاً عن الاتحاد وعن المؤتمر، وودعناه بعد أن وعدناه بالحضور، كذلك وعدناه بأن ننسق، كما طلب، مع ياسر عرفات الذي أبلغنا فيما بعد بأنه سيحضر المؤتمر هو الآخر.

لم يكن ياسر عرفات شخصية معروفة عندئذ، كان مجرد طالب مثلنا يدرس في كلية الهندسة بجامعة القاهرة، وإن كنا قد اجتمعنا به من قبل في ندوة عقدت في مقر اتحاد الطلبة الفلسطينيين باعتباره رئيساً للاتحاد.

بعد مقابلة بليكان، أعلن عبدالناصر عن تأميم قناة السويس، وتأزمت العلاقة مع الغرب، ومع ذلك ظل رفض الجامعة للمشاركة في المؤتمر على ماهو، وهكذا بدأنا نتشاور حول تشكيل وفدنا، واتفقنا على أن نصطحب معنا زميلنا سليمان إدريس (الذي أصبح زعيماً نقابياً في شركة الحديد والصلب فيما بعد) واقترحت أن نضم طالبة إلينا أيضاً، فرشح صبري سناء فتح الله (الناقدة المسرحية الكبيرة فيما بعد)، وكانت تتدرب في دار أخبار اليوم عندما كنا نطبع المجلة، وكثيراً ما كانت تعاوننا في إعدادها.

اتصلنا بسناء فوافقت على الفور، وهكذا بدأنا التحضير للسفر الذي اتفقنا مع ياسر عرفات أن يكون عن طريق أثينا.

حجزنا تذاكر السفر بالبحر بالباخرة التركية (إسكندرون)، وقبل أن نستقل القطار جميعا من أثينا في اليوم التالي اقترح ياسر عرفات أن نزور الأكروبول، فذهبنا معاً إلى حيث يقع هذا المعبد الشهير فوق هضبة عالية (اسمه باليونانية يعني الهضبة العالية).

من فوق الهضبة أخذ عرفات يحدق طويلاً من خلال نظارة معظمة، ثم ناداني، ولما اقتربت طلب مني أن أثبت عيني في النظارة، وسألني: «هل ترى فلسطين؟».. فلسطين؟! فلسطين تبعد عن هنا مئات الكيلومترات يا ياسر..

قال عرفات: «ولكني أراها بوضوح، بل إنني أرى قبة الصخرة تلمع»، عندما سددت النظارة إلى الوجهة التي حددها لم أتبين شيئاً سوى مياه البحر على مدى البصر، وظللت سنوات بعد أن بدأ اسم عرفات يلمع في أواخر الستينيات حائراً بين ظنوني، فإما أنه خيل إليه بالفعل أنه رأى فلسطين لشدة تعلقه بها، وإما أنه قد بدأ يلعب دور السياسيين الذين يبيعون الأوهام للناس ويلعبون بعواطفهم.

كانت رحلة ممتعة بالقطار، استقبلنا بعدها في محطة براغ استقبال الفاتحين، وقدمت لنا باقات الزهور، وعندما تقدمنا صبري وسط جمع من البنات والصبية الذين كانوا يلوحون بأعلام مصرية وفلسطينية صغيرة، بدا كما لو كان رئيس دولة، خاصة أنه كان الوحيد بين القادمين والمستقبلين الذي يلبس بدلة بصديري تتدلى منها سلسلة ساعة، ولما افتتح المؤتمر.

وجاء دور صبري ليلقي كلمة مصر، تكرر المشهد، ودوت القاعة بالتصفيق والهتاف لناصر، ووقف الأعضاء جميعاً تقديراً واحتراماً، أما أنا وسناء وسليمان فقد سالت من مآقينا الدموع، ذقت منذ ذلك الحين معنى الاعتزاز ببلدي وبنفسي كمصري.

لم نكن على أي حال في حاجة لبذل جهد لاستخراج تأشيرة أو استصدار تذاكر سفر، فقد قام زملاؤنا السوفييت بترتيب كل شيء على نحو دقيق، وسافر وفدنا بالقطار إلى موسكو، حيث استقبلنا استقبالا أكثر تواضعا من ذلك الذي وقع في براغ، وإن لم يقل دفئا وحماسا، كانوا يسموننا وفد ناصر، وربما لهذا استضافونا في فندق لا يليق إلا بالوزراء ومن على شاكلتهم، والحق أن كل فنادق موسكو الكبرى كانت عندئذ أشبه بالقصور.

في موسكو كان أول بند في البرنامج بعد الذهاب إلى مسرح البولشوي (أي المسرح الكبير باللغة الروسية) هو زيارة إذاعة موسكو (أظن أن اسمها عندئذ كان: صوت روسيا)، هناك استضافونا في القسم العربي، وأجروا حديثاً مع كل منا حول تأميم القناة وحول مؤتمر براغ، وكذلك حول الثورة المصرية.

كانت هذه أول مرة يخرج فيها صوتي على موجات الأثير، ولم أكن أعلم عندئذ أنني سأعمل في الأستوديوهات بقية عمري، ولا كنت أعلم أن الشاب الذي جلس معي نحتسي الشاي إلى أن ينتهي صبري وسناء من التسجيل سيصبح بعد سنوات وزيراً لخارجية روسيا، ثم رئيساً لحكومتها في عهد يلتسين، كان الشاب هو يفجيني بريماكوف، الذي كان يعمل بالقسم العربي في الإذاعة عندئذ.

 في المساء جاءنا المترجم إلى الفندق، وهناك أبلغنا أن الإذاعة تعرض علينا نحن الثلاثة العمل بها، وافق صبري على الفور، ورفضت سناء دون تردد، أما أنا فقد استمهلته حتى الغد لأتخذ قراري.

طمأننا صبري أنه لن يباشر العمل إلَّا بعد سفرنا، أما أنا فظللت غارقا في الصمت، كل ما كان يشغل بالي هي الزيارة التي قررت أن أقوم بها في الصباح للسفارة المصرية.

ذهبت دون موعد، وطلبت مقابلة سفيرنا الشهير محمد عوض القوني، الذي استقبلني بعد انتظار قصير، فرويت له قصة وفدنا، وأخبرته بالعرض الذي تلقيناه، وبأنني راغب في العمل في الإذاعة عدة شهور ولكنني أريد أولاً استئذان السلطات المصرية، كان هذا هو القرار الذي توصلت إليه، خاصة بعد أن زاد إعجابي بعبد الناصر بعد تأميمه للقناة، وأيقنت أنه لا يمكنني العمل من دون إذن والاصطدام مع النظام.

أثنى القوني على قراري، وقال إنه سيبلغ القاهرة بالأمر، وسيوافيني بعد ذلك بالرد.

كان قد مضى على إقامتنا في موسكو ثلاثة أسابيع، والآن عليَّ أن أرحل، كان السفير القوني قد تلقى رداً على رسالته من القاهرة، وكان الرد موجزاً للغاية: «خالك بيقول لك: عد فورا إلى القاهرة»، كان خالي المقدم صادق حلاوة يشغل المنصب المناسـب لطلبي بالتحديد، كان رئيس قسم مكافحة الشيوعية في وزارة الداخلية!

في القاهرة كانت تهديدات الغرب قد تصاعدت، وبدأ التلويح بالعدوان على مصر، وهكذا التحقت بالحرس الوطني ضمن الكتيبة التي بدأ تشكيلها في قصر العيني، وقد تقاطر الأساتذة والطلبة للانضمام إلى الكتيبة، وبدأ التدريب بشكل يومي لنحو ساعتين، ووزعت علينا فيما بعد مدافع رشاشة، وأذكر أنني في أول يوم حملت فيه مدفعي، وأنا عائد إلى البيت، شعرت بالرجولة الكاملة وبالمسؤولية الكاملة أيضاً، وكان كثيرون غيري يحملون مدافعهم وبنادقهم في الشوارع، لم تكن الثورة تخشى شعبها.

وقبل العدوان الثلاثي بأيام تم توزيع معظم فرق الحرس الوطني في البلاد على مواقعها، وكان الموقع الذي خصص لفصيلتي في القاهرة مجاوراً لحي المرج، وكنا نقضي الليل في المزارع مختبئين في قنوات الري أو تحت الشجر، نعين أنفسنا على البرد بالشاي الذي كان يجيء به أهل الكفر المجاور في براد ما إن يفرغ حتى يأتونا بغيره.

كانت مهمتنا أن نقاوم أي إنزال محتمل للغزاة بالمظلات، وأن نخبر بذلك ثكنة عسكرية غير بعيدة عنا، وقد أمضينا هناك نحو عشرين يوماً، ولكننا لم نصادف سوى حادث واحد، عندما هبط طيار بالمظلة إثر سقوط طائرته المغيرة على بعد كيلومتر منا، وهكذا هرعنا جميعاً تجاهه عدا واحد فقط من مجموعتنا ظل يهتف بحماس: «روحوا.. ربنا معاكم.. أنا حاحرس لكم هنا البطاطين»، وقد أصبنا بخيبة أمل كبيرة عندما وصلنا إلى مكان هبوط الطيار فإذا به قد اختفى بعد أن ألقى الفلاحون القبض عليه، وقيل إنهم سلموه للجيش.

كانت أمي قد أصيبت بالسرطان قبل وفاتها، ولكنها ظلت تصارعه بشجاعة وإصرار، وكذلك بتفاؤل مذهل، أكثر من خمس عشرة سنة، وكانت مقبلة على الحياة على الدوام تماماً كما كانت قبل أن يطالها المرض اللعين.

والواقع أنها لم تكن مرضت من قبل سوى لعدة أشهر في منتصف الخمسينيات، عندما أصيبت بنوبة ربو عندما كنا نعيش في طنطا، وهكذا نصحها الأطباء بالسكن في منطقة جافة، فكان قرار العائلة بالانتقال إلى القاهرة حيث كنت أدرس في قصر العيني وماجد يدرس في الكلية الحربية، وكان والدي قد ترك تعليم البنات، ورقي ناظراً لمدرسة المحلة الكبرى الثانوية، ولم يكن قد تبقى على إحالته للمعاش سوى عدة شهور، وكانت المفاضلة بين حلوان أو مصر الجديدة، فرجحت كفة مصر الجديدة في النهاية.

 

سكان مصر الجديدة يعرفون من الذين دمروا قصورها

كانت مصر الجديدة في منتصف الخمسينيات ضاحية جميلة هادئة، تم تخطيطها منذ بداية إنشائها وفقاً لاشتراطات عمرانية صارمة، وكانت تتميز بمبانيها المتناسقة ذات الطرز الإيطالية والعربية.

ولو كان هناك منا من لم يذهب إلى مصر الجديدة وقتها لكفاه أن يشاهد عبد الحليم حافظ وهو يسير في شوارعها في فيلم «الوسادة الخالية» الذي صور هناك في الوقت الذي انتقلنا فيه إليها، ولا يزال هناك حتى الآن شواهد على المعمار القديم ماثلة في كنيسة البازيليك، وفندق هليوبوليس هاوس الذي أصبح يسمى قصر الاتحادية، وهناك أيضا جروبي والأمفتريون، وكذلك قصر البارون ذو المعمار الهندي.

ولم يكن مترو مصر الجديدة وسيلة مواصلات مثلى فقط للسكان، بل إنه كان العامل الذي اجتذب الكثيرين مثلنا للسكن في هذه الضاحية، وكان بالإضافة إلى ذلك يستخدم بغرض النزهة، وكانت عرباته التي صنعت في بلجيكا نظيفة ومواعيده نموذجاً للدقة، كما أن ركوبه كان مجانيا في أيامه الأولى، ولا بد لمن يتذكر أن البارون إمبان الذي أنشأ ضاحية مصر الجديدة منذ أكثر من مئة سنة قد مد خطوط المترو ليشجع الأهالي على السكن في الحي، أن يتساءل اليوم: كيف فات على كل المسؤولين في مصر من بعد أن يمدوا خطوطا للمترو إلى مناطق مثل الشروق ومدينتي والرحاب؛ حتى تيسر الحياة على سكانها وتجتذب آخرين للخروج من قمقم القاهرة؟

ولكن السؤال الأول هو: كيف تدهور حال مصر الجديدة على النحو الذي نراه الآن؟ لا شك في أن الزيادة السكانية الهائلة قد تكون العامل الأهم، لكن الذي خرب مصر الجديدة فعلاً هو الفوضى التي اجتاحت مصر كلها، فأتاحت للكل أن يضربوا بالقوانين واللوائح عرض الحائط، والفساد الذي شاع من قمة الحكم إلى قاع المحليات.

ويعرف سكان مصر الجديدة الأصليون الكبار الذين عاثوا فيها فساداً، كما يعرفون الوافدين الجدد منهم بالاسم، ويعرفون ما دمروه من القصور القديمة لتبنى مكانها عمارات فارهة أصبحت سكنى لعدد من وزراء الرئيس المصري الأسبق حسني مبارك وأعوانه وأنجاله وأصفيائهم، وعلى الرغم من أن زوجته سوزان مبارك كانت حريصة على إقامة لمسات تجميل في الحي هنا وهناك؛ مثل منع مرور السيارات في الكوربة كل يوم جمعة، أو بناء مكتبة باسم الحي، أو إقامة حديقة باسمها، فإن هذه كانت مجرد لمسات لتجميل البيئة المجاورة لقصرها، أو كانت استكمالاً لديكور استقبالها مع الجوقة التي كانت تصاحبها في المناسبات المعدة سلفاً للتصوير.

 

مجلة رائدة

 

في خريف 1955 بدأت الانشغال بالمجلة التي كانت الكلية على وشك إصدارها، وبدأنا العمل باختيار الطلبة والأساتذة الذين سيكتبون المقالات أو يجمعون الأخبار والمعلومات، وأخذنا ننقب في تاريخ الكلية ونبحث عن خريجيها البارزين الذين تولوا مناصب مهمة ولا زالوا على قيد الحياة، وجمعنا قدرا كبيرا من الصور الفريدة.

احتفلت دار "أخبار اليوم" معنا عندما انتهت طباعة المجلة، وانضمت إلى الاحتفال زميلتنا سميحة النجدي التي تصدرت صورتها الغلاف، وقد توفيت في ريعان شبابها بعد تخرجها بسنوات، وكانت آية في الجمال والخلق، أما أنا فقد كدت أطير فرحاً بنشر مقالي في المجلة (بقلم حمدي قنديل) تحت عنوان "ذئاب ونعاج في الجامعة"، وكان يدور حول العلاقة بين الطلبة والطالبات، الموضوع الذي شغل بالي كثيراً، وعندما اطلعت على المقال أخيراً هالني ما فيه من سطحية.

قبل فجيعة الامتحان، وكنا وقتها في عام 1956، واجهتنا فجيعة أقسى، إذ جاءنا الدكتور ناصح أمين ينقل لنا النبأ الصادم أن إدارة الكلية قررت مصادرة المجلة؛ بدعوى أننا تطاولنا على الجامعة وأساتذتها، وكنا بالفعل قد انتقدنا الأساتذة ولكننا لم نتطاول عليهم، لهذا رجحنا أن يكون سبب المصادرة هو مقال محمد العزبي، وكان مقالاً ملتهباً عن الكفاح الوطني لطلبة الطب عبر الزمن، أو أن يكون أصحاب العيون والآذان المفتوحة قد علموا أننا من أنصار محمد نجيب.

« باتفاق خاص جميع الحقوق - حفوظه لدار الشروق 2014»

تأليف: حمدي قنديل

عرض ومناقشة: إسماعيل الأشول

الناشر: دار الشروق، القاهرة،

Email