تاريخ السلطة.. بين التاجر والجندي والحكيم

3 محاور للسلطة تفرض نفسها تاريخياً

صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

يتبع هذا الكتاب المسار الرئيسي لتطور ونضج المجتمعات البشرية، وخاصة مرحلة ما بعد النظام الإقطاعي وتحّوله إلى ما يوصف بأنه النظام «الميركانتيلي» ، بمعني النظام التجاري القائم على عمليات التبادل في الداخل وعمليات الاستيراد والتصدير في الخارج.

وقد اتخذ الكتاب من المجتمع الغرب- أوروبي نموذجاً لهذا التحويل، حيث أفضت هذه التطورات إلى ما يعرضه الكتاب بشأن القوى المحورية الثلاث ، التي رآها المؤلف بمثابة العناصر الغالبة في تطور المجتمعات.

 وهذه القوي تتمثل كما يوضح الكتاب- في التاجر ( بمعني القوي الاقتصادية ) وفي الجندي ( بمعني القوي العسكرية وهي قوى الضبط والربط التي تستند إليها هيبة الدولة ) ثم في الحكيم بمعني المؤسسة الروحية العقيدية الفكرية والثقافية، وقد تجسّدت تلك التحولات في نشوء وتنامي ظاهرة التحول الحضري ، بمعني انتقال ونزوح أهل الأرياف والبوادي إلى سكنى المواقع الحضرية المستجدة في المدن، وهو ما أدي بدوره إلى نشوء طبقة سكان المدن التي حملت أو لاتزال، اسم «البرجوازية» أو الطبقة الوسطي، وكانت هي المهاد الأساسي الذي نشأت في ظله عوامل التحّول اللاحقة للثورة الصناعية التي اشتد ساعدها مع عقود القرن التاسع عشر، وقد شهدت بدورها جهود المفكرين التي تناولت نوعية هذه التحولات في مجتمع البشر، وخاصة من منظور الصراع بين الطبقات إلى أن حلّت أيام القرن العشرين ،الذي شهد في منتصفه صعود فئة جديدة في المجتمع البشري حملت صفة «التكنوقراط» ،بمعني الجمع بين الدراية الفنية والوعي الاقتصادي والصفة الفكرية- الثقافية، وهي الفئة التي استوعبت فيما يوضح الكتاب أيضاً- ما سبقت إلى طرحه نظريات التفاعل الطبقي عند «آدم سميث» ،أو الصراع الطبقي عند «كارل ماركس» ،وبعدهما كان استيعاب نظريات الإنتاج الجمعي الكثيف على نحو ما طرحه «هنري فورد» في مطالع القرن العشرين.

السؤال المحوري والحائر أيضاً الذي يطرحه الكتاب الذي نعايش فصوله وسطوره في هذا المقام هو: ترى كيف وصلنا إلى «الأرض اليباب» التي ما برح عالمنا يقاسي العيش في دمارها حتي هذه اللحظات ؟

وبديهي أن المؤلف يشير في هذا السياق بالذات إلى «الملحمة الشعرية الشهيرة»،التي ربما تكون أهم ملاحم الشعر الحديث في القرن العشرين. تلك التي أبدعها الشاعر الناقد الإنجليزي الأميركي «توماس ستيرنس إليوت- ت . إس إليوت» كما يسمونه (1888-1965) وكشف فيها بلغة الشعر الرفيعة عن جراحات وصدمات إنسان العصر الحديث ،وخاصة بعد ويلات الحرب العالمية الأولى.

وبالمناسبة، فقد تفّنن كبار مترجمي العروبة في نقل عنوان ملحمة «إليوت» حيث اختار المصري الدكتور «لويس عوض» أن يترجمه إلى «الأرض الخراب»، فيما اختار العراقي الدكتور «عبد الواحد لؤلؤة» أن يترجمه إلى «الأرض اليباب».

وسواء كانت خراباً أم يباباً، فالشاهد أن هذا الكتاب مازال يتساءل عما أوصل عالمنا الراهن إلى هذه المرحلة، حيث ما برح الناس على اختلاف الأمم والدول والشعوب- يكابدون آلام أزمة اقتصادية مالية أصابت العالم وإلى حد الضيق والاختناق في بعض الأحيان.

العناصر المحورية الثلاثة

ولأن الكتاب يحاول تتّبع مسارات وجذور هذه الأزمات، وخاصة بحكم دورية حدوثها عبر مراحل متكررة من حياة البشر فوق سطح الأرض، فهو يوسع الآفاق التي ينطلق منها ،كي تشمل سلوكيات وإسهامات واجتهادات بقدر ما تشمل أيضاً سلبيات وأحياناً جرائم العناصر المحورية الثلاثة في المجتمع البشري، وهي على نحو ما يظهر بدايةً من عنوان الكتاب :

(1) التاجـــر.

(2) الجندي.

(3) الحكيم.

وبمعني آخر فهذه العناصر تشمل ببساطة المؤسسة الاقتصادية وبعدها المؤسسة العسكرية ثم المؤسسة الثقافية، إذا شاء هذا التعبير.

ثم إن هذه الفئات المحورية كانت لها أدوراها التي ظلت تتغير، فيما كان يخالطها أدوار ووظائف متغيرة بقدر التغير الذي ظل يطرأ على مراحل التطور الإنساني.

والمعني على نحو ما يوضحه الناقد الأميركي «بيتر لويس» هو أن التاجر الذي يبيع ويشتري يستورد ويصدّر، اختلطت نشاطاته مع جهود الفلاح منتج الزرع والعامل منتج السلعة أو مقدم الخدمات.

والمعني أيضاً أن الجندي اختلطت مهامه ونشاطاته مع مواقع الأرستقراطي من أهل الصفوة وأصحاب الحظوة المرموقة وشاغلي مواقع الحكم والسلطة والتأثير والنفوذ. والمعني أخيراً كذلك أن الحكيم أو المثقف أو المفكر ارتبطت نشاطاته بدوره مع نشاطات رجل الدين وحامل لواء العقيدة والطقوس والشعائر على اختلاف المذاهب والعقائد ونوعيات الإيمان.

هكذا يعمل كتابنا - من خلال منظوره التحليلي البالغ الاتساع في تدارس مراحل وتطورات التاريخ- على رصد ظاهرة التداخل والتمازج بين المهام المتباينة التي ظلت تضطلع بها أضلاع هذا المثلث الجوهري، المؤلَّف كما أسلفنا- من ثالوث: التاجر+ الجندي+ الحكيم.

التاريخ الأوروبي نموذجاً

ومن مزايا هذا التحليل أنه يحاول تقصي جذور وأصول التحولات الأساسية في مسار التاريخ البشري، وهو في هذا السياق بالذات يتخذ من التاريخ الأوروبي نموذجاً على تلك التحولات: يوضح مثلاً كيف شهد القرن السادس عشر ازدهارا غير مسبوق في اتساع وتنوع الأسواق التجارية وبالتالي في نمو حركة التبادل التجاري وهو ما أفضى إلى ظاهرة جذرية بكل معنى، ويطلق عليها الاختصاصيون المصطلح التالي:

التحضّر (أو التحّول الحضري)

وينصرف المصطلح بداهة إلى وصف ذلك الحراك الدؤوب من حياة وبيئة وثقافة القرية إلى المدينة ومن حياة البادية إلى الحاضرة.

بل تشهد حركة التاريخ والواقع الإنساني، على نحو ما يذهب إليه مؤلف كتابنا، «ديد بريستلاند»، استمرار هذه الظاهرة من التحول الحضري إلى لحظتنا الزمانية الراهنة، حيث لايزال عالمنا يشهد تحولات سكان الأرياف والغابات والبوادي إلى حياة المدن التي تشكل أمامهم إغراءات بالمعيشة الأيسر والخدمات الأكفأ وفرص الرزق الأسهل منالاً ( أو هكذا يتصورون في كثير من الأحيان)، وهو ما يفضي في التحليل الأخير أولاً إلى تبدد أسلوب للحياة كان أصيلاً بقدر ما كان بسيطاً على نحو ما درجت عليه المجتمعات ذات الجذور الراسخة والأعراف الأصيلة المتوارثة.

فيما يفضي ثانياً إلى ظاهرة الازدحام الحضري إلى حد التكدس والاكتظاظ على نحو ما أصبحت تعايشه وتعانيه أيضاً مراكز حضرية شتي في طول عالمنا وعرضه، ومنها مثلاً «ريودي جانيرو» في أميركا اللاتينية و»رانغون» و»بومباي» في آسيا و»القاهرة» في العالم العربي و»نيروبي» في إفريقيا، وهو ما أوجد للأسف ظاهرة الأحياء الفقيرة في المدن الداخلية كما يقول التعبير الأميركي ،أو العشوائيات كما يعبر المصطلح اليعربي في مصر.

في كل حال فقد عاش عالم القرن السادس عشر إلى القرن الثامن عشر ما اصطُلح على تسميته بالعصر «الميركانتيلي» بمعني العصر التجاري، وهي الحقبة التي تطورت إليها مرحلة النظام الإقطاعي- في أوروبا بالذات، وشهدت من ناحية الإيجاب خروج أوروبا من ظلمات القرون الوسطي وانتهاء نظام القنانة بمعني عبودية الأرض ،حيث كان الأرستقراطي الأوروبي باروناً كان أو مركيزاً أو دوقاً، يمتلك الأرض بما عليها من أدوات الزرع والحصاد وأيضاً بمن عليها من بشر.

البرجوازية والاشتقاق العربي

في هذا الإطار بالذات كان التحول مع التجارة من حياة الإقطاع في الريف إلى سكني المدن الجديدة ،التي أحاطوها في تلك الفترة الباكرة بأسوار وأبراج لزوم الحماية من هجمات الطبقات القديمة، ومن ثم حملت العناصر المستجدة والمشتغلة بالتجارة والرافضة لنظام الإقطاع وصف الناس ساكني «الأبراج» أو «البروج» فيما أدي هذا المصطلح اليعربي إلى أن أطلقوا عليهم الوصف المتداول حتي كتابة هذه السطور الطبقة البرجوازية.

هي الطبقة الوسطي التي تتخذ مواقعها وإمكاناتها وتطلعاتها في مكان وَسَط بين الأرستقراطية العليا وبين طبقات المجتمع الدنيا ممن يأكلون الطعام ويمشون في الأسواق ،على نحو ما يقول به التعبير العربي البليغ.

الوجه السلبي للظاهرة

لكن ظاهرة التحول الحضري، وبروز «البرجوازية التجارية» كان لها وجهها السلبي، عندما تطّلع أصحابها إلى المتاجرة على متن السفن عبر البحر المحيط، فكان أن ارتادوا أقطاراً في إفريقيا وآسيا بالذات ،وهناك تلمظوا طمعاً في ثرواتها وإمكاناتها، وكان في ذلك تمهيد، أي تمهيد، لحقبة بالغة القسوة في حياة البشر، وهي حقبة الاستعمار.

وليس صدفة أن جاءت هذه الجحافل من الاستغلال الاستعماري والسيطرة الإمبريالية على متن مشروع تجاري واسع النطاق، جاء إنشاؤه على يد «هولندا» ثم «إنجلترا» وحمل اسمه التاريخي: شركة الهند الشرقية ،وهو كيان تجاري ،كما يبدو طبعاً من الاسم، ولكنه كان إرهاصاً بالتحول إلى مخطط للسيطرة الاستعمارية على أقطار وساحات شملت مناطق شاسعة من شبه الجزيرة الهندية ،وامتدت شرقاً إلى الجزر الإندونيسية ،فيما امتدت غرباً كي تمس أقطاراً عربية عزيزة في منطقة الخليج.

جدل الظاهرة

يوضح كتابنا في هذا المقام بالذات أن لكل ظاهرة طابعها الديالكتيكي- الجدلي، بمعني أن الظاهرة توجد بنفسها إيجابياتها بقدر مات تفرزه من السلبيات.

في هذا الصدد يرصد مؤلفنا كيف قُيض لحقبة الرأسمالية التجارية أن تمهد السبيل كي يدخل العالم إلى حقبة جديدة، هي حقبة أعلى من حيث التطور، ويعني بها المؤلف حقبة الصناعة التي دشّنها بالطبع اختراع الآلة كي تؤدي دوراً أكثر دينامية وأشد إتقاناً من دور العامل اليدوي ، الإنسان.

في إطار حقبة الصناعة وقد سادت، كما هو معروف زمن القرن التاسع عشر- كان على عالَم ذلك الزمان أن يُصغي إلى أصوات الفريق الثالث فريق الحكيم، المفكر، المثقف، وهكذا تسامع الناس وقتها بأسماء «آدم سميث» يبشّر بالرأسمالية في أواخر القرن 18، فيما استمع إلى صوت «كارل ماركس» يبشر على العكس بالاشتراكية الشيوعية عند منتصف القرن 19 إلى أن حلّت أيام القرن العشرين ،فإذا بالعالم يصغي بانتباه إلى أصوات أفراد يتحلّون بنزعات عملية، برغماتية بمعني أكثر التصاقا بمعطيات الواقع من جهة وأشد اهتماما بجانب المنفعة من جهة أخري.

هنا يورد الكتاب أسماء وأعمال رجال من طراز «هنري فورد» الأميركي الذي اخترع أو اكتشف خط التجميع الذي أحدث ما يشبه الثورة في عالم الإنتاج الجمعي للسيارات. المفكر، الحكيم

عند هذا المنعطف من التحليل يرصد المؤلف ظاهرة طريفة بدورها، حيث يقارن تحولات تاجر العصر «الميركانتيلي» إلى حيث أصبح كما في شخصية «هنري فورد» وأنداده يتخذ شخصية الصناعي والمثقف أيضاً، ومن ثم جاء التحول من خلاصة هذه الشخصيات المتداخلة إلى شخصية مستجدة بعد الحرب العالمية الثانية على وجه الخصوص تحدث عن شخصية جديدة هي: التكنوقراط».

«وفيها تتجمع وقد تأتلف أبعاد متنوعة مستقاة في آن واحد من شخصية التاجر- الصناعي والحكيم، المثقف المفكر وأحياناً تدخل هذه الشخصية المستجدة عالم الجنود في ضوء ما استجد على حرفة العسكرية من تطورات جعلت الجندية علماً ودرساً وثقافة ومعارف وتكنولوجيا.

في ضوء هذا كله كان على عالَمنا، كما يوضح مؤلف الكتاب، أن يشهد حقبة جديدة منذ انتصاف القرن العشرين، بل أن يشهد طبعة أو نسخة مستجدة بدورها من النظام الرأسمالي ،حيث اتسمت هذه الصيغة المستجدة كما يعبر المؤلف أيضاً -بالخصائص التالية: إنها الرأسمالية الرائجة شعبياً والموجهة أساساً نحو الاستهلاك، ربما إلى حد الإفراط، والشغوفة بالأجهزة التي تعمل بكبس الأزرار شغفاً يصل إلى حد الجنون في بعض الأحيان، والمتحركة في نشاطها على أساس العلاقات الشبكية والسلوك الجماعي في كل الأوقات.

وفي إطار هذه النزعة الجماعية نحو الاستهلاك، وقد استندت في ممارستها إلى أساليب الائتمان والاقتراض من البنوك، بدأ التركيز يخفّ بشأن حكاية الفوارق بين الطبقات بعد أن أصبح بمقدور العمال أن يطمحوا مجرد طموح- إلى أسلوب حياة يمكن أن يضاهي أسلوب رؤسائهم ،حتي ولو لم يستطيعوا تحقيق هذا الطموح في يوم من الأيام.

والحاصل أن محور هذا الكتاب يدور حسب رؤية مؤلفنا- على أن تاريخ البشر هو في نهاية المطاف «صراع بين طبقات المجتمع الإنساني» ولكنه ليس صراعاً يمكن أن يصل إلى حدود الدموية على نحو ما تكلم عنه «كارل ماركس» في «البيان الشيوعي» (المانيفستو) الذي أصدره في عام 1848مع رفيق دربه المفكر الإنجليزي «فردريك انغلز».

إن الصراع عند مؤلف هذا الكتاب يشكل في الأساس ثمرة التداخل بين أدوار الثلاثي الجوهري الذي تدور عليه معظم مقولات هذا الكتاب وهو:

(1) التاجر- مؤسسة الاقتصاد + (2) الجندي المؤسسة العسكرية بكل تفرعاتها + (3) الحكيم وهو مؤسسة العقل والفكر والوجدان إن جاز التعبير.

ماذا بعد؟

عند هذا المنعطف من مقولات كتابنا يتوقف النقاد عند سؤال بسيط وصريح هو: ثم ماذا بعد؟ .. هل نترك العالم كي يواصل معاناته لجراحات الأزمة الاقتصادية الراهنة وربما تتلوها أزمات أشد وطأة وأخطر تأثيراً؟

في هذا الخصوص تلاحظ مجلة «الإيكونومست» البريطانية في تحليلها النقدي لهذا الكتاب أن المؤلف يطمح إلى التوصل إلى اتفاق، أو توافق عالمي جديد يؤدي، كما يتصور المؤلف، إلى تنظيم تحركات رؤوس الأموال، على المستوي الدولي، وبهذا يروّض سلوكيات البورصات وأسواق الأوراق المالية التي كثيراً ما يؤدي جموحها إلى أزمات مالية ومن ثم عقبات اقتصادية على نحو ما حدث بالنسبة للأزمة المالية الراهنة، التي وجدت بداياتها عند زوايا شارع ضيق وصغير في جنوبي ضاحية مانهاتن بنيويورك ،ويحمل اسمه المعروف: وول ستريت

المؤلف يطلق على هذا الاتفاق المأمول إسماً له معنى: اتفاق «برايتون وودز» الجديد

والإشارة هنا إلى المؤسسات التي مازالت ترتبط باسم «برايتون وودز» البلدة الأميركية الصغيرة في ولاية «نيوهامبشاير» وقد استضافت أهم اجتماع لخبراء المال والاقتصاد في العالم. وكان ذلك في أول يوليو من عام 1944 حين كانت الحرب العالمية الثانية تضع كما يقولون- أوزارها.

وبعدها خرج المؤتمر بإعلان إنشاء المنظومة المالية- الاقتصادية العالمية ،وأولها البنك الدولي ثم صندوق النقد الدولي وبعدهما كانت المؤسسة المالية العالمية. وهذا الثلاثي سبق تأسيسه بالطبع قبل إنشاء منظمة الأمم المتحدة ذاتها.

المنظومة المالية العالمية ظلت مسئولة عن تنظيم اقتصاديات العالم على مدار السنوات الستين الماضية ،ولكن جاءت الأزمة الاقتصادية الأخيرة لتدفع الاختصاصيين، ومنهم مؤلف الكتاب، إلى التفكير في منظومة مستجدة، ربما أكثر شباباً ،وربما أوفي عافية، وربما أشد استجابة وفهماً لما استجد من متغيرات على عالمنا ،وفي مقدمتها ظاهرة العولمة وثورة الميديا واقتحام تكنولوجيا المعلومات والاتصال حياة سكان الكرة الأرضية على السواء.

وسواء أصغي العالم إلى دعوة هذا الكتاب للتوصل إلى ميثاق أو نظام اقتصادي جديد يستجيب لتلك المتغيرات الصاعقة المذهلة أحياناً التي استجدت مع نهايات القرن الماضي وبدايات القرن الجديد، فالشاهد أن الكتاب يمثل دعوة تنّبِه إلى ضرورة التغيير أيا كانت الصيغ والأساليب.

 

المؤلف في سطور

منذ بدايات عمله الأكاديمي ظل «ديفيد بريستلاند» مشدوداً إلى مراحل التطور في المجتمع البشري.

وربما عزز من هذا الشغف حقيقة أنه تعّمق إلى حد ملحوظ في دراسة النظرية الماركسية وما أسفرت عنه من طرح الفكر الاشتراكي- الشيوعي، على نحو ماجرى تطبيقه، سواء في الاتحاد السوفييتي منذ عشرينات القرن الماضي، أو في الصين الشعبية منذ فاتح الخمسينات من القرن العشرين.

من هنا كانت دراسة المؤلف لمراحل تطّور وتغير مجتمع البشر، مع التطبيق على مجتمع الغرب في أوروبا، ما بين مرحلة الإقطاع إلى مرحلة الصناعة وما بينهما من مراحل الرأسمالية التجارية ثم الرأسمالية الصناعية، ومن ثم إلى ما تصوره مؤرخو اليسار في أوروبا وفي غيرها من وصول المجتمع إلى مرحلة التطبيق والاقتصاد الاشتراكي.

ويشهد بالاهتمام السابق حقيقة السنوات التي أمضاها «ديفيد بريستلاند» دارساً وباحثاً ومحققاً لتاريخ تلك المراحل بين جامعتي «موسكو» في روسيا و»أكسفورد» في إنجلترا، فيما يشهد بذلك أيضاً إصداره كتاباً مهماً عن التاريخ الروسي القريب وخاصة المرحلة «الستالينية» .

والكتاب المذكور يحمل عنوان «الستالينية وسياسة التعبئة» وقد حاز تقديراً ملحوظاً من جانب النقاد والمحللين السياسيين.

يقوم المؤلف حاليا بتدريس علم التاريخ في جامعة «أكسفورد المرموقة كما أنه عضو زميل باحث في منتدي «سان إدموند هول».

عدد الصفحات: 352 صفحة

تأليف: ديفيد بريستلاند

عرض ومناقشة: محمد الخولي

الناشر: دار ألين لين، لندن، 2013a

Email